ليس من حلٍّ وسط في النظر إلى شعائر الحج، فإما أن تكون النظرة قائمة على ما يبدو في ظاهر الصورة، وإما أن تكون قائمة على استكناه الجواهر والدرر.
في الحالة الأولى نقع في مصيدة التفسير المباشر الذي سيفتقر لا محالة إلى مقاصد هذه الشعائر في نسختها الدينية الإسلامية، فالطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة لم يبدأ بالإسلام، بل كان طقساً عبادياً وثنياً قبل الإسلام، والكعبة كانت قائمة ومشرّفة قبل الإسلام؛ غير أن تكريمها وتشريفها اتخذ بُعداً جديداً بعد الإسلام.
وفي الحالة الثانية سنرى أن اختلاف المقاصد هي التي منحت الشعائر والمشاعر المقدّسة محتوى جديداً يتناسب مع الرؤية الإسلامية للوجود والطبيعة والكون، بالإضافة إلى ما وراء هذه الأبعاد.
وسنرى أن التوحيد الإسلامي يتجاوز ظواهر الأمور إلى جواهرها ، دونما تنكب لمشقة البرهان العقلي ، والتفسير المنطقي الشكلي، والحسابات الرياضية المحكومة بالحيرة والضبابية، ومن هنا يمكن تلمس أبعاد شعائر الحج في متوالية الاحتشاد البشري المعبر عن الوحدة والتنوّع، والطواف الدائري المعبّر عن المعنى الكلّي لدائرة الأكوان زماناً ومكاناً، آية ذلك قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يقف على صعيد عرفة قائلاً: «ألا إن الزمان قد استدار بهيأته يوم خلق الله السموات والأرض».
في لطيفة كبرى من لطائف الإشارات المحمّدية الخارقة للزمان والمكان، ففي هذا القول المختصر تفسير شامل لذلك النبع الأول لشعائر الحج.
في لحظة التلبية الإسلامية نستعيد تلك التلبية السابقة لعرب ما قبل الإسلام، لنشهد تفارق المعنى والمبنى، حيث كان عرب الجاهلية يلبّون على هذا النحو: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك».
فجاءت تلبية المسلمين على لسان الرسول الكريم: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».
ويمكننا بالمقارنة ملاحظة الفرق الجوهري بين التلبيتين، كما نلاحظ الفرق الجوهري بين سعي الجاهليين بين الصفا والمروة، وسعي المسلمين، فقد كان الجاهليون يتبرّكون في السعي أمام آلهتهم إساف ونائلة، وهو ما تغيّر جذرياً بانتهاء الأصنام، فبقت المشاعر والشعائر، ولكن بمضامين مختلفة تماماً.
[email protected]