عمار بن ناشر العريقي
أمتنا الإسلامية أمة رسالة، ولذلك فهي أمة علم وعمل ودعوة
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ).
وللشيطان الرجيم مداخل على النفوس كثيرة وخطيرة و ألاعيب في غاية المكر والخفاء قد يغفل بعض الصالحين في التفطن لإعاقتها لهم عن أداء الرسالة.
لذلك صرح القرآن بأبلغ بيان عن عداوة الشيطان الحقيقية للإنسان (إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) وأنها لا تكفي معه مجرد النظرية المعرفية، بل ايضا ووفق منهجية تطبيقية وسلوكية (إن الشيطان لكم عدو) ثم قال : فاتخذوه عدوا). فلا ينبغي للإنسان مهما عظم قدره أن يزكي نفسه فيظن أنه في حصانة ومناعة إيمانية وعلمية منه. قال تعالى :
(ولقد اضل منكم جبلا كثيرا افلم تكونوا تعقلون) ؟!.
و من هذه المداخل و الحيل:
1)آفة العجب والغرور والكبر: (نحن أبناء الله وأحباؤه)
(إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا)
(ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ..) وكما قيل :"إن من أمكر حيل الشيطان أن يقنعنا بعدم وجوده "" وإن عدم اكتشافنا لمداخل الشيطان لا يعني عدم وجودها اصلا." وهذه الحيلة واﻵفة تستلزم عدم استشعار النقص او الحاجة للمراجعة و التغيير على مستوى الفرد أو الجماعة، سواء في القيادة أو التربية أو التخطيط أو التنفيذ ..الخ
كما قال ابن مسعود : ( ود الشيطان لو ظفر من أحدكم بإحدى اثنتين :العجب أو القنوط )وتوهم ان المراجعة تستلزم اتهام الدين والمنهج الحق. وهو نوع من (الخلط بين المبدأ والتطبيق). مع أن المبدأ معصوم والتطبيق ليس كذلك. ولذلك فإن (المقدمات الخاطئة تعطي نتائج خاطئة)
( والخلل النفسي المنبعث عن معتقد لاشعوري بتوهم الكمال الضمني يتبعه لزوما الخلل الأخلاقي والذي يتبعه الخلل الفكري والسلوكي والاجتماعي ) ولذلك قال تعالى :
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ). وهي آفة كل جماعات الغلو والتعصب كالروافض والخوارج.
2) التسويف والجمود والفتور:
ومدخل الشيطان في تبرير هذا( العجز والكسل ) بانتظار الفرصة المناسبة أوزوال العائق (إكمال الدراسة أو البناء أو الزواج أو الوظيفة ..) فما يلبث حتى ينتقل إلى آخر وهكذا حتى تكثر العوائق وتضيع الفرص فياحسرتا ولات حين مندم.
تكاثرت الظباء على خراش ** فما يدري خراش مايصيد.
ومن هنا جاء الأمر بالمسارعة والمسابقة إلى الخيرات في القرآن للتحذير من اتباع خطوات الشيطان بتصديق أمانيه المعسولة :( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا). (فكم من إنسان انتهت حياته ولم يبدأها بعد). كما أن مشاغل الحياة لا يجوز أن تعيق الدعاة. إذ الدعوة والحياة يجريان في نسق واحد لايفترقان . وكما يروى عن عيسى عليه السلام قوله : (من عمل بما علم ، اورثه الله علم مالم يعلم) ويقاس عليه : (من عمل ما يستطيع أعانه الله على عمل مالا يستطيع). فالواجب إذن في مدافعة العوائق الوهمية طريقا إلى دفع العوائق الحقيقية بالعمل ماأمكن (إحرص على ما ينفعك واستعن الله ولاتعجز ..) رواه مسلم .
و كان عمله الله عه وسلم كما في البخاري : ( ديمة) .
3) الانشغال بالأدنى عن العمل الأولى والأعلى حيث يسوغ انحرافه وتقصيره بتأصيل التقصير وإضفاء الشرعية عليه
كما فعل مع أبينا آدم عليه السلام، ومثله أعذار المنافقين في التخلف والقعود عن الجهاد بذرائع نحو قولهم : (إن بيوتنا عورة) ( ائذن لي ولا تفتني) ( لا تنفروا في الحر) ( لو نعلم قتالا لاتبعناكم ). ومثلهم الذين يبررون ترك العمل والفاعلية بالانشغال بالمسؤولية (في توفير المال والاهتمام بالزوجة والأولاد ..)كما يبررون تقصيرهم عن طلب العلم أو الدعوة أو العمل بالانشغال بتعذر الجمع بينها أو الخوف من الوقوع في الغلو . أو أن ذلك مقتضى الحنكة السياسية والحكمة الواقعية
يرى الجبناء أن العجز عقل **وتلك خديعة الطبع اللئيم.
فمع تقوية الإرادة والهمة والوعي و التوكل في اقتحام البدايات يكون كمال النهايات وتزول العوائق بإذن رب الأرض والسماوات. وطريق الألف ميل- كما يقال - يبدأ بالخطوة الأولى. وصدق الله : (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ).
وعليه فليست المشكلة في الشيطان ولكن في التجاهل أو الجهل بمكره والبعد عن كنف الله وذكره فهو القائل أعاذنا الله من شره : (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ..)
وصدق الله القائل : (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن شر الشيطان وشركه وهمزه ونفخه ونفثه وصل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.