موسى و الخضر عليهما السلام تبسيط لمؤسسة فيها تابع و متبوع قائد و فرد لم يكتب النجاح والاستمرار في هذه العلاقة بينهما لغياب الشفافية
وقد توقع الخضر منذ البداية أن هذه العلاقة لن يكتب لها النجاح لهذا السبب فقال الله على لسانه: (قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا).
إذا فعدم الإحاطة بالمعلومة و الخبر وحيثيات اتخاذ القرار ومسوغاته سبب كافي للفراق وهو ما حدث نهاية المطاف حين قال الخضر بعد أن رأى إخلال موسى بالاتفاق ” قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ “.
فالاتفاق كان نتيجة رغبة ملحة من موسى عليه السلام حين قدم إليه قائلا (قالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)، واتفقا بأن يلتزم بالصبر و الطاعة وعدم السؤال حتى يصدر البيان من الخضر ..
فقال موسى (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا
فرد الخضر (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ..
لكن الناس ينقسمون إلى أصناف في تعاملهم مع الشفافية سنتحدث عن صنفين منهم:
1- الأول تواق لها فهي تجعله يشعر بالأمان الداخلي و التصالح مع النفس و الثقة بها و تقدير الذات و الثقة بمن هو أعلى درجة تنظيمية منه .
2- الثاني تسليم كامل بصواب القائد و أنه صاحب علم لدني غيبي تربطه بالإله وتلغي حق العضو في أن يسأل ويفهم ويكون على بينة ..
وهؤلاء يكونون في العادة أتباع الكهنوت أو القائد الملهم ، يفعلون ما يخالف العقل والنقل والعرف والعدل والحق والاخلاق دون أن تهتز ثقتهم بمتبوعهم طالما هو من وجه بذلك .
يخرقون سفينة الوطن ويقتلون غلمانه وينقضون جدرانه وهم في غاية التسليم لقيادتهم أنها تفعل الصواب كل الصواب و حين تعييهم الحيلة في التبرير قد يلجئون للغيبيات للاستنجاد بها في تبرير فعل و قرارات القيادة ..
موسى من الصنف الأول الذي يعبر عن بشريتنا جميعا كأشخاص لم يبيعوا عقولهم لكهنوت .
موسى ما استطاع أن يصبر على خرق السفينة ولا قتل الغلام ولا نقض الجدار،
لأنه لم يستطع أن يفهم هذه الأفعال التي و صفها بشيٍ ( إمرا و نكرا ) .
إنها الشفافية يا سادة الشفافية التي قال عنها الخضر (قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا)
الشفافية التي هي من أسس استمرار العلاقات التنظيمية وهي لا تتنافى مع السرية التي هي جزء من عمل المنظمات اقتصادية و سياسية و عسكرية وغيرها.
فالشفافية لا تعني ذيوع خبر انتاج سلاح أو حملة اطلاق منتج أو طريقة الدفع بمرشح أو حتى خلطة سرية في مطعم لا يعرفها إلا عدد محدود من الموظفين إنما تعني تدفق المعلومات حسب حاجة الأفراد لها وهذه الحاجة ليست بالضرورة تنفيذية بمعنى أساسية لممارسة عملهم بل معنوية للإجابة على سؤال أين نحن وأين نمضي..؟
فحتى تلك القرارات العظيمة تصبح سببا جوهريا للخلافات في غياب الشفافية فلا القيادات هي الخضر ولديها علم لدني ولا الاعضاء موسى سيستطيعون الصبر كل هذا الوقت ..
يجب أن يعرف القائد أن الشفافية لن تكلفه شيئا قبل اتخاذ القرار فهو يستطيع التهيئة وجس النبض واطلاق بالونات اختبار و قياس ردات الفعل ثم جمعها حتى إذا اتخذ القرار كانت الحملة الترويجية له تحتوي على إجابات و توضيحات لكل تلك الأسئلة التي ظهرت اثناء النقاشات.
إن أهم عناصر الشفافية هو الشراكة في اتخاذ القرار وفق مرجعية الاختلاف في الرأي لكن حين يخرج القرار كثمرة مؤسسية سيلتزم به الجميع حتى لو كان مخالفا لرأي بعضهم طالما هو نتاج جهد جماعي و قد ابتكرت المنظمات آليات عديدة لإشراك أكبر قدر من الأشخاص في اتخاذ القرار في وقت قياسي و دون الإخلال بالسرية.
لقراءة المقال السابق (من وحي الكهف..(نفتقد القائد-1).