عبدالرحمن سلام علي
إن دعاة وهْم بناء السلام على حساب القضايا السياسية والوطنية الكبرى وعلى حساب وحدة التاريخ والجغرافيا وفي القلب منها الحرية ، والمواطنة المتساوية ، و الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة ، هو سلام لن يأتي أبداً وسيبقى سرابا يتبدد.. ، و لا مانع من أن يتدمر كل الوطن على طريق انجازه ، ومؤشرات ذلك قائمة في ما نراه من تدمير للمتحد الاجتماعي الوطني والتاريخي .
إن وهْم سلام يتأسس على قاعدة الانقلاب ، ونتائج حرب الانقلاب وأوهامه الأيديولوجية / العنصرية لن تكون نتيجته السياسية الواقعية سوى محاولة عبثية لتمرير مشروع الدولة الدينية / الطائفية ( نموذجها ومثالها الصارخ إيران ، وفي الحالة اليمنية الراهنة يراد لها أن تكون دولة محاصصة مع سلطة الانقلاب) ، وكأننا أمام مكافأة الانقلابيين على محاولتهم المجنونة لفرض مشروعهم السلالي على كل الوطن بالحرب .
إن الدعوة السياسية للسلام على مثل هذه الخلفية ، والحالة السياسية القائمة هو في تقديرنا أخطر المشاريع السياسية الأيديولوجية المطلوب تمريرها وباسم السلام ، والملفت للانتباه أن مشاريع مبادرات هكذا سلام تهل علينا من جهات مختلفة حين تكون الجماعة الحوثية / الانقلابية في مأزق سياسي وفي حالة ميدانية عسكرية صعبة لاتنفك معها مبادرات السلام تكر سبحتها برغبة داخلية من قبل البعض ، وبإيعاز من أطراف إقليمية / دولية ( نموذجها الصارخ مشروع جون كيري الطائفي حول الأقليات ). والهدف السياسي القريب والبعيد جعل الحرب حالة مستمرة ومستدامة في سياق المشروع التقسيمي الشرق الأوسطى وتحويل الانقلاب إلى سلطة أمر واقع " بين طرفي الحرب" كما يقولون، سلطة أمر واقع في صنعاء ، وشرعية محاصرة وضعيفة بفعل دولة الامارات واجهزتها الامنية والعسكرية، في عدن . والنتيجة وصول الانقلاب إلى مبتغاه وهدفه السياسي المراد إنفاذه بقوة الحرب ، أو بالمبادرات السياسية إن تعذر ذلك ، فما لم يتمكنوا من الحصول عليه بالانقلاب والحرب ، يحلمون واهمين بالحصول عليه عبر المفاوضات والتسويات الناقصة .
المطلوب وصول الانقلاب إلى نتيجة سياسية ، هي محاصصة في السلطة والثروة مع كل أطراف السياسة والمجتمع ، حالة مشابهة لوضع "حزب الله" في لبنان ، ليس للحصول على "الثلث المعطل" بل محاصصة للسلطة بين الشرعية والانقلاب ، والبداية بالاقرار والاعتراف السياسي والعملي بسلطة الانقلابيين لما بين أيديهم من سلطة وثروة "وجغرافيا" ، وهو ما يعني أن بعض دعاة السلام ليسوا واهمين في رفعهم لشعار "السلام" ودوره الوظيفي في المرحلة الراهنة ، لأن الواهمين بشعار السلام هم من يتعاطون مع حقائق السياسة والصراع والسلطة ، ببراءة الفكر السياسي المجرد غير مدركين أن النوايا الطيبة في السياسة تقود إلى الجحيم .
حين نتحدث عن السلام علينا أن نسأل عن المعنى الذي يستهدفه ذلك السلام ، وعن حدود وحجم المصلحة الوطنية المنتظرة من وراء شعار ذلك السلام ، وإن كانت دعوة تتضمن تقديم حلول سياسية واقعية لإنهاء الحرب أو أنها تجعل من الحرب حالة مستدامة لا يستفيد منها سوى تجار وأمراء الحروب ، وبالنتيجة الجماعة الانقلابية .
إن السؤال الرئيسي لمن من يبحث عن سلام سياسي واقعي في آفاق وطنية تاريخية وقابلة للتنفيذ هو: لماذا لا ينطلق هؤلاء من كل المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية المتوافق عليها من أغلبية الداخل وكل العالم الخارجي ؟!
والسؤال أيضاً : لماذا يتحدثون عن السلام بالقفز على الانقلاب الذي قاد إلى كل هذا الدمار ، وكأن الانقلاب لم يكن شيئاً مذكورا ؟!
ولماذا لا تبدأ ما تسمى بمبادرات السلام مما تراكم من مفاوضات سياسية سلمية ومن حيث وما وصلت إليه مفاوضات السلام التي أعلن عنها في ما أسمي " اتفاق الكويت " والذي استمر ، أكثر من ثلاثة أشهر حوار ، ومفاوضات ، شارك فيه العالم كله ، بما فيه الدور الإيجابي لدولة الكويت الكريمة ، وهو الاتفاق الذي أكد على مسارين للسلام : مسار أمني / عسكري يشارك فيه طرفي الحرب (الشرعية / والانقلاب) ، ومسار سياسي لاحق يشارك فيه جميع المكونات السياسية بما فيه الحراك الجنوبي الممثل للقضية الجنوبية . والمسار العسكري الأمني ليس إلا مقدمة وتمهيداً لإنجاز المسار السياسي الشامل والكامل لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة ، واحتكارها وحدها للسلاح ، وإطلاق المعتقلين السياسيين وغير ذلك من المطالب الملحة.
أما إذا كان المطلوب منا أن نبقى ندور في حلقة مفرغة من مفاوضات سلام لا تنتهي إلا لتبدأ على خلفية الحرب التي لن تتوقف إلا لتستدام .. وهكذا دواليك !!، فذاك أمر مستحيل! هل مطلوب منا أن نبدأ من نقطة الصفر "المربع الأول" لإطالة أمد الحرب خدمة لمشاريع سياسية إقليمية ودولية ؟! ألم يكن اتفاق الكويت جاهزاً ومعلنا للتوقيع عليه لولا تدخلات وضغوط إقليمية (ايران) الذين كانوا حاضرين في قلب منطقة المفاوضات كمستشارين ولعبوا دوراً في منع التوقيع على اتفاق الكويت ؟! فذلك أيضاً مستحيل .
إن الرضوخ والاستسلام للجماعة الانقلابية لن يقف عند حد .. فحتى لو تمت الموافقة على جعل الجماعة الانقلابية شريكاً كاملاً في العملية السياسة وفي السلطة والثروة ، فإن ذلك ليس إلا الخطوة الأولى على طريق الحلم بوهم الدولة الدينية المذهبية الطائفية أو (دولة المحاصصة الطائفية) وتكريسها في الممارسة السياسية الواقعية .هذا في أحسن الأحوال ، فالجماعة الدينية / العنصرية الطائفية بحكم عقليتهم الدينية / الفاشية ، وخلفية اعتقادهم الأيديولوجي الذي نراه بوضوح أمام أعيننا يمارس ويطبق من الصغيرة إلى ذرى الممارسة السياسية العليا ، يقول لنا بجلاء إن هذه الجماعة لن تقبل أبداً بالتحول إلى حزب سياسي ، ولا بتركها للسلاح ولن تقبل بفكرة المواطنة، ان سقف تنازلها يقف فقط عند حد الاعتراف بــِ"حقها الديني / الالهي" في حكم الشعب اليمني كله ، وهم أشجع من بعض دعاة السلام في إعلان ذلك بوضوح دون تحرج أو "تقية" في صورة مشروع "الولي الفقية" المعلن والقائم والممارس في قلب السياسية العملية اليومية ، وفي كل تفاصيل ما يحصل .
إنهم لا يخفون أيديولوجيتهم هذه ولا مواقفهم السياسية والعملية / العنصرية تلك ، خلف مشجب "السلام" والحرص على ايقاف الحرب ، لأن أخر همهم هو السلام وايقاف الحرب .
ولذلك لن يقبلوا إلا بالتنازل السياسي من الشعب لهم على قاعدة التمييز / السلالي / المذهبي ، وإلا ما معنى احتفالهم العلني والرسمي "بغديرخم" وخطابهم حول أحقيتهم بـــِ"الولاية" .
إن من يعتقد بــِ"حقه الإلهي" في حكم الناس لا حدود لنظرته الدونية الاستعلائية لمن حوله ، ولن يقبل إلا بعبودية مختارة من كل المجتمع له ولجماعته المصطفاة باسم الإله .. إن صيغة "الولي الفقيه" القائمة اليوم هي تجربة سياسية / أيديولوجية سلطوية مذهبية / طائفية / نموذجها بــِ"الولي الفقية" في إيران ، وهو بهذا المعنى أو ذاك يقترب من مفهوم" الإمام المعصوم" والذي يتجسد عندنا في رمزية ،"سيدي حسين /سيدي عبدالملك ...إلخ"؟!
فهل ما يريده منا بعض دعاة السلام الواهمين أو "الأيديولوجيين" هو القبول بمثل هذه الصيغة في نهاية مطاف الانقلاب / والحرب ؟!
إن من يتحدثون عن السلام مع جماعة فاشية / عنصرية يتأسس معنى وجودها كله على هذا المفهوم والمعنى في الممارسة السياسية الواقعية ، يدركون / أو لا يدركون أنهم إنما يؤسسون لتسوية سياسية لا امكانية لتحقيقها في واقع الممارسة في اليمن إلا على حساب كل المجتمع ، وكل التاريخ الوطني . ومن هنا نقولها بكل وضوح أن لا استقرار ولا أمن ولا سلام إلا بعودة الأمور إلى نصابها السياسي والوطني والتاريخي ، وأنه لا سلام إلا على على قاعدة اسقاط مشروع الانقلاب بكل أبعاده ومضامينه ، وفي الأساس منها البعد الأيديولوجي / المذهبي / العنصري .
من هنا فقط يمكننا أن ندخل إلى عتبة بوابة السلام الحقيقي ، والتسوية السياسية الوطنية التاريخية ، أي أن المطلوب هو اسقاط الانقلاب ليس بعقلية المنتصر، والمهزوم ، لمكون اجتماعي / ثقافي ، بل لمشروع سياسي عنصري يقدم نفسه بديلاً لكل التاريخ السياسي والثقافي والوطني لكفاح الشعب اليمني .
نقول ذلك لأن اختلافنا مع الجماعة الانقلابية الطائفية / العنصرية لم يعد -على الأقل- من قبلهم اختلافاً في شأن سياسي عام ، بل خلافاً على حق ثابت لهم بــِ"الولاية" ، ومن هنا توهُّم أو اعتقاد الجماعة الحوثية بــِ "حق إلهي / مقدس" في حكمهم كل الشعب على خلفية وهم ديني / ومن هنا خلافنا مع بعض دعاة السلام الوهمي الذين يصرون على الباس الحق بالباطل ، وإلباس الجماعة الحوثية بعداً سياسياً هم يرفضونه ولا يقبلون به إلا تكتيكيا .
وهنا لا خيار أمامنا سوى تصديق خطاب الجماعة الحوثية في إعلانها لمشروعها الأيديولوجي التمييزي السلالي ، وقراءة الفاتحة على خطاب مبادرات السلام الواهم .