بقلم: د. محمد صالح السعدي
ان قضيتنا في اخلاقنا
لطالما تسائلنا عن سبب اخفاقاتنا في الوطن، اخفاقاتنا في الدولة والاستقرار والحداثة والتطور، عن سبب تشظي المجتمع ومناطقيته، عن الجاهلية التي صارت كالمنهج تجتاح حياتنا، عن أسباب الاختلاف والخلاف، عن العصبية العمياء والطائفية، عن الكثير من السلبيات والسلبيات، ونضع سؤال يتلوه سؤال، بطرق شتى وبلهجاتنا اليمنية المختلفة، وكلها في مضمونها، لماذا فشلنا في بناء مجتمع متماسك ودولة مستقرة ولو بالحد الأدنى من الاستقرار والنظام؟
أن اكبر مشكلاتنا اليوم هي في اخلاقنا وسلوكياتنا كانت على المستوى الفردي او الحزبي , القيادي او المنقاد , مشكلة في طريقة فهمنا للقيم والمبادئ , وعن أهمية الثوابت من عدمها , عن كيفية التعامل معها ووضعها في مكانها الصحيح او جعلها شعارات تُخالف افعالنا وسلوكنا في المجتمع , عن أهمية الحقيقة , وكيف انها قادرة على تغير نظرة الناس للأمور , وكيف يكون التبدل بالمواقف والثوابت ميزة في عصرنا بدل ما كان عيباً ومناهضاً للقيم والاخلاقيات حيث يقال عن هذا المتقلب بأنه يملك المرونة والقدرة على القبول والرضا ؟ , واي رضاً هذا واي مرونة حين نتخلى عن القيم وكل ما يجعلنا انسانيون في تعاملنا , ولكنه تدليس الحق بالباطل ..
كيف سارت فينا , سلوكيات كثيرة أعطيت لها مسميات جديدة , فالجشع والنهب أصبحت شطارة واستغلال للفرص , والكذب والتشويه والتلفيق صارت القدرة على السيطرة على الرأي العام , والتآمر والخيانة أصبحت ذكاءً وعبقرية وبما عُرِفَ بالمصطلح العامي ( يلعب بالبيضة والحجر ) , وهي دليل الذكاء , والعصبية والمناطقية صارت شرفاً وقيمة , والنصب والاحتيال أصبحت فهلوه وحنكة , وكثير من السلوكيات الخاطئة التي وضِعَ لها مصطلحات جديدة كي يتقبلها المجتمع , فلا تجد ناقداً لها ولا معارضاً لوجودها فهي ضرورة للشخص ان يتحلى فيها كي يُحقق أموال ومصالح بما يُعرف في مجتمعنا بالعامية ( يمشي حاله ) , ومع الوقت , تزايدت هذه السلوكيات حتى صارت واقعاً مفروضاً على الجميع التعامل معه كواقع وسلوك وحقيقة وهي بالأصل امراض اخذت وضعها المزمن تنهش في نسيج المجتمع فيهلك من سقمها وعفنها , ونهلك معها يوماً مع يوم حتى نكتشف أن حياتنا ضاعت ونحن نتعفن وسط هذا الركام من السلوكيات البائسة والدخيلة ..
كيف نبني مجتمعاً ودولة , ولم نبني في الاول اخلاقنا وسلوكنا , فبقدر استقامتها يكون استقامة المجتمع وبالتالي يستقيم معها النظام والمؤسسات والبلاد , فينشئ الحس الوطني والشعور بالانتماء والإخلاص , وتُصبح الأمانة هي همنا والواجب مقصدنا والبناء والتطور غايتنا والأخلاق وسيلتنا , وتتحقق العدالة , ويسكن الامن حياتنا , فنحن من يبني هذا لا غيرنا , لأننا مصدر السلوك وانعكاس للأخلاقيات التي ننتهجها , فبمقدار الوعي الذي نتمتع فيه , وبمقدار فهمنا لها يظهر هذا انعكاساً لطبيعتنا وطريقتنا في الحياة , وليست المسألة قولاً , فما اسهل القول , ولكنه عمل وهذا يحتاج جهد , فالشر من السهل القيام فيه لكن الخير يحتاج جهداً وايماناً وقصداً ونيه , اما الشر فهو عبث وانحراف ولا عقلانية..
اخيراً، أننا نحتاج اليوم لحراك شعبي ثقافي، حالة اجتماعية شعبية فريدة وجديدة، فكل هذا السقم يجب أن يذهب بعيداً، ولا يكون هذا الا بترياق هو الاخلاق , وعلى المفكرون والادباء والمثقفون والساسة وغيرهم مهمة كبيرة في بناء حالة اجتماعية فريدة تحتوي على هذا الترياق لعلاج الآفات والسقم والمرض , وانعاش المجتمع من جديد , فمهما غرقنا في مستنقع الخطيئة , تضل في نفوسنا الفطرة السليمة حية ما دمت حياً , وكل ما تحتاج له هو نفض الغبار الذي يغطيها لتشع من جديد نوراً ...