قَدِمَ سبعةُ نَفَرٍ المدينةَ، أربعةٌ من عُرَينَةَ وثلاثةٌ من عُكْلٍ. ولم يناسبهم هواؤها وطعامُها. فأمرهم النبيُﷺ بالخروج منها واللحاقِ براعي إبلِهِ، وشربِ أبوالِها وألبانِها. فلما صَحُّوا قتلوا الراعي ونهبوا الإبلَ. وحين وصلَ النبأُ لم يترددِ القائدُ المسؤولُﷺ لحظةً في اتخاذِ ما يوجبُه عليه مركزُه ويمليه عليه مقامُهُ، لم ينتظرْ تقريرَ لجنةٍ أمنيةٍ، أو إذنَ جهةٍ خارجيةٍ. بل بعثَ فورا في آثارهم 20 شابا بقيادةِ كُرْز الفِهري، مع خبيرٍ يقتصُ الأثرَ. وما غابت الشمسُ إلا وهم أذلةٌ بين يدي النبيﷺ. ولأنَّ الأمرَ كان جليلا جليا، فقد نفذَ فيهم حُكما يحققُ للمغدورِ عدلا، وللأحياءِ أمنا. قُطِعَت من خِلافٍ أيديهم وأرجلُهم وسُمِّلت أعينُهم. حُكمٌ قد يراه البعضُ قاسيا، وقتلُهُم كان كافيا. لكنَّ النبيُﷺ أرادَ أن يبعثَ رسالةً لمَن حولَه تقولُ "هذا هو ما عندنا لكل مَن أخَلَّ بالأمنِ، أو قتَلَ نفسا بغيرِ حقٍ أو قطعَ طريقا، أو غيرها مما يستوجب حدا وتعزيرا وعقوبة. هنا لا ضعفَ فينا ولا وهنَ بيننا. هنا قائدٌ لا يتقاعسُ عن تحقيق العدالةِ، وحوله رجالٌ لا يتوانون عن تنفيذِ موجباتها". فلزمت الخفافيشُ كهوفَها والجرذانُ جحورَها. قلتُ: "لقد فهم الكلُّ الرسالةَ. وأجزمُ بعدها أنَّه لم تُسرَقْ من المدينة بيضةٌ واحدةٌ، ولم يُسفك -حراما- دمُ صوصٍ زمنا طويلا". اليوم يعاني الناسُ عامةً وفي شبوةَ خاصةً من تفشي قطع الطريقِ ونهبِ المتاع وسرقةِ السيارات وقتل النفسِ. حوادثٌ خرقت ما تعارفنا عليه من عَدَمِ خيانة السعيفِ والرفيقِ والمستأمنِ لك، وحرمةِ الغدرِ به وقتله ونهبِ حلالِه. فأي سقوطٍ أخلاقي وتفلتٍ ديني وتهتكٍ إنساني هذا. وقد حملَ لنا يومُ الاثنين نبأَ آخرِ ضحايا هذا الغدرِ. الشهيد ياسين بلعيد الخليفي، رحمه اللهُ وأعلى مقامه. جاءَهُ الأنذالُ لاستئجار سيارته فانطلقَ بهم حيث أرادوا. وفي الصحراءِ غدروا به وغادروا بسيارته. وتمَّ القبضُ على واحد منهم بتفاعلٍ أمني -مشكورا- من اللواء الخامس دفاع شبوة، وبتعاونٍ مدني -مأجورا- من قبيلة النسيين. هنا لا مقالَ للشدِ والمَدِّ في هكذا غدرٍ، ولا مجالَ للمَطِّ القانوني في هكذا مكر. الحكمُ السريعُ والتنفيذُ الفوري في مكانٍ عام، هو مطلبٌ شرعي شعبي. ليرى كلُّ نذلٍ غدارٍ أن لا أمانَ بعد اليوم له، ولا مكانَ سيعصمه من يدِ القانونِ وعدالةِ الحُكمِ. فهل مِن صنديدٍ سيقولُ تَمَّ.
ابو الحسنين محسن معيض