نائب الرئيس مدرسة ثقافية يجهلها المثقفون
توفيق السامعي
شرفت مؤخراً بزيارة نائب رئيس الجمهورية القائد علي محسن صالح، وحاولت أن أعرف الرجل عن قرب وأطلع على ثقافته وعن سر اصطفافه الدائم مع القضايا الوطنية وهو الرجل الذي كان بإمكانه الحفاظ على تحالفه مع الرئيس السابق للإبقاء على كثير من المصالح المشتركة وروابط القربى بين الرجلين وهما من كان يمسك بزمام الوطن، قبل أن ينحاز إلى الشعب في ثورته وقضاياه المصيرية، وكذلك معرفة سر العداء الشديد له من قبل المشروع الإمامي دون غيره من رجالات السلطة السابقة وعلى رأسهم الرئيس السابق علي صالح.
ونحن نتناقش في قضايا اليمن التاريخية، وفي المقدمة منها المشروع الإمامي وأبعاده وسياقاته التاريخية، كشف الرجل عن شخصية ثقافية فذة إلى جانب شخصيته العسكرية التي عرفه بها اليمنيون، فالمتعارف عليه يمنياً أن الرجل العسكري ليست لديه ثقافة عامة ومعرفة مدنية بالقرب من هموم الناس وتطلعاتهم، وهذا هو الانطباع العام يمنياً عن كل العسكر تقريباً وخاصة نظام الرئيس السابق صالح ورجالاته. لكن كان الرجل موسوعة تاريخية وثقافية فكرية يتحدث دون تلكؤ ويسرد وقائع وأرقاماً دون توهم.
كان الرجل يسرد الكثير من القضايا التاريخية اليمنية قديماً وحديثاً ملماً بكل تفاصيلها، مؤصلاً للكثير منها، غواصاً حتى في مجال الأنساب والقبائل وأبعاد الانتسابات المزيفة لبعض القبائل والأسر المحسوبة على الهاشمية السياسية، ويسوق صوراً وبراهين مختلفة وراء تلك المشاريع.
أكثر ما أدهشني في الأمر، ونحن نتحدث عن إجرام عبدالله بن حمزة في حق المطرفية الزيدية وإبادته إياها، أنه عرّفنا وكشف لنا عن شخصيات مطرفية في عصرنا الراهن أيضاً عملت المليشيا الحوثية على التخلص منها اغتيالاً وإقصاءً وتهميشاً بعد أن استنفدت قوتهم واشتد عودها بهم واستقلت بالأمر السياسي دونهم!
لذلك تحولت من مناقش مستعرض ما لديه إلى مستمع مشدوه يحب معرفة مصادر كل المعلومات التي سردها، ويطلب المزيد من المعرفة كطالب نهم بين يدي أستاذه، وتمنيت أن يكون كل مسؤولينا بثقافة ومعرفة وحرص الرجل المظلوم شعبياً وإعلامياً والمغيب ثقافياً.
ذهبنا إليه ونحن نستعرض معلوماتنا وأبحاثنا التاريخية كمحاولة منا للتعريف بالمشروع والأيديولوجية الإمامية فهالنا معرفته الدقيقة بكثير من الأشياء التي نجهلها نحن كمختصين وباحثين تاريخيين، حتى أنني تمنيت كثيراً أن يزودنا بالمراجع التاريخية التي ينهل منها.
يقول أحد الدكاترة والأكاديميين المحتكين به المرافقين له: على الرغم من أني أحمل درجة الأستاذية ومعي شهادات دكتوراه في أكثر من مجال وأزعم أن لدي الكثير من المعرفة إلا أنني أندهش من غزارة المعلومات التي لديه ومن أين يستقيها وأقف كطالب متلقٍ من معرفته ومعلوماته.
شخصياً كنت قد تحدثت إلى بعض مسؤولي ورجالات الشرعية وكتبت كثيراً أنه لزاماً على كل مسؤول يتم تعيينه في الدولة أن يكون ملماً إلماماً تفصيلياً بالتاريخ اليمني وقضاياه ومشاكله عبر التاريخ، لمعرفة ما الذي يجري اليوم، وكيف يمكن أن يديروا اليمن، وأن نستعيد المجد الحضاري التاريخي اليمني، وخاصة رجالات الدولة من الصف الأول كرئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الحكومة وحتى الوزراء والقادة العسكريين، وعلى اليمنيين أن يعلموا أولادهم التاريخ اليمني وخاصة الإمامي والتعريف به ويحفظونهم تاريخهم التليد كما يحفظونهم السورة من القرآن لتحصين أنفسهم وبلدهم من المشاريع الدخيلة ومواجهة الأفكار الضالة، وإعطائهم حافزاً لبناء وطنهم البناء الأمثل ومسابقة الأمم والالتحاق بركب الحضارة المعاصرة.
الحقيقة شعرت بارتياح كبير لمعرفة هذا الأمر عن نائب الرئيس، وأدركت من خلال هذا الأمر أن الرجل يتحرك بصلابة شديدة في قضايا اليمن الكبرى بناءً على هذا التراكم الثقافي لديه والرؤيا الواضحة، وهذا ما عكسه في تحركاته منذ حرب صعدة الأولى وحتى اليوم، وكان أكثر رجالات الدولة تبصرة بالمشروع الإمامي الذي حاول جاهداً مواجهته في عمران وصنعاء لولا أنه لم يكن في موقع القرار.
هذا البعد المعرفي والسلوك المنهجي لدى القائد علي محسن أدركه المشروع الإمامي منذ اللحظة الأولى فسلط عليه سهام النقد والتجريح والحملات الإعلامية المضللة منذ انحيازه لثورة الشعب في الحادي عشر من فبراير، وانساقت وراء المشروع الإمامي الكثير من القوى السياسية ووسائل إعلامها والمواقع المتناسلة عنهم جميعاً، وتعرض الرجل لحملات إعلامية إرهابية وكيد سياسي كبيرين رغم أنه كان رجلاً فقط من بين آلاف الرجال في النظامين السابق واللاحق.
كان الرجل يقول مدركاً ما يعتمل في أرض الواقع أنه على اليمنيين التخلص من هذه الآفة التي نخرت أرض اليمن عبر التاريخ وليحكم من يحكم بعدها فكل حاكم أو قوى مهما كانت إن حكمت لن تكون إلا مع اليمن واليمنيين ويجب التسليم لها وأن يتحد الجميع لمواجهة هذه الآفة والوباء والالتفاف حول أي نظام قادم من غيرها بعد التحرير.
حينما قلت في مقال سابق أنه مدرسة تخرج منها معظم قادة المقاومة اليوم دون أن أجلس إليه، كانت معلومات عن معرفة سابقة أثناء التحاقي بالفرقة الأولى مدرع في التسعينيات والتي كانت تحت قيادته، ولكن اليوم ازددت يقيناً بصحة ما ذهبت إليه في ذلك التوصيف بعد معرفة المزيد.
ولأنه لا يتحدث كثيراً في وسائل الإعلام أو المنتديات السياسية والفكرية لا يدرك هذه الميزة معظم الشعب اليمني ولا مثقفوه على وجه الخصوص لانشغالاته السياسية والعسكرية ولأنه ليس له أجهزة ولجان إعلامية خاصة ولا يحب التلميع كثيراً يظل الجانب الثقافي فيه مطموراً إلا لمن احتك به ونبش عن جوانبها، حتى أنه لا يرد على قدح وسائل الإعلام المغرضة له ولا يلقي لها بالاً، مما جعل العامة ينساقون وراء تلك الحملات المضللة وتكوين رأي عام مزيف حوله، مثله مثل القوى السياسية الحية التي تعمل من اجل الوطن وتواجه المشروع الحوثي والإمامي بكافة الوسائل وبالتالي تتعرض لكل تلك الحملات المصطفة مع المشروع الحوثي الإمامي.