عدن هدية الزمان، قدرها وضعها خارج سياق تقدير الإنسان لاستراتيجية المكان، وأهمية الموقع الذي حباها به الله. عدن آية من آيات جمال الطبيعة النادرة، تعبث بها مليشيات الكهوف الجبلية التي لا تعرف الضوء والماء، وتنتقم من كل شيء فيها، بدءا من الإنسان المدني، مرورا بأرثها الذي يحكي صفحات تاريخها، وملكاتها الإبداعية في خلق تعايش اجتماعي تمتزج فيه كل الثقافات والعرقيات والأديان. مليشيات لم تحمل معها مشروع الموت القادم على ظهر دبابة، فحسب، بل جلبت معها الأمراض القاتلة التي قد تجاوزتها المدينة بمسافات تفوق تلك الفاصلة بينها وكهوف مران، وتركتها تفتك بأهلها الذين لم يمنحوا الجميع إلا الخير والسلام كحال مدينتهم. عدن، او (البندر) كما تشتهر بتلك التسمية المحببة لكل القادمين اليها من ارياف الجنوب، وارياف الشمال المجاور، كانت قبلة للجميع، فكانوا يمنون النفس بزيارتها (ياليت عدن مسير يوم) او اليها (يسيرون سيرة)، او يقصدونها في شهر نيسان ليبيعون الفل في حي (الشيخ عثمان)، وحتى المغتربين كانوا ينتظرون لحظة هبوط طائرة العودة فوق مدرج مطارها الدولي، وهم يتمتمون (ياطائرة طيري على بندر عدن). عدن (العز والمقدار)، في التاريخ والمخيلة الشعبية، لم تكن مصدر للعداء، بل كانت مقصد للأعداء الطامعين فيها، وتعرضت للغزو وأخضعت للاحتلال الأجنبي، أسوأه على الإطلاق الأحتلال الصنعاني اولا، والصعدي (نسبة لصعدة) حاليا. رغم الوجع الذي تعيشه عدن بجبالها وبحرها وشواطئها وحافاتها، وإنسانها المشرد والنازح، لكنها تبقى عدن، التي بنى العشاق على سواحلها معبد خالد، وستعود من بين ركام الحرب والخراب عدن دون سواها. كل الغزاة رحلوا، وبقت عدن. هكذا تعلمنا صفحات التاريخ، حتما سيعود الزمان وستعود عدن أجمل وأبهى