ثار قيام دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق تساؤلات عديدة خصوصاً لدى اليمنيين المؤيدين لقوات التحالف العربي الذي يسعى الى استعادة شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والحفاظ على وحدة البلاد وأمنها وسلامة أراضيها.
وتعيش اليمن منذ 26 مارس 2015 في حرب ضارية بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) من جهة، وبين قوات يمنية تابعة للحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات ويشن ضربات جوية وبرية وبحرية في مختلف جبهات القتال على معاقل الحوثيين، تمكنت من خلالها قوات هادي استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، لكن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات والمناطق شمال البلاد.
الخميس الفائت 27 ديسمبر قامت الإمارات العربية المتحدة بفتح سفارتها في دمشق في خطوة، وفق (رويترز) تمثل "دفعة دبلوماسية كبيرة للرئيس بشار الأسد من دولة عربية حليفة للولايات المتحدة كانت ذات يوم تقدم الدعم لمعارضيه".
وقالت الإمارات إن الخطوة تهدف إلى "إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي... ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري" في إشارة في ما يبدو إلى إيران التي كان دعمها للأسد حاسماً في الحرب.
ورُفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة على مبنى السفارة المغلقة منذ الأشهر الأولى من الصراع المستمر منذ نحو ثماني سنوات في سوريا.
أنور قرقاش
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية إنّ القائم بالأعمال باشر مهام عمله اعتباراً من يوم الخميس. وأدلى أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية بتصريحات في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" رصدتها وكالة (ديبريفر) للأنباء: "قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بعودة عملها السياسي والدبلوماسي في دمشق يأتي بعد قراءة متأنية للتطورات ووليد قناعة أن المرحلة القادمة تتطلب الحضور والتواصل العربي مع الملف السوري حرصا على سوريا وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها". مضيفا، بإن إعادة فتح السفارة خطوة على طريق إعادة قبول الدول العربية لسوريا.
وعلقت الجامعة العربية عضوية سوريا قبل سبع سنوات. ونقلت قناة "العربية" عن قرقاش قوله يوم الخميس الفائت إن "قرار عودة سوريا للجامعة العربية يحتاج توافقاً عربياً".
ويتساءل يمنيون تحدثوا لوكالة (ديبريفر) للأنباء: "لماذا لا تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بفتح سفارتها في عدن؟"، و هي المدينة التي تتخذها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد منذ 2015.
وتقع عدن على ساحل خليج عدن وبحر العرب جنوبي اليمن، وتبعد عن العاصمة صنعاء بمسافة تصل إلى حوالي 363 كيلو متراً. و يزيد عدد سكان عدن الآن عن مليون نسمة، وكان عدد سكانها وفق احصاء تم في 2004م بلغ 589,419 نسمة، وتعتبر أهم منفذ طبيعي على بحر العرب والمحيط الهندي فضلاً عن تحكمها بطريق البحر الأحمر، لكن سكان هذه المدينة صاروا - في سنوات ما بعد الحرب التي حلت بها في مارس 2015م - يعيشون في أوضاع مأساوية كما لم يعهدوها من قبل رغم تحسنها في الأشهر القليلة الفائتة، وقد نزح إليها كثير من المواطنين من محافظات أخرى بعد أن طالتها الحرب، والسيء في الأمر أن الحرب مستمرة و لا أحد يعلم متى يمكن لها أن تتوقف.
يقول القيادي في الحراك الجنوبي عبدالكريم السعدي لوكالة "ديبريفر" للأنباء تعليقا على قيام الإمارات بفتح سفارتها في دمشق: "الحقيقة ان خطوة فتح السفارة الاماراتية في سوريا يأتي في سياق حالة الاضطراب والسقوط التي تعانيها السياسة العربية في السنوات الأخيرة والتي ادت الى احداث سقوط عدد من العواصم العربية وهي خطوة تؤكد ان المنطقة قادمة على تحولات جديدة".
ويضيف: "أرى ان الخطوة ليست جديدة على السياسة الامارتية التي تتسم بالالتزام الحديدي لخطط القوى المهيمنة على توجيه دفة السياسة الدولية في هذه الحقبة".
بالنسبة إلى روبرت فورد، الذي كان يشغل منصب سفير الولايات المتحدة في سوريا وقت قيام الانتفاضة ضد الأسد في 2011، فإن إعادة فتح سفارة الإمارات في دمشق "يشير إلى أنها تسعى للعودة لممارسة نفوذها في سوريا في مواجهة إيران".
وأضاف فورد لـ(رويترز)، وهو حالياً زميل معهد الشرق الأوسط ويحاضر في جامعة يال: "أعتقد أنهم يأملون في أن يكون بإمكانهم تحجيم النفوذ الإيراني مع مرور الوقت من خلال استئناف التواصل المالي والدبلوماسي مع دمشق".
وأشار فورد إلى أن الإمارات "لديها قطاع خاص قوي ولديها موارد أفضل بكثير من إيران للمشاركة في جهود إعادة الإعمار الضخمة التي تحتاجها سوريا".
فيما يتعلق بفتح السفارة الامارتية في اليمن، يقول عبدالكريم السعدي لوكالة (ديبريفر) للأنباء: "أعتقد ان المرحلة لا تسمح بتلك الخطوة فالإمارات ما زالت في طور المساومات في هذا البلد كما ان العرّاب الدولي لمسيرة الاحداث لم يأذن بعد".
ويضيف: "اعتقد ان الاتفاقات التي تم التوصل اليها في ستوكهولم مؤخراً ستساهم في تقريب مثل هذه الخطوة اذا ما التزمت الأطراف بتنفيذ تلك الاتفاقات وسارت الأمور وفقاً لما يُخطط لها".
إلى ذلك قالت مصادر من المعارضة السورية أن الإمارات كانت واحدة من عدة دول في المنطقة قدمت الدعم لجماعات تقاتل الأسد وإن كان دورها أقل أهمية من أدوار السعودية وقطر وتركيا. وارتبط الدعم الإماراتي بجماعات تعارض هيمنة الإسلاميين على الانتفاضة السورية.
يحتاج الرئيس اليمني هادي لموافقة القوات الاماراتية لزيارة عدن
وفي اليمن، يبدو الأمر مختلفاً عنه في سوريا؛ إذ تسعى الإمارات، وفق مراقبين، إلى انفصال جنوب اليمن لتحقيق أهداف خاصة بها، وهي تعد العدة لذلك من خلال المجلس الانتقالي المسلح الذي أسسته بعد اقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي من منصبه من قبل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في 27 أبريل 2017، على الرغم من كون موقفها السياسي في التحالف العربي، وعلى مستوى الأمم المتحدة، مع وحدة دولة اليمن وسلامة أراضيها، لكنها في موقفها على الأرض الداعم لانفصال جنوب اليمن عن شماله، تراهن على الدفع بالأمور نحو فرض سلطة الأمر الواقع من خلال تمكين المجلس الانتقالي المسلح كأمر مماثل مع ما يفعله الحوثيون كسلطة أمر واقع في شمال اليمن، فإن فشل هذا المسعى، فهي مع موقفها السياسي عربياً ودولياً.
وكانت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، نشرت أواخر يوليو 2018 تقريراً أشارت فيه إلى أن "التحالف الذي تقوده السعودية منذ أن بدأ حربه في اليمن في مارس 2015، كانت الإمارات العربية المتحدة لاعباً رئيسياً، ومع ذلك، في حين كان هدف الرياض هو إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة وسحق انتفاضة الحوثي، ركزت أبو ظبي أكثر على الجنوب وعلى تدريب قوات الأمن لتأمين طموحاتها الجيوسياسية.
وباتت أهداف دولة الإمارات العربية المتحدة على المدى الطويل تتضح وعلى نحو متزايد ألا وهي: تقسيم اليمن وإقامة دولة جنوبية مسالمة، من شأنها تأمين طرق التجارة عبر ميناء عدن لبقية العالم؛ لاستغلال موارد اليمن الطبيعية؛ ومنح نفسها السلطة باعتبارها دولة مهيمنة إقليمية".
فضلاً عن ذلك؛ فإن عدن وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية نُشر في أبريل الفائت، هي "مدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى". ويضيف التقرير: "ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال".
ويتساءل يمنيون تحدثوا لوكالة (ديبريفر) للأنباء: "لماذا لا يعود الرئيس هادي مجدداً إلى عدن العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية لإدارة شئون الدولة ووضع أمور المدينة في نصابها كنموذج يمكن تطبيقه في باقي المدن المحررة في اليمن".
ويضيفون: "لماذا لا تقوم الإمارات والسعودية وباقي دول التحالف العربي بفتح سفاراتها في عدن؟".
مطار عدن تحول إلى ما يشبه ثكنة عسكرية
ويخضع المطار الوحيد في المدينة لسيطرة قوات أمنية لا تتلقى تعليماتها من الحكومة الشرعية في اليمن. و تحيط به حواجز اسمنتية ضخمة كأنه ثكنة عسكرية وليس مطاراً دولياً.
يقع مطار عدن الدولي في قلب مديرية خورمكسر. ويخضع المسافرون عبره إلى التفتيش الأولي خارج بوابة المطار مباشرة في أحد الشوارع العامة المقابلة له حيث بإمكان المارين في الشارع ملاحظة ذلك.
وذكرت معلومات أن القوات التي تحرس مطار عدن تتلقى تعليماتها من ضابط إماراتي ضمن قوات التحالف العربي المتمركزة في مكان محصن ومنعزل يقع في نطاق مديرية البريقة.
وتساءل مواطنون: "لماذا ظل السفر خلال سنوات ما بعد الحرب مقصوراً على طيران اليمنية التي تعاني من مشاكل إدارية وفنية، وفساد مالي متراكم، وطائراتها قليلة العدد خرجت عن نطاق الخدمة؟".
ويشكو المسافرون في اليمن، من كون أسعار تذاكر طيران اليمنية مرتفعة للغاية وبشكل غير مُبرر. ويتساءلون: "لماذا لا نرى شركات طيران الإمارات والسعودية والبحرين وقطر والكويت ومصر وتركيا تعمل من عدن؟".
وكانت القوات الأمنية التي يخضع لها مطار عدن لسيطرتها، منعت هبوط طائرة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي على مدرجه في ديسمبر 2016م.
يقول السعدي أن خلاصة فتح الإمارات سفارتها في دمشق، وليس في عدن "تكمن في حقيقة الواقع المتردي الذي تعيشه الأنظمة العربية التي اتجهت لحماية نفسها من موجة السقوط الى وسيلة المشاركة الفاعلة في اسقاط أقرانها من الأنظمة العربية وهي حالة في اعتقادي ستستمر حتى تصل الى المرحلة التي يخطط لها أعداء الأمة".