عثمان الأهدل ...
الطعن والتشويه بالدين الإسلامي ليس بوليد الحدث، بدأ ذلك مع نشأته بمكة المكرمة وأصبح يلازمه حتى يومنا هذا، بدأً بكفار قريش ومن ثما المستشرقين الذين كرسوا حياتهم في دراسته ولم يجدوا سبيلا غير في أحاديث رسول الله. وربما كانت تلك "رب ضارة نافعة"، رغم حقدهم على الإسلام فقد قدّموا خدمة جليلة من حيث لا يعلمون. عمدوا إلى فهرست الأحاديث ليسهل عليهم الرجوع لها وتغير ما يمكن تغيره، أو لوي معانيها لشأن كانوا هم بالغوه، ولكن جند الله من عباده الصالحين قطعوا دابرهم ودحضوا دسائسهم. فكانت تلك الفهرسة لبنة لعلماء الحديث، استطاعوا أن يطوعوها لخدمتهم في تدارس الأحاديث وعلومه . و صدق الله حينما قال : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. حماية إلهية باقية ما بقت السماوات والأرض ومن عليها.
فشرائع الله سبحانه وتعالى لم تكن ترسل للبشرية إلا لإسعادهم وحفظهم من مهالك الدنيا، ولربما ألفت النفوس الملذات والشهوات والركون إلى الراحة التي يزينها الشيطان لهم ليبعدهم عن خلافة الله في الأرض وتعميرها. فهو العدو الأكبر للبشرية منذ أن رفض أن يسجد لأبهم آدم عليه السلام، حيث قال الله جل في علاه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}. والدنيا كرٌ وفرٌ بين الحق والباطل، ومهما طال حبل الباطل فإن له نهاية محتومة، ولن يحق إلا الحق فقد قال الله تعالى :{ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا }.
ومحاربة الدين ليست مقتصرة على الإسلام فقط، بل كان هناك هجوم على الكنائس في الغرب، حينما ازداد استبدادها وتسلطها على حياة الشعوب، جعلت منهم عبيدا يأتمرون لها ومصدر رزقٍ لأقباطها وكهنتها، حتى لمسوا سماحة الإسلام أثناء الفتوحات التي اجتاحت ديارهم، فثاروا عليها مع ثورتهم ضد الإمبراطوريات الإسلامية بعد أن ضعفت شوكتها ومنعتها. ولم يكن ليحدث ذلك لولا إلتهاء المسلمين بصغائر الأمور وترك ما عند الله. ولو استمر المسلمون متمسكون بعرى حبل الله لأصبحت أوروبا مسلمة عن بكرة أبيها، ولكن شاء الله وقدّر، أن تحدث النكبات تلو النكبات. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : "كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
وقد ازداد ضعف شوكة المسلمين، بعد سقوط الدولة العثمانية وظهور دويلات فُتاة عربية من إنتاج سايكس بيكو، التي استخدمت الإسلام عباءة لها لاستمالة شعوبها، مستغلين فتلة الإسلام التي لا زالت متّقدةٌ في صدورهم. فكان مذياع الإسلام المُسيس هو مقود الشعوب، لقيادة الغافلين منهم عما يحاك لهم باسم الدين والعقيدة، وحرمة الخروج عن الحاكم مهما بلغ شأنه من الطغيان والجبروت. فاصبح أبناء الإسلام المارقين ينخرون في جسده تارة ويظهرونه بمظهر التسلط والتحكم تارة، محاولين حصر نطاقه في المساجد ودور العبادة. وصدق من قال : "مصر أم الدنيا"، فكانت المزرعة المناسبة للغرب لزرع بذور الفتن وتجريد أحرارها عن مبادئهم باسم التحضر والمدنية الزائفة الذي زينها لهم أعداء الإسلام، فكانت هذه القشة التي قصمت ظهر الأمة، فأصبحت عادة محببة انتشرت في بقية الدول العربية التي تسلط عليها الغرب، كما ينتشر النار في الهشيم فالتهمت ما تبقى من مبادئهم وكرامتهم التي زينهم الله بها، فأبوا ما عنده واتبعوا خطوات الشيطان.
وأما من رحم ربي من شعوب بعض الدول، فكان هناك عقد قران غير شرعي بين الدين والسياسة، فتسلط عليهم شيوخ الدرهم والدينار وزينوا للشعوب أعمال طغاتهم، وجعلوهم منزلة هارون لموسى. فابتلعت هذه الشعوب الطعم واستكانوا واصبحوا كالقطط الأليفة بعد أن كان أجدادهم لايهابون، ولا تأخذهم لومة لائم وكانوا أجرأ عند الحكام في قول الحق. فوظف شيوخ السلطان الدين أيما توظيف وقاموا بلوي نصوصه وشرائعه، لخدمت الاستبداد السياسي وتحويل الشعوب إلى عبيد لا رأي لهم، حتى جعلوهم يستهجنوا كلمات الإباء والشرف، وصكوا وثائق عبوديتهم للحُكّام بأنفسهم وعن محض إرادتهم، فأعطوهم تفويضا كاملا بمصيرهم، وكأنهم ينتظرون منهم أن يقولوا كما قال فرعون:{ما أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.
ومن صنوف تفنن الطغاة في سلخ الأمة عن معتقدها، محو هالة الدين من قلوب الناس وزرع أسفين الكره، لبناء حاجز نفسي بينهم وبين رجال الدين. فاشتروا ولاءات بعض من حُسبوا على الدين وأهله ظلما وجورا، لجعل الناس ينبذون الأفكار الإسلامية وقولبتها في أُطورٍ لا يمثلها. كما عمدوا بإرسال طائفة من الشباب، ليست بالقليلة إلى الغرب، لإبعادهم عن محيطهم المحافظ لسنوات كفيلة لمحو ذاكرتهم، وإبدالها بمعتقدات هدامة، مخالفة لما ألفوه منذ نعومة أظافرهم. فكانوا هؤلاء شر رُسل إلى أوطانهم لقلب نظام المجتمع المحافظ إلى مجتمع منحل فكريا وأخلاقيا يسهل زرع أي برامج في خاصرته لقتل مبادئه. وها هي الآن كثرت نعرات التطبيل والانبطاح للصهيونية وأفكارها، ولأول مرة يتم التغاضي عمن يتخابر مع عدو الأمة "إسرائيل"، بعد أن كانت جريمة تصل لحد القتل، بل أصبح الآن علنا تحسين صورتها المشوهة في أوساط العفن الفني الذي لا عمل له ولا شغله إلا نكس الأمة منذ أن أتيحت له بث سمومه في المجتمع.
فلا غرابة لظهور نتوءات زوائد سرطانية في المجتمع تنعق بأصواتها النشاز تطالب الجزار لإنهاء ما تبقى من كرامتها. وهذا يذكرنا بقول المجرم تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية وأبو العلمانية حينما قال :"سنوّلي على الشعوب العربية سفهائهم ليستقبلوا الجيش الإسرائيلي بالورد والريحان"، وهاهي خطته بدأت تؤتي أُكلها. فعلى الشعوب أن تستيقظ من سباتها السرمدي، وتتوقف من التبعية العمياء، وتمحيص الغث من السمين بين الأحداث والأفعال. فالغرب ولا سيما الصهيونية العالمية تعمل جاهدة ليلا ونهارا، للحيلولة من عودة الشعوب الإسلامية وبالأخص العربية إلى موروثها الإسلامي، الذي أعزها الله بها وجعل لها الريادة والقيادة بعد أن كانت ذليلة. فنشرت العدل والرخاء في المعمورة، وحجّمت الطغاة والظلمة وكفّت الناس شرورهم، فلولا غفلت الأمة لما عادوا شِرار القوم وسادوا في الأرض فسادا وجورا. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.