مع تسارع الأحداث في العربية اليمنية ( اليمن الشمالية ) بسبب استقالة رئيس البلاد عبدربه هادي منصور ، و استقالة وئيس الوزراء خالد بحاح مع حكومته وفرض حصار عليهم من قبل مايسمى باللجان الشعبية التابعة للحوثيين ، اصبح اليمن على حافة الانهيار مع كل الازمات الاقتصادية و السياسية والاجتماعية و الفراغ الدستوري ، وكل هذه العوامل بالطبع أدت لطمس آخر بصيص أمل لبناء دولة مدنية شمال اليمن.
وفي ظل صخب هذه التطورات الكبيرة التي تشهدها العربية يمنية ، يعيش ابناء الجنوب اليوم في حالة ترقب وأمل بأعلان استقلال الجنوب وتحريرها ، بعد احتلال جاثم على صدورهم منذ العام أربعة وتسعين ، وخصوصاً بعد انهيار أدنى طيف أمل لأصلاح مسار الوحدة التي هي بالأساس احتلال ، ولهذا فأن الجنوب اليوم يقف على مفترق طرق هامة وخطيرة ، وامام عدة سيناريوهات مختلفة ، التي أرى - بوجهة نظري - انها الأقرب ربما للحدوث على أرض الواقع ، ومن هذه السيناريوهات :-
*اقليم جنوبي ضمن اليمن : بأن تعلن اللجان الشعبية الجنوبية ،و السلطات المحلية للمحافظات الجنوبية الست عن قيام أقليم جنوبي مستقل عن الاقاليم الشمالية ، ولكن يعتبر الأقليم ضمن الحدود الجغرافية لليمن ( الجمهورية اليمنية ) ، أي مثل نموذج كوردستان العراق في شمال الجمهورية العراقية الذي أصبح أقليماً يتمتع بحكم ذاتي عام ١٩٧٠ بعد مشاكل سياسية وعسكرية كبيرة بين المعارضة الكردية والحكومة العراقية ، وسوف يتمتع ألاقليم الجنوبي في اليمن بحكم ذاتي وحكومة داخلية مصغرة ، ومن المعروف أن فرص انشاء اقليم مدني بالجنوب اكبر بكثير منها بالشمال ، حيث أن الجنوب متناسق مذهبياً وطوى صفحة الخلافات السياسة التي حدثت قبل الوحدة ( احداث يناير ) ، وبالتأكيد سوف يلاقي الأقليم الجنوبي بعض التأييد من اطراف سياسية جنوبية واطراف شمالية ودولية ، وقد يكون الحل الوسط للاطراف السياسية الخارجية من بين الانفصال أو الوحدة (الاحتلالية)، ولكن الشعب الجنوبي في الساحات لا اعتقد انه سوف يقبل بأقل من استقلال تام.
وربما يكون الأقليم الجنوبي يكون الخطوة الأولى نحو الاستقلال مثل ماحدث في جنوب السودان حيث حدث هنالك استفتاء على استقلال جنوب السودان وصوت جنوبيين السودان بالأغلبية الساحقة لصالح الاستقلال عن الخرطوم ، إضافة إلى أن هذه الخطوة تعتبر - ربما - الأكثر عقلانية وامان لأستقلال الجنوب حيث انها ترسم استقلال بطيىء وسلس ، و تؤمن بنية تحتية وتؤسس نواة دولة الجنوب ومؤسساتها ، على عكس الاستقلال المباشر الذي قد يكون ضربة حظ تؤدي ربما لانفجار صراع على السلطة - لاقدر الله - في الجنوب المحتل ، خصوصاً مع كثرة الفصائل و الجماعات الجنوبية.
*اعتراف جزئي بالجنوب: إذا ماتحرك الساسة الجنوبيين على الساحة الدولية ، من خلال المؤسسات والمنظمات الدولية مثل مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ، كما قامت السلطة الفلسطينية مؤخرا قبل شهر تقريبا ، فسوف تجلب هذه الخطوة نوعاً من الاعتراف الجزئي بالجنوب خصوصاً بعد سيطرة الحوثيين ( ذراع ايران في اليمن ) على الشمال ، فأنه من صالح الدول المختلفة مع ايران مثل دول الخليج العربي وامريكا وتركيا دعم الاعتراف بالجنوب من قبل دول تابعه لها دون اعترافها هي بالجنوب لأن هذه الدول لاتتخد مواقف مستعجله ابداً.
وأيضاً الجميع يعرف أن الجنوب يحتوى على ممر تجاري هام وعالمي هو مضيق باب المندب ، حيث تمر تجاره العالم ، وفي حال سيطرة الحوثيين عليه فأن هذه يشكل ضربه كبيرة للتجارة العالمية. ولكن إذا ماتحرك الساسة الجنوبيين هذه التحركات على المستوى السياسي و الدبلوماسي يجب أن يكون هناك تحرك ميداني على ارض الجنوب للسيطرة على مناطق جنوبية.
وفي هذا السيناريو نماذج كثيره مثل الصحراء الغربية التي تعترف بها دول كثير وحتى في الخرائط العالمية تعتبر ارض مستقلة أو متنازع عليها في أفضل الاحوال ، ولا تدخل ضمن التراب المغربي ، ورغم اعتراف عشرات الدول بالجمهورية الصحراوية العربية الديمواقراطية الأ انها حسب الأمم المتحدة منطقة متنازع عليها وطبعاً سيكون كذلك مصير الجنوب نحو الاستقلال لاسيما أن الشماليون لن يقفوا مكتوفي الايدي تجاه اعتراف بعض الدول بالجنوب أن حدث هذا ، وقد تتطور الأوضاع إلى صِدام مسلح كما حدث بين البوليساريو والمغرب في سبعينات القرن الماضي ، وطبعاً إذا حدث السيناريو الصحراوي بالجنوب فقد يكون هنالك صراع بين بين قوى تتبع اطراف خارجية جارة للجنوب أو دول اقليمية للسيطرة على الجنوب ودعم موقف محدد فيه ، خصوصاً بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ، والمملكة العربية السعودية ، وهناك عدة نماذج لهذا السيناريو المحتمل مثل الصومال لاند ، وقبرص الشمالية اللتين يحضيان باعتراف جزئي وتعتبر هذه الدول شبه مستقلة ولها حضور سياسي قوي ولكن استقلالها ليس كامل.
* استقلال تام : هذا السيناريو هو اكثر السيناريوهات رغبة من شعب الجنوب بأن يتحقق طبعاً لاتزال الكيفية بهذا السيناريو مبهمة نوعاً ما فهل سيرحل المحتل اليمني من أرضنا بالسلمية ، أم أن الاحتلال الهمجي المتخلف الذي يمارس انواع الاجرام والإرهاب لن يرحل الا بالسلاح والكفاح المسلح ؟ ، أن هذا السيناريو المحتمل هو حلم أغلب الشعب الجنوبي الذي بات يرفض كل انصف الحلول ولا يقبل الأ الاستقلال التام ، وطبعاً مع التغيرات السريعة في اليمن الشمالية ، والتغيرات في دول الأقليم وصعود قوى جديدة و هبوط قوى اخرى ، أصبح هنالك فرصة ذهبية للقيادة الجنوبية لأنتزاع الاستقلال التام من خلال العمل الميداني والسياسي ، وتنشيط لغة الحوار وفتح قنوات اتصال مع جميع القوى في الدول الأقليمية ومحاولة شرح وايصال القضية الجنوبية ، وشرح تطلعات الشعب الجنوبية ، وبالنسبة لي فأن الاستقلال التام قد يكون صعب ، ولكن ليس مستحيل ويلبي طموحات للشعب الجنوبي في تحقيق الاستقلال الناجز.
وهنا نذكر نموذج الجنوب نفسه ولكن إبان الاستعمار البريطاني حيث رحل الاستعمار في 30 نوفمبر 1967 وحصل الجنوب على استقلال تام و اعتراف كلي فوراً.
*بقاء الاحتلال : وهذا يمثل اسوء سيناريو محتمل ، وهو يعني بقاء المحتل اليمني بهمجيته وعنهجيته وظلمه و ارهابة في ارض الجنوب بلا رادع ، ولا حتى تنديد من الاطراف الدولية ، وهذا السيناريو يعتبر قائم إلى الان ، ولكن كما ذكرت فأن بقائه من عدمه هو مرتبط اولاً واخيراً بالأرادة و الإدارة الجنوبية ، وبالاحداث السياسية الإقليمية ثانياً.
واخيراً أن الشعب الجنوبي يقف امام هذه السيناريوهات ، بكل ترقب وأمل وخوف على مستقبل الجنوب الذي بات اليوم امام عدة سيناريوهات ، ولكن الأمل يبقى دائماً هو عنوان كل جنوبي حر.