الحل الصحيح لأي مشكلة يؤدي إلى إنهاء المشكلة وحل المشاكل المرتبطة بها ,كما أنه يصبح ممكناً ومضموناً في حل مثيلاتها من المشاكل , بينما الحل الخطأ لأي مشكلة لا يحلها بل يؤجلها ويرحلها , ويخلق مشكلة أو مشاكل جديدة في نفس المكان والزمان أو في مكان وزمان آخر .
وهذا ينطبق على حل مشكلة دماج الكارثي بالتهجير فهو لم يحلها بل خلق مشاكل جديدة وستكون له تداعيات خطيرة جداً , فقد كان الصراع في قرية نائية وبعيدة وبين أقليلة من السلفيين وجماعة الحوثي , أما بالتهجير فقد أصبحت اليوم العاصمة صنعاء بؤرة محتملة لصراع سلفي حوثي . سيقول البعض لم يطلب أحد من السلفيين المغادرة وقد يكون هذا صحيحاً بعدم الطلب شفوياً أو كتابياً ولكن كل الإجراءات على الأرض من حصار وقصف وقنص وتضييق ليس لها من معنى أو تفسير غير ارحلوا .
و لقد كان من الممكن حل تلك المشكلة بإجراءات معقولة ومنطقية , مثلاً لو قال الحوثي نريد دماج خالية من السلاح ومن المطلوبين الأمنيين سوآءا كانوا يمنيين أو أجانب , ويقوم الجيش بدخول المنطقة ونزع السلاح واعتقال المطلوبين و حماية المنطقة كما يجب على الدولة أن تنزع سلاح جميع الأطراف وتحمي جميع المواطنين
, ولكن هناك من سيقول المستهدفون هم الأجانب وهنا فقد أصبح مفهوم الأجنبي ليس من يأتي من أمريكا وفرنسا و المغرب وغيرها , ولكن الأجنبي هو صاحب الجوف وحجة والحديدة وعدن وما لذلك من آثار سلبية على النسيج الاجتماعي الوطني , و حتى التعامل مع الأجانب بطردهم ليست إلا من حلول القبائل المغولية والبربرية من عصور الظلام والتخلف .
والمعروف أن أكبر عملية تهجير في العصر الحديث قادتها الصهيونية العالمية ضد الشعب الفلسطيني فهل يقبل الحوثي صاحب صرخة الموت لإسرائيل أن يكتفي بمعاداتها شكلياً وينفذ سياساتها العنصرية على أرض الواقع ؟!
والمعروف أن التهجير لم يطال السلفيين وقبلهم اليهود فقط بل طال الكثير من أبناء صعدة من أبناء المذهب الزيدي الذين كانوا يرفضون التوجهات الحوثية وصنعاء والحديدة وعمران ومخيم المزرق يمتلئ بعشرات الآلاف منهم .
التهجير حل خاطئ تماماً لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر :
* سن سابقة وبادرة خطيرة وهي كلما شعرت جماعة أو طائفة بعدم ارتياحها من أقلية دينية أو سياسية أو عرقية فإنها تقوم بتهجيرها ما يجعل البلاد تتحول إلى كانتونات ومقاطعات وأقاليم وحارات وشوارع بهويات طائفية ومناطقية وهذا أكبر خطر على أمن البلاد وسلمها .
* يذكي الروح الطائفية والمناطقية ويشيع ثقافة الحقد والكره وعدم التسامح .
* يفتح البلاد أمام التدخلات الخارجية ويجعلها عرضة للاضطرابات والقلاقل وعدم الاستقرار .
* انتشار ثقافة التسلح وتكوين المليشيات الخاصة بكل فئة أو طائفة .
* تهيئة البلاد للتمزق والتشرذم والتقسيم على خلفيات جهوية ومناطقية وطائفية وعرقية .
* المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للمهجرين. .
* العودة إلى ثقافة القرون الظلامية وثقافة التمييز والتهميش للناس بناءاً على عرقهم أو لونهم أو جنسهم أو معتقداتهم .
* ضرب قيم الأخوة والمحبة والتضامن والتكافل الإسلامية .
* ربما يواجه المهجرون نفس المشكلة من الرفض في المناطق التي سينتقلون إليها ما يعني مشاكل جديدة في منطقة كانت مستقرة .
وفي هذه القضية خسر الرئيس هادي كونه مسؤولاً عن السلفيين والحوثيين ولم يقم بدوره في نزع فتيل الفتنة والعمل على حماية كل مواطنيه ونشر ثقافة التعايش وتعزيز هيبة الدولة .
كذلك خسر الحوثي نقطة مهمة كان من الممكن أن تحسب له كطرف سياسي وديني متمدن ومتعايش مع من يختلف معه صحيح أنه انتصر طائفياً ولكنه خسر إنسانياً وأخلاقياً وسياسياً وأرسل رسالة سلبية ومخيفة للجميع بأنه ليس مشروعاً إمامياً فحسب ويكفيك تخويفاً لمعظم اليمنيين أن تذكرهم بعهد الإمامة بل هو فكر إقصائي يسير على خطى إسماعيل الصفوي الذي فرض التشيع في إيران السنية الشافعية ونكل وقتل وطرد وشرد كل من رفض التشيع بل قال سفير البرتغال في الصين والذي زار إيران في العام 1512 م إن إسماعيل يهدم ويحرق مساجد السنة ويرمم الكنائس وهذا ما يقوم به الحوثي كلما انتصر على طرف قام بتهجيره و تفجير منازله أو مؤسساته ومساجده حتى يقضي على وجوده و آثاره .
السلفيون خسروا دماج ولكنهم كسبوا تعاطف الكثير من اليمنيين من غير مؤيديهم ويكفيك أن تذهب إلى سعوان لترى حجم التعاطف الذي يبديه الناس معهم من كل مكان .
لقد حدث ما حدث وعلى الدولة أن تقوم بدورها وتفرض سيطرتها وهيبتها على كل شبر في اليمن وتعالج أوضاع المهجرين وأن لا تعود للقبول بمثل هذه الحلول الخاطئة لأن الذي يقبل بمثل هكذا حلول ليس دولة ترعى النظام والقانون بل سنعتبرها عصابة من جملة العصابات التي تحكم البلاد اليوم .