‏من الفُراتِ إلى النِّيل!

2025/08/18 الساعة 10:35 مساءً

 

‏الطُّغاة على مرِّ العُصور عقلياتهم واحدة، ولسانُهم واحد!
‏نُسَخٌ رتيبةٌ ممجوجة، لا ابتكارَ ولا تجديد، وحدهم السُّذج من يعتقدون أنَّ الطَّاغية في بدلة رسمية وربطة عُنق، يختلف عن الطاغية بسيفٍ وخوذة، أو على كُرسيِّه والعبيدُ تُعمِلُ مراوحها فوق رأسه!

‏شاهدتُ مقابلة نتنياهو الأخيرة مع القناة الرَّابعة والعشرين، كنتُ أسمعُ كلامه، وصُور الطُّغاة الذين حدَّثنا الله تعالى عنهم في القرآن الكريم، أو وردتْ أحداثهم في السِّيرة النَّبويَّة، تمرُّ أمامي، وذُهلتُ من حدِّ التطابق!

‏عن الاستمرار في الحرب رغم المعارضة الداخلية، قال: إنَّه ذاهبٌ حتى النهاية!
‏لسان حال فرعون وهو يقول: ما أريكم إلا ما أرى!

‏وعن الهُدنة مرَّةً بعد مرَّةٍ، لسان حاله لسان النَّمرود وهو يقول: أنا أُحيي وأميتُ!

‏وعن استمرار الحرب رغم زوال خطر التهديد، لسان حاله لسان أبي جهلٍ يوم بدرٍ بعد أن نجت القافلة: أبداً، حتى نرد ماء بدرٍ، فننحرَ الجُزر، وتعزفُ القيان، ونشرب الخمر، فتسمع بنا العرب!

‏وعن دولة إسرائيل الكبرى، هو في مهمَّة تاريخيةٍ وروحية، ومرتبطٌ بالفكرة بشدَّة!
‏هازئاً بالعالم كله، مستصغراً ردود الأفعال، لسان حاله لسان فرعون: أنا ربكم الأعلى!

‏معضلة نتنياهو لخَّصتها جدَّتي رحمها الله في المثل الذي كانت تُردده دائماً: يا فرعون مين فرعنك؟
‏قال: ما لاقيت حدا يردني!
‏واللهِ إنه ليس بقوته ولكن بتخاذلنا!

‏في كتابِ الكاملِ في التَّاريخِ لابنِ الأثير:
‏عندما هاجمَ المغول مدينة "بُخارى" بقيادة "جنكيز خان" عجزوا عن اقتحامها.
‏فكتبَ "جنكيز خان" لأهل "بُخارى" يقول: ﻣﻦ وقفَ ﻓﻲ صفِّنا ﻓﻬﻮ ﺁﻣﻦ!

‏فانقسمَ أهلُ المدينةِ ﺇﻟﻰ صَفَّينِ ﺍﺛﻨﻴﻦ:
‏ﺍلصَّفُّ ﺍﻷﻭَّلُ رفضَ، وأصرَّ على القتالِ دفاعاً عن الدِّماء، وذوداً عن الأعراض!
‏ﺃﻣﺎ ﺍلصَّفُّ ﺍلثَّاني فوافقَ على عرضِ الأمان خوفاً من بطش المغول!

‏عندها كتبَ "ﺟﻨﻜﻴﺰ ﺧﺎﻥ" إلى الصَّفِّ الثَّاني يقول لهم: إن أنتم ﺃﻋﻨﺘﻤﻮﻧﺎ ﻋﻠﻰ قتالِ ﻣﻦ ﺭﻓﺾ ﻣﻨﻜﻢ، ﻧﻮلِّكم ﺃﻣﺮ ﺑﻠﺪﻛﻢ، ونُمكِّنكُم من الحكم والسلطان!

‏فتواجه الفريقان، وجيش المغول على أبوابها، فكانت الغلبة لمن خانَ!
‏فلما انتصروا فتحوا للمغول الأبواب!
‏وكان أوَّل ما فعله "جنكيز خان" حين دخل المدينة أن سحبَ منهم السِّلاح، ثمَّ أمرَ جيشه بذبحهم، وقال قولته المشهورة: ﻟﻮ ﻛﺎﻥ يُؤمنُ ﺟﺎﻧﺒﻬﻢ ما ﻏﺪﺭﻭﺍ ﺑﺈﺧﻮﺍﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻨﺎ نحنﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ! 

‏إن لم تنصُروا هذه المقاومة عقيدةً وديناً، فانصروها مصلحةً وسياسةً فإنها تُشغلُ عدوَّكم عنكم، فإنَّ العاقلَ إذا أرادَ أن يأمنَ شرَّ عدوِّه قوَّى من يُعاديه، أليس من البداهة أن يكون عدوّ عدوِّي صديقي؟! فما بالك لو كان عدوُّ عدوِّكَ بالأصلِ أخاكَ، وابنَ دينكَ وعقيدتكَ، ونصرتُه واجبةٌ عليكَ بلا مقابلٍ؟! فواللهِ لئن كُسِرتْ هذه المقاومة لا قدَّرَ الله فستذوقون على أيديهم ما ذاقه أهل غزَّة، وقد رأيتم الذي ذاقوه!

‏لا تلهثوا خلفَ سرابِ التَّطبيع، ووهم السَّلام، فإنَّهم أهل غدرٍ، يشحذون سكاكينهم وهم يُوقِّعون بالأقلام على وثائق السَّلام! وما أنتم في أعينهم إلا الذبيحة القادمة، والغنيمة التَّالية، ولن يتوقَّفوا عن العمل لأجلِ حلم دولتهم الكبرى التي تدخل ضمن حدودها بيوتكم وأوطانكم جميعاً!

‏من تأمنون؟!
‏القوم الذين فاوضوا اللهَ عزَّ وجلَّ في بقرة؟!
‏أم القوم الذين كانوا يذبحون النَّبيَّ الذي يُرسله اللهُ إليهم ثم يذهبون إلى أسواقهم ودكاكينهم كأنهم ما فعلوا شيئاً؟!
‏أتأمنون الذين نشروا زكريا عليه السَّلام بالمنشار، وقدَّموا رأس السَّيد الحصور يحيى عليه السَّلام مهراً لبغيٍّ؟!
‏أتأمنون الذين أوقدوا نار الفتن بين الأوس والخزرج أبد الدَّهر؟!
‏أتأمنون بني قينقاع الغادرين، أم بني النَّضير الماكرين، أم أهل خيبرٍ ناقضي العهود وحانثي الأيمان؟!
‏أتأمنون الذين أخبركم ربُّكم عنهم أنهم أشدُّ النَّاسِ عداوةً لكم؟!
‏أتأمنون الذين أخبركم قرآنكم عنهم أنهم ينقضون عهدهم في كلِّ مرَّةٍ؟!

‏قاتِلُوا بأيدي إخوانكم وإلا ستُقاتلون يوماً بأيديكم!
‏واحقِنوا دماء أهل غزَّة وإلا ستستيقظون يوماً لتجدوا دماءكم هي التي تُسفك!
‏اللهُمَّ إنِّي قد بلَّغتُ فاشهد!

‏أدهم شرقاوي / سُطور