صنعاء – بشرى الحميدي
تلعب الثقافة دورًا محوريًا في منظومة الأمن الفكري للأمم، وهي التي تشكل الوعي، وتحصن المجتمع ضد الأفكار الظلامية التي تستهدف النيل من ثقافة المجتمع والتلاعب بالعقول.
لكنها في اليمن أفسحت المجال للبعد الطائفي الذي تتبناه جماعة الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.
ويقول أحمد ربيع، وكيل وزارة الإعلام في الحكومة بعدن، إن الدولة تواجه سياسيًا انقلابًا سيطر على مؤسسات الدولة في صنعاء وبعض المحافظات. كما انقلبت جماعة الحوثي على مخرجات الحوار الوطني، وعلى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وعلى الأعراف الدبلوماسية، وعلى كل القيم الثقافية والاجتماعية والقانونية للمجتمع اليمني.
وتعمل الجماعة على تغيير المناهج الدراسية لما يخدم جذور الفكر والسلالة، والنيل من ثوابت الجمهورية ومكتسباتها لصالح الفكر وامتداداته الخارجية.
ويضيف ربيع أن الحاجة اليمنية اليوم تتطلب معركة عسكرية لإسقاط جماعة الحوثي، وبسط نفوذ الدولة، مع استمرار معركة الثقافة والوعي لتحصين الدولة والمجتمع من أي اختراق.
الثقافة في مواجهة الطائفية
وتلعب الثقافة دورًا جوهريًا ورئيسيًا في مواجهات كل الأخطار المحدقة بالمجتمعات المأزومة بالحروب والصراعات، باعتبار الثقافة إطارًا مشتركًا عامًا لكل المختلفين، واعتبارها نتاج المشتركات كلها، حد قول الباحث نبيل البكيري، مضيفًا أن الثقافة تلعب أدوارًا كبيرة في الحفاظ على مساحة واسعة للإبداع والعيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد.
ولعبت الهوية الثقافية والوطنية التي تشكلت خلال نصف قرن مضى، دورًا رئيسيًا من إبقاء الصراع في إطاره السياسي بين الحكومة وجماعة الحوثي. واستطاعت هذه الهوية الثقافية حصر الحالة الطائفية في إطار ضيق، وشكلت ما يشبه الممانعة في المجتمع أمام تغول الثقافة الطائفية التي يراد فرضها على المجتمع من قبل جماعة الحوثي، بحسب البكيري.
وأكمل قائلًا: “لا شك أن حالة الممانعة التي يزخر بها الشارع اليمني لكل ما هو طائفي تقوم به جماعة الحوثي، هي بفعل العامل الثقافي الذي تشكل يمنيًا على مدى سنوات قيام الجمهورية اليمنية شمالًا وجنوبًا”.
وأحدثت الحرب دمارًا كبيرًا في البيئة السياسية والفكرية والثقافية، واتجهت في جزء منها نحو التراكم المعرفي والثقافي الذي شهدته البلاد خلال أكثر من 6 عقود من عمر النظام الجمهوري، وهناك استهداف مباشر لهذا التراكم، ومحاولة صريحة نحو هندسة البيئة الثقافية، وتسخيرها لصالح المشاريع السياسية المشوهة (الإمامية والانفصالية والشمولية)، كما يقول الكاتب ياسين التميمي.
نزوح المثقفين
وأدت الحرب الدائرة باليمن منذ مارس 2015، إلى هجرة الكثير من المثقفين من اليمن، خشية من التضييق الذي يعاني منه من تبقى في مناطق سيطرة الحوثيين. يقول الإعلامي والباحث السياسي، عبدالله إسماعيل، إن فائض القوة والعنف الذي واجهت به جماعة الحوثي الآخر المختلف معها، أسهم في هجرة المثقفين، إذ لا صوت في بيئتها يعلو على صوتها، ولا قبول بأي رأي مخالف لا ينخرط كليًا فكريًا واستسلامًا وقبولًا بمنطلقات ومرجعيات وأدبيات جماعة ترى أنها على حق، وتمثل الجميع، بحسب إسماعيل.
واعتبر إسماعيل أن هجرة ونزوح المثقفين في اليمن مهمة في ظل التعتيم والقمع الذي تمارسه الجماعة في العاصمة صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرتها، فعلى الأقل وجد المثقفون بجميع فئاتهم المنصات المناسبة والبيئات التي سمحت لهم بمواجهة أفكار الجماعة، ومخاطبة اليمنيين، والمحافظة على التنوع الذي تمليه الحياة السياسية والثقافية التي كانت قبل الانقلاب، حد قوله.
“وربما يسهم المثقفون النازحون في إبقاء المشهد الثقافي متعافيًا، لكن هذا أيضًا يتوقف على البيئة التي استقروا فيها، وظروف المعيشة التي تحيط بهم”، يقول التميمي، مضيفًا: “ويمكن القول إن ثمار السنوات الـ6 من الحرب ليست عند مستوى الطموح، لكن لا شك أن الهجرة والنزوح القسري سوف تضيف شيئًا لوعي المثقف، وسوف تحفزه للإنتاج الإبداعي، وهناك نماذج، ولكن تبقى محدودة، ومع ذلك أنا أعتبر أن الهجرة والنزوح هي تجربة مهمة في حياة المثقف”.
فيما يرى الكاتب والروائي، جمال الشعري، أن الثقافة اليمنية، وعبر عصور مختلفة، لا تتكئ على كاتب أو جيل من الكُتاب غادروا اليمن، بل ستبقى الأرض اليمنية حُبلى بمن يرفع رايتها الثقافية، ويتمسك بموروثها اللامادي، وعن التأثير الذي يعقب هجرة الكُتاب ومن لهم صلة بدور الثقافة، فالتأثير نسبي لأسباب كثيرة.
وأهم هذه الأسباب أن الكاتب اليمني حتى وإن غادر اليمن ستبقى حروفه معلقة بذكرياته التي تربى عليه، لينقل الأسطورة والحكايات الشعبية والإرث الإنساني والعادات والتقاليد والطبيعة واللكنات الدارجة.
أما عن مدى التأثير، فقد تحدث الشعري، قائلًا: “إن التهجير الكُلي لجميع النخب الثقافية، سيقلل من المخرجات الأدبية التي تخدم البيئة والثقافة اليمنية، وسيثري ثقافات البلدان التي قصدها الأدباء للهجرة بالمعرفة الثقافية والتنموية التي من الطبيعي أن يزود بها الكتاب المهاجرون البلدان التي قصدوها”.
وأضاف: “من الطبيعي أن تلهمهم الطبيعة والجمال في مناطق معينة، فيكتبون عنها، وذلك ما يدعم السياحة، يتحدثون عن الموروث والعادات ودور العبادة والقصص الشعبية وغيرها من المعارف التي تثري العالم عن معرفتها، ويسهل هذه المعرفة كتابات الأدباء المهاجرين، وأغلب المخرجات الأدبية إن لم يكن جميعها، لها ذائقة الحرب، ولأدب الحرب مساهمة كبيرة في تهذيب المجتمعات، وهذا ما لمسناه في مواقف كثيرة في الأدب العالمي والإقليمي والمحلي أيضًا.
خسارة حكومية في المعركة الثقافية
“من المؤسف أن مواجهة المشروع الطائفي لجماعة الحوثي، لا تتمتع بالتماسك والتكامل، على الرغم من الصخب الإعلامي وانشغال القضاء الاجتماعي بانتقاد الحوثيين، علمًا أن مواجهة التغول الطائفي تحتاج إلى تكامل بين التأثير الإعلامي والميداني، من خلال تعزيز التجربة المقابلة للانقلابيين”، يقول التميمي.
ويضيف أن تجربة معسكر الحكومة تتعثر بفعل عوامل كثيرة، أهمها أن تحديات عديدة قد وضعت في طريقها أعاقتها عن تأسيس تجربة ومثال متميز من شأنه أن يفضح النهج الطائفي للحوثيين، ويحول دون حصولهم على مكاسب ثقافية أو تحقيق نصر في المعركة الثقافية الموازية.