أصبح أكثر وضوحاً اليوم فشل مسار الكويت، في البحث عن سلامٍ في اليمن، لأسبابٍ جوهرية تحدثنا عنها مراراً وتكراراً، ولا حاجة لإعادة الحديث مجدداً عنها، وقد أصبحت معروفة، وهي، أننا، اليمنيون، أمام عصابة تاريخية، بكل ما تحمل كلمة العصابة من معنى، ليس لها قيم وطنية أو إنسانية أو دينية. وبالتالي، كان هذا المصير واضحاً منذ البداية، وليس منذ الانقلاب فحسب، بل قبل ذلك بكثير. وكنت قد كتبت مقالاً في "الجزيرة نت" قبيل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، "مؤشرات نجاح وفشل الحوار الوطني" بتاريخ 24/2/2013، وحذرت فيه من لحظة الانقلاب، من الجماعة المذهبية المتخلفة التي تسعى إلى تحويل اليمن سجناً كبيراً وبلاداً مختطفة في يد المشروع الإيراني وهيمنته، بوابة لالتهام دول الخليج.
مثل هذا المسار هو الذي يتكشف كل يوم ويتجلى بصورةٍ أكثر وضوحاً، والتي لم ولن يكون آخرها إعلان الانقلابيين عن مسمى المجلس السياسي الذي يعدّ تكريساً واضحاً لسلطة الانقلاب، سلطة أمر واقع، بعد فشل محاولة شرعنته في مفاوضات السلام التي كان جل هدفها كيفية تحويل حالة الانقلاب إلى سلطةٍ شرعيةٍ معترفٍ بها دولياً وإقليمياً، وتمرير هذا المشروع، بعد ضوئه الأخضر للانقلابيين، منذ البداية، حينما تم ضمهم إلى مؤتمر الحوار الوطني قبل عامين، وبدون أي شروطٍ، كان يفترض توفرها قبل تسليم السلاح الذي صنع به هذا الانقلاب بعد ذلك، وانقلبوا على الإجماع الوطني الذي خرج به مؤتمر الحوار الوطني حينها.
الجديد في مسار هذا التحول، بعد ظهور فشل مسار الكويت، بعد تقديم كل تلك التنازلات السياسية من الشرعية اليمنية والتحالف العربي تحديداً، لأدوات المشروع الإيراني في اليمن، والمنطقة العربية كلها، كان الإعلان عن تشكيل مجلس سياسي، في رسالة واضحة للجميع، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية، أن إيران وأدوتها لا زالت رقماً صعباً في اليمن، لا يمكن تجاوزها من دون رؤية حقيقية تتجاوز كل تفاصيل السياسة وأوهامها، وتناقضاتها التي تُؤخر وأخرت تحقيق الانتصار في اليمن.
ليس سبب هذا التأخر في حسم المعركة في اليمن قوة الانقلابيين، وإنما غياب الرؤية والارتباك لدى التحالف العربي والشرعية معاً، وهو ارتباك لا زال يتعامل مع اليمنيين في هذا المعركة المصيرية للوطن العربي كله على أنهم مجرد أتباع للتحالف، وليسوا شركاء له في هذه المعركة المفصلية، وهذا ما ينعكس سلباً على سير المعركة في الداخل بشكل كبير، عدا عن حالة التوجّس الشديدة التي يبديها التحالف تجاه بعض فصائل المقاومة التي انخرطت بكل قوتها في معركة استعادة اليمن، ووقف المشروع الإيراني.
وانطلاقاً من هذه المخاوف المبالغ فيها، ودفعت الجميع إلى تقديم تنازلات للحوثي، وقبوله على "معركة اليمن مصيرية سيتحدّد، في ضوئها، ليس مستقبل اليمن فحسب، بل المنطقة العربية كلها"طاولة المفاوضات، على الرغم من أن ميزان المعركة لم يعد في صالحه، وهو ما دفعه للبحث عن مخارج سياسية، تمثلت بجلوسه على طاولة مفاوضاتٍ، يتوخّى من خلالها الاعتراف به وتحقيق أهدافه التي عجز عن تحقيقها حرباً.
ومن هنا، جاء فشل مفاوضات الكويت، وتأكيد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ذلك بقوله إن جماعة الحوثي وصالح رفضوا التوقيع على المسوّدة الأممية، ما يعني فشل تلك المباحثات التي يراد لها، حتى الآن، أن تتحول إلى ما يشبه مسلسلاً مكسيكياً، بالحديث عن وجود جولاتٍ جديدةٍ لم يعلن عن مكانها بعد، لكن أطرافاً دولية ستسعى إلى استمرار مسلسل هذه المفاوضات التي لن تفضي إلى شيء، ما لم يتحقق جديدٌ على أرض المعركة.
بيد أن ما تحقق حتى الآن سياسياً من انكشاف كبير لمعسكر الانقلابيين، وعدم جدّيته في عملية السلام، على الرغم من كل تلك التنازلات التي حصل عليها، ما يسحب البساط من تحته ويبقيه جماعةً انقلابيةً لم تخضع للإرادة الدولية التي رعت هذه المفاوضات طويلاً منذ مفاوضات جنيف الأولى، كل هذا يمنح الشرعية والتحالف ضوءًا أخضر ومبرّراً قانونياً وأخلاقياً معاً، بضرورة استكمال العملية العسكرية، وحسم المعركة لإسقاط الانقلاب واستعادة الشرعية.
لا يحتاج هذا التوجه لشيء، مثلما يحتاج وضوح الرؤية الاستراتيجية التي انطلق بموجبها التحالف العربي، ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة تقييم المرحلة السابقة من الحرب، وتحديد نقاط الفشل والنجاح التي وقع بها التحالف منذ البداية. ولا تعوز التحالف شرعية قانونية وأخلاقية في هذا الجانب، بقدر ما يعوزه غياب رؤية واضحةٍ ليمن ما بعد دحر الانقلاب، وهي الإشكالية التي تغيب عنهم بشكل واضح، من خلال تخوفاتٍ ترى أن فراغًاً سياسياً قد ينشأ، وأن القوى البديلة للانقلابيين لم تتشكل بعد، ما قد يدفع اليمن والمنطقة نحو الفوضى.
جزء رئيسي من هذه الإشكالية يكمن في تخوف التحالف من القوى الإسلامية التي تعتبر قوةً رئيسيةً في المشهدين، السياسي والعسكري، في اليمن، بمعنى أن على من لا زال ينظر إلى هذه القوى امتداداً لثورات الربيع العربي، ويحاول ضربه، مراجعة هذه النظرة بجدية إلى حجم التحديات التي تتطلب إعادة تقييم مثل هذه السياسة غير الحكيمة في التعاطي بخفةٍ مع قضايا مصيرية، مثل معركة اليمن هذه.
مثل هذه التخوفات المشروعة، من الطبيعي مناقشتها بمنطق المصلحة الاستراتيجية للمنطقة كلها، والتي تذوب من أجلها كل الخصومات الجانبية، والتخوفات المبالغ فيها، والتي تحتاج إلى نقاشات داخلية، وتقريب وجهات النظر بين كل أطراف التحالف العربي والقوى الوطنية اليمنية، ولا ينبغي أن تنعكس أي إشكاليات لبعض أطراف التحالف مع بعض هذه القوى على سير المعركة في اليمن، هذه المعركة المصيرية التي سيتحدّد، في ضوئها، ليس مستقبل اليمن فحسب، بل المنطقة العربية كلها، وفي المقدمة منها منطقة الخليج العربي.
- See more at: