هناك أوجه تشابه ما بين دونالد ترامب ومحمد مرسي من زاوية أن كليهما فاز في انتخابات ديمقراطية. وفي كلا الحالتين وجد جمهور يرفض التوجه الذي يصدران عنه، ولديه مخاوفه من "فاشية دينية محتملة " في حالة مرسي، و"فاشية عنصرية معلنة" في حالة ترامب، وإن أتيا عبر الصندوق، وعبر انتخابات ديمقراطية.
في حالة مرسي كان الجيش طرفا في الصراع، منحازاً ضد الرئيس المنتخب، وتوج ذلك باستغلال المظاهرات الشعبية والإنقلاب على الرئيس والزج به في السجن، وقتل ألف معتصم في ميدان رابعة الذي شهد فاجعة فض أكبر اعتصام سلمي بالقوة والعنف، واعتقال الالاف من أنصاره، وحظر حزبه وتياره وحظر كل نشاط سياسي واجتماعي لهما.
في الحالة الأمريكية لا يوجد عبدالفتاح السيسي لينقلب، وإن وجد فلن يكون بمقدوره استخدام الجيش الأمريكي ولا أجهزة البلد الأمنية التي تأتمر بالسلطة التي صعدت بالاختيار الشعبي عبر نظام ديمقراطي راسخ ودستور يحترمه الجميع ويخضع لنصوصه.
في الحالة المصرية وئدت الديمقراطية الوليدة، أما في حالة ترامب فلا زالت الإنتفاضة في بدايتها، وسيكون لها تبعاتها وتأثيراتها، غير أن الأكيد أنها لن تذهب في طريق السيسي.
ما هي "المخاوف" التي حركت الشارع من اليوم الأول ضد رئيسين منتخبين، وما هي التشابهات والاختلافات بين الرجلين والواقع الذي تحركا فيه والتأثير الخارجي وطبيعته في الحالتين؟!
تبدو حالة ترامب أكثر وضوحاً: رئيس قدم من خارج كل النخب بما فيها تلك المتحكمة داخل الحزب الجمهوري الذي رشحه، وتبدى من خلال تصريحاته العنصرية ضد المسلمين والسود واللاتينيين والمهاجرين وحلفاءه الأوروبيين، إنذاراً بفاشية عالمية جديدة لن تقف عند حد.
خطورة هذه التوجهات الصريحة عجل بالاحتجاجات التي انطلقت في اليوم التالي لانتخابه.. وهذا التحرك الجماهيري يمثل حالة غير مألوفة في بلد يبدو نظامه راسخاً منذ عقود، رسوخ أشبه بالجمود لحالة ديمقراطية محسومة دوماً تحت سقف محدد ، حتى أصبحت الانتخابات أشبه بروتين اعتيادي لناخبين في ظل أعمدة تحكم لا تسمح بأي هامش للخروج من السيستم الكلي وإطاره الثابت.
التحرك في الشارع هنا مدعوم يتوجس وقلق واستنفار أوروبي، يتشكل للحد من فداحة صعود ترامب لرئاسة الدولة العظمى في العالم، ويتأسس هنا على قيم الدبمقراطية والحرية والمساواة، قيم التنوير الأوروبي المؤسسة للنظام الديمقراطي الغربي - نظريا على الأقل - والتي بدت مهددة هذه المرة بشكل واضح وصريح. يضاف الى ذلك التأثيرات على أوروبا التي بدأت بانتعاش المزاج اليميني في هذه الدول عبر الأحزاب اليمينية وكذلك الشارع ، حيث انطلقت التظاهرات ضد المهاجرين واللاجئين في عدة عواصم أوروبية من بولندا إلى السويد.
في حالة محمد مرسي كانت المخاوف من " فاشية دينية محتملة " هي الرافعة الأولى للتحرك الجماهيري ضده، وعزز ذلك انفراد حركته يإقرار مشروع دستور جديد في بلد يضم مسيحيين ومسلمين، وهو ما أنذر المصريين بانقسام غير معهود في بلد بقي على الدوام منسجماً في اندماجه الاجتماعي.
لم يصدر من مرسي تصريحات مماثلة لتلك الني صدح بها ترامب.. غير أن الوقع كان مختلفاً: فلول نظام كامن ومتحفز للثأر عقب ثورة شعبية عارمة ضده هي الأهم في التاريخ المصري، وجيش غير محايد كان طرفاً في الصراع مع الإخوان المسلمين طوال ثمانين عاماً.. وهاتان الرافعتان عززتها ثالثة إقليمية: حلف مضاد للثورات الشعبية يقع مركزه في الخليج النفطي بأنظمة الملكية الاستهلاكية التي تملكها الرعب من الثورات الشعبية، ومن الإخوان المسلمين الذين صعدت بهم الموجة الشعبية وما تلاها من ديمقراطية وليدة الى سدة السلطة في أكبر بلد عربي: مصر.
من هنا كان للتحرك ضد مرسي طابع الثورة المضادة للثورات الشعبية والتجربة الديمقراطية أكثر من كونه تحركاً جماهيريا محضاً دفعت به مخاوف قطاعات واسعة من الشعب المصري المتوجسة من "فاشية دينية" تنذر بها حركة وضعت قدمها في السلطة منفردة بها لأول مرة، في بلد لم تترسخ في مؤسساته تقاليد التبادل السلمي للسلطة وقواعد الديمقراطية.
مثل ترامب، قدم مرسي من خارج النخب التقليدية المتحكمة بالسلطة ، ومثله جاء كحالة ارتكاسية نحو القوى المحافظة كتعبير عن فشل النخب واهترائها غير أن مرسي المحافظ وتياره الديني جاء إلى السلطة في سياق حالة ثورية شعبية ضداً على بنية الاستبداد المتهالكة، وجاء مبحراً على قارب الديمقراطية الذي يهل على مصر لأول مرة في تاريخها ليطوي ثلاثين عاماً من حكم مستبد وشائخ وصل به الخرف الى حد العمل الحثيث لتوريث السلطة.
بينما جاء ترامب بشعاراته الفاشية ليصعد الى قمة السلطة في بلد هو الأقوى في العالم وديمقراطيته هي الأكبر والأكثر رسوخًا. وهنا تبدو الفاشية العنصرية، حتى وإن كانت شعارا انتخابيا، خطرا داهما، ويبرز ترامب هنا كنقيض للقيم المؤسسة للديمقراطية، وخطر محتمل على مكتسباتها، في ظل موجة ارتدادية تطل فيها الفاشية برأسها من ضفتي المحيط الأطلسي وعواصمه التي بدأت تهتز من الحروب والاختلالات التي تعم الشرق الأوسط وتتسع لتشمل العالم كله في ظل حالة استقطاب غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.
هل انتهى العالم القديم وبدأ يتقوض ؟! كل المؤشرات توحي بأننا سائرون نحو هذا المآل بخطى حثيثة، العالم المهيمن فقد شرعيته وعوامل بقائه، غير أن البديل الذي سيمر عبر فصول الجحيم القادمة يبقى مجهولاً ولا ملامح له يستبينها الناظر من هذا الشتات وفقدان الوزن العابر للقارات.
* من صفحة الكاتب على الفيس بوك