نصر صالح محمد
لم أجد عقوقاً كعقوق تلك العقول الآبقة من عقال الصواب،الشاردة عن استنتاج الحقائق من بين معطيات الواقع؛والتي توجب القراءة العقلية،والنظرة الموضوعية لأي منتوج فكري جديد، ومدى تأثيراته وآثاره المجتمعية، والدراية بماهيته وكيفية استقراره في الأوعية حتى تسليمها به؛بل والتعصب الأعمى له أحياناً من قبل العديد!
وذلك لاينتج إلا عن عدم التثبت في استقبال أي فكرة، ومراجعة منطلقاتها، ومآلات الانجراف في تيارها ؛فلم يبرأ الكثير من أبناء الأمة الإسلامية إلى هذه اللحظة من أسقام هذا الداء،ولم يتخذوا ما يقيهم من تفشيه وتطوره،وقد رأوا نتائج الاندفاع بارزة لا تخفى .
وهذا عائد إلى عيشهم في دنيا الجهالة بمقاصدالحياة،وغياب منهجية القراءة الصحيحة لمتطلباتها،وكيفية تطبيق الأحكام وإرساء المبادئ والقيم على حسب ملائمة وضعية الواقع، ومعرفة مستوى مواكبتها له،والفهم العميق لكليات وأصول الشريعة وعدم تحتيم نمطية واحدة في أخذ جزئياتها وفروعها.
بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى من تغليب العاطفة واتباعها في السير وراء أفكار لم تعرض على مجهر العقل وموقفه منها ،ولكن ربما كانت موافقة للمزاج وطريق الوصول إليها كان يسير !
أضف إلى ذلك إغلاق منافذ الإدراك، وقصور التصور لدى الكثير حيث لم يظهر منهم أي تساؤل بجدوى التمسك بفكر ما، وعدم استشراف المستقبل للذات التابعة له من خلال رؤية عوج الحاضر، وانسلاخ المتبوعين عن الغاية التي يهرفون بها ويجلبون اليها الأتباع،ثم العمل نقيض قصدهم ونواياهم بممارسة كل ما يراد التخلص منه، من أعمال محظورة،وقيم لا أخلاقية !
ولو كان لدى أولئك الذين يسلمون بكل فكرة ثمة منطق للوصول إلى معرفة النهج الذي يتضمن سلامة السير والاقتفاء، لأنقذوا أنفسهم من طريق الغي الذي يكبهم في نار الضلال والزيغ عن الصواب !
ولكن عدم الشغف بتحليل جزئيات الرؤى،واستخلاص الحقيقة من بينها،هو الذي يعكس قابلية السقوط والانحراف وذلك نتيجة الإعراض عن فلسفة الإسلام ودعوته إلى إعمال الفكر واستمرارية التأمل في كافة مجالات الكون والحياة.