بقلم: عبدالوهاب العمراني
من بداهة القول بأن اليمن وسواها بالنظر لعبقرية المكان ولعنة الزمان ظلت عرضة لإطماع خارجية فالتدخل الخارجي ليس بجديد ابتداء من استنجاد سيف بن ذي يزن بالفرس لطرد الأحباش ومروراً بتدخل المصريين ثلاث مرات الأولى في عهد الفاطميين حيث كانت الملكة اروى تحت عبائة الدولة الفاطمية في القاهرة وفي عهد محمد علي باشا ومؤخراً في الستينيات من القرن الماضي غداة ثورة سبتمبر ، بالطبع هناك تدخل لقوى أخرى كالبرتغاليين وفي بدايات القرن العشرين الطليان ..
نماذج مماثلة في الفوضى في تاريخ اليمن السياسي وتحديداً في الفترة مابين الاحتلال التركي الأول والثاني وبعد أفول نجم الدولة الاسمية في منتصف القرن التاسع عشر شهدت اليمن فترة فوضى استمرت أكثر من ربع قرن بدون حاكم فعلي لليمن حيث كان فقط في شمال الشمال سبعة أئمة في وقت واحد وهذا يخالف حسب ما يعتقد أتباع المذهب بأن الإمامة لا تجيز وجود إمامين في قطر واحد ، كانت الفوضى تعصف باليمن لدرجة أن أعيان صنعاء شدوا الرحال للأستانة للسفر (الباب العالي) أستمبول لاستجداء السلطان العثماني بالعودة لاحتلال اليمن مجددا وكان ذلك في العام 1872م والذي استمر حتى عام 1911 م عندما وقعت اتفاقية دعان في عمران بين الإمام يحى والعثمانيين وبداية عهد الإمامة مجدداً ، ومن هنا يمكن القول بأن الاحتلال العثماني الثاني جاء بطلب يمني ، النظام الملكي بعد جلاء الأتراك لم يستغل مفردة الاستقلال بصورة ايجابية بالتفاعل مع العالم الخارجي وبالغوا في العزلة وادخلوا اليمن في مرحلة بؤس وتخلف استمر لنصف قرن ، حتى ثورة سبتمبر 1962م التي أطاحت بالعهد الملكي ولكن تأمر الإقليم (مصر والسعودية) وساسة الداخل وعدم وجود مشروع وطني واضح ظل اليمنيين يزحفون في الرمال المتحركة لنصف قرن آخر ، وكانوا على موعد لتغيير منتظر لكن وأدت ثورة الربيع العربي في نسخته اليمنية على النحو الذي نشاهد تداعياتها ولازال الفاعلين الأساسيين للدولة العميقة يتصدرون المشهد السياسي والعسكري بمحاولاتهم المستميتة إعادة إنتاج الفساد مجدداً ، وكانت تناقضات الفترة الانتقالية التي كان صالح لاعبا أساسيا في اجهاضها وإفشالها انتهى بتسليم الدولة لميليشيا خرجت من كهوف التاريخ وعلى سنابك الخيل أسقطت صنعاء بتهاون وتواطئ الدولة العميقة بما فيهم هادي نفسه ، في ظل تهاون إقليمي وضوء اخضر من المجتمع الدولي إلى أن أوصلوا اليمن على ماهو عليه اليوم ، ومن هنا يمكن القول بأن الانقسام المجتمعي في المشهد السياسي اليوم لايقوم على افتراضية ساذجة بالاسطوانة المشروخة عدوان وضد العدوان أو من يريد الحرب ومن لا يريدها ، بل هو قائم على أساس نتيجة هذا الصراع من جهة وضرباً من التصفيق للمنتصر المنتقم من جهة أخرى فغدت أيام اليمنيين بدلا من الإنتاج والعمل والتحصيل العلمي هي القلق ومتابعة الأخبار وجدل عقيم حو جزئيات تافهة في كل تفاصيل يومياتهم البائسة ، متزامناً مع معاناة نفسية وعوز اقتصادي يشمل اغلب اليمنيين وتردي في الخدمات إلى جانب حالة القمع والحصار الداخلي والخارجي فاليمنيون بين عدوانين في حقيقة الأمر وعدوان الداخل اشد تدميراً للعمران والإنسان واشد مرارة ، بل هو عود الثقاب الذي أعطى مبرر لتربص إقليمي في اليمن وكانت البداية التي قد تكون النهاية بعيدة الأمل في ظل انسداد الأفق السياسي من جهة العجز العسكري لطرفي الحرب من جهة أخرى ، وهكذا تحول تفكير اليمني في تدبير ابسط مقومات العيش مع خطاب ديماغوجي لطرفي الانقلاب وكأنه يأكل خطب ومظاهرات ..!
في حين أن الطرف الذي يدعي الحياد ووقف الحرب لا يطرح حلولاً من خلال بديل واقعي ومنطقي سوا كانت من تلك الاكثرية حانقة ومنتقدة كل الأطراف آو ممن يحاول النظام السابق إعادة إنتاج نفسه في حله قشيبة ، فما سمى بالطريق الثالث هو حفنة من الفاسدين وربما يعبر عن صراع قوى إقليمية السعودية والإمارات بإعادة إنتاج الدولة العميقة عبر مقولة التداول السلمي للفساد !
وإزاء ضبابية المشهد وتداخلاته يقع المراقب والمحلل السياسي في حيرة من آمره وقد يتسائل سائل هل فقد اليمنيون البوصلة آم أن الذاكرة اليمنية مثقوبة لدرجات تناسي أحداث عقدين من الزمن بدا من حرب 1994 م مروراً بستة حروب وانتهاء بإفرازات الربيع العربي في نسخته اليمنية التي يراد للمرحلة إعادة إنتاج نفسها باحتواء مراكز قوى الداخل وإرضاء الخارج الإقليمي والدولي.
لقد لخص الكاتب القطري محمد المسفر الحالة اليمنية بقولة "هناك طريقان لا ثالث لهما، إما أن تكون مع الشرعية و"عاصفة الحزم" أو أن تكون مع البغاة على السلطة وأتباع الولي الفقيه"
الثورة المضادة لثورة 11 فبراير أبتُلعت بل واحتوت أغلب القوى اليسارية والقومجية التي اصطفت في خندق معادي للامة العربية ، وغدت هذه المكونات منقسمة بين المتصارعين في صورة مشوهة تعكس ضحالة تلك النُخب التي كان معول عليها حمل مشاعل التغيير تزامن ذلك وتماهى مع تربص إقليمي ملحوظ.
وفي هذا السياق قد لا يدرك الكثيرون بأن حقيقة ماجرى ويجري في اليمن من محاولات مستميتة لإعادة إنتاج الدولة العميقة سواء بطريقة صالح وتحالفه مع من شن ضدهم ستة حروب أهلكت الحرث والنسل أو إعادة تدوير الجنرال العجوز علي محسن الأحمر فالعسكرة القبلية المتحالفة مع الإسلام السياسي بشقيه هي ملة واحدة وأن اختلفت الأساليب واختلف الحلفاء اختلف صالح مع رفيق دربة على اقتسام السلطة وهذا مالم يفهمه الجميع ، كان يراد وأد الثورة بطريقة التداول السلمي للفساد ، ولكن يبدو أن التناوب على الاستبداد من مكون مناطقي واحد سيكون على دماء الشعب اليمني في سياق تربص إقليمي قبل وبعد انقلاب 21 سبتمبر وما حدث فقط هو أعطاء السعودية الذريعة بإسقاط المدن بعد ان منح ضوء اخضر لساسة الداخل بما فيهم هادي نفسه الذي وقف على الحياد ، وكذا ضوء اخضر إقليمي ودولي ..
هناك رؤيتان لمألآت المشهد العسكري وبالتالي السياسي بعد إعادة إنتاج محسن فهو الورقة السعودية الأخيرة فهناك احتمالان لا ثالث لهما هو ان يساعد على الحسم وهذا ربما الأرجح ، وفي حال الفشل فأن الحرب قد تطول واحتمال تورط إيراني روسي كما في سوريا( وهذا احتمال مستبعد حالياً لجملة من الاعتبارات لامجال هنا لسردها) ولكن في حال افترضنا هذا جدلا سيسقط ذريعة أصحاب الاسطوانة المشروخة ( العدوان) حينها قد تتعقد الأمور وتستمر الحرب حتى لو دخلت روسيا بكل ثقلها وهذا بالطبع مجرد تكهنات لارتباطه بالملف السوري تحديداً ، لكن المؤكد انه بعد حرب عام بقيادة التحالف وربما عام آخر يكون التحالف في مواجهة تحالف آخر حينها قد ينتهي الدور الخارجي بيداء حرب أهلية كما حدث في العراق ، بمعنى نصوم ونفطر ببصلة ..