لجنة صياغة الدستور..يمن جديد يتغير نحو الأسوأ

2014/03/19 الساعة 04:54 مساءً

أبرز أحداث الأسبوع الماضي والحالي في اليمن قرار تحديد أليه عمل لجنة صياغة الدستور وهو القرار الصادر يوم 8مارس ثم تشكيل اللجنة من سبعة عشر عضواً أدو اليمين ثم اجتمعوا مع مصدر قرار تسميتهم أعضاءً ثم اجتماعهم الأول لاختيار رئيس للجنة ونائبين ومقرر، تم إصدار قرار تحديد أليه عمل اللجنة متضمناً 39 مادة ، كانت هذه المواد هي أساس العمل كما هو عنوانها ، مرت المواد دون تركيز كبير قانوني أو إعلامي عليها  بالمقارنة للجدل الذي أثير حول أعضاءها السبعة عشر ، الرئيس عبد ربه منصور هادي وفي أول لقاء له باللجنة بعد حلف اليمين ركز على وسائل الإعلام (والإعلاميين بالطبع هم المعني وليس وسائل الإعلام) وهاجمها (أغلبها وليس كلها) كما جاء في البيان الرسمي حتى لا نظلم الرجل، وقال أنها لم تفهم بطريقة صحيحة عمل اللجنة ،وحث الأعضاء بالتالي على عدم الالتفات لوسائل الإعلام لأنها رجس ٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه يا أعضاء اللجنة !!!.

بقراءة هادئة لقرار تحديد أليه عمل لجنة الصياغة ذهلت أن وسائل الإعلام لم تعطي القرار حقه من النقد والتفنيد والرفض ، ذهلت من قلة النقد وليس من نقدها اليسير الذي ضايق رئيس الجمهورية الذي لا يبغض في أحاديثه شيئاً كبغضه للإعلاميين ولوسائل الإعلام  ولتأكيد ذلك البغض قال كلامه السابق في أول لقاءاته بلجنة صياغة العقد الاجتماعي لليمن الجديد أي أن اليمن الجديد سيكون أحد أهم ملامحه تبرم قيادة الدولة ليس من قطاع الطرق والمجرمين بل من وسائل الإعلام التي لا تفهم الأمور كما تريد السلطة !!!. بالتأمل في القرار يتبين أن عيوبه لا تعد ولا تحصى وصار الواجب أن يتم ضمه إلى موسوعة جينس للأرقام القياسية في فئة أسوء قرار جمهوري في التاريخ !!!؟؟؟.

فمن تلك العيوب أن القرار أشار في أول أحرفه إلى أنه جاء بعد الإطلاع على دستور الجمهورية اليمنية ، ولست أدري هل يجوز الإطلاع على دستور سابق في مرحلة إعداد دستور جديد وما لذي يقصده مصدر القرار باعتماده على الدستور السابق وهل يمكن القول أنه مجرد تكرار مطبعي من قبل مكتب الرئاسة في أي قرار يصدره الرئيس ، وهل اطلع الرئيس فعلاً على الدستور السابق الذي نصت المادة الأولى منه على أن الجمهورية اليمنية وحدة لا تتجزأ والذي نص على أن السلطة التشريعية أي مجلس النواب هي الوحيدة المختصة بإصدار القوانين وليس أي جهة أخرى وهل اطلع على صلاحيات رئيس الجمهورية وواجباته وهل وهل أم أن المقصود بالديباجة أنه تم الاعتماد في القرار على الدستور السابق بالخرق له ولنصوصه وليس الاعتماد عليه بالعمل بالنصوص؟؟!!.

وجاء في الديباجة أيضاً اعتماد القرار على لائحة مؤتمر الحوار التي تم مخالفة أهم مقرراتها حين تم تمرير مقررات الوثيقة الختامية دون تصويت الأعضاء عليها تصويتاً سرياً ، بل فقط بوقوف الأعضاء وتصفيقهم وصياحهم بالروح بالدم وعلى عينك يا حاسد!!؟؟.

وجاء في الديباجة اعتماد القرار على مبادرة مجلس التعاون الخليجي واليتها التنفيذية فهل يا ترى تم الإطلاع على نص المادة 22 منها والتي تنص على أن ((تنشأ حكومة الوفاق الوطني لجنة دستورية فور انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في مدة أقصاها ستة أشهر وتكون مهمتها صياغة مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، وتقوم اللجنة باقتراح الخطوات الضرورية لمناقشة مشروع الدستور والاستفتاء عليه لضمان مشاركة شعبية واسعة وشفافه)) وهو ما لم يحدث بل كان قرار تسمية أعضاء لجنة صياغة الدستور من قبل الرئيس دون أي تدخل من الحكومة؟؟؟!!.

بالانتقال لمواد القرار نلاحظ أنه جاء في المادة الثانية النص على أن أهم ما يجب أن تقوم به لجنة صياغة الدستور هو أن يكون اليمن مكوناً من 6أقاليم ، وهذا لتأكيد أنه يمكن التشكيك بصواب العمل بأركان الإسلام الخمسة ، لكن لا يمكن التشكيك بصواب العمل بنظام الأقاليم الستة؟؟!!.

في المادة 3 الفقرة 2 تحدث القرار عن هيئة لم تشكل بعد وكرر الحديث عن هذه الهيئة التي لم يتم تشكيلها حتى اليوم أي (( الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل)) بل إن القرار جعل من تلك الهيئة المرجعية لعمل لجنة الصياغة ، وهذا يؤكد الإعجاز العلمي في القرار فهو يحدد تفاصيل الخطوة الثانية قبل أن يبدأ بالخطوة الأولى فالخطوة الأولى كان يفترض أن تكون تشكيل هيئة الرقابة ثم تكون الخطوة الثانية هي تشكيل لجنة الصياغة ليكون للإشارة إلى الهيئة معنى في قرار لجنة الصياغة لكنه العلم الذي فاق التوقعات يؤتيه الله لمن يشاء من عباده !!!.

في المادة 3 تم وضع معايير أعضاء لجنة صياغة الدستور (والتي صارت واقعاً في تاريخ المقال) وجاءت هذه المعايير خلافاً للقواعد التاريخية في لجان صياغة الدستور بل وخلافاً لما قررته وثيقة مؤتمر الحوار التي قيل أنها أحد أهم مراجع القرار ، فقد تم محاصصة اللجنة مناطقياً (تمثيل الجنوب) ومحاصصتها نوعاً إجتماعياً(تمثيل المرأة) ثم اشترطت المادة أن يكون عضو اللجنة ممن لديه خبرة لا تقل عن عشر سنوات في أي من المجالات التخصصية ويلاحظ لفظ المادة (أي من المجالات التخصصية) بمعنى أنه يمكن ضم مهندسين أو أطباء أو مدرسين أو غيرهم من أصحاب المهن التخصصية فالمادة لم تحدد المجالات التخصصية بأنها القانونية أو السياسية بل قالت المجالات التخصصية وبالتالي وتنفيذاً عملياً لهذا القرار صار مقرر اللجنة مهندساً معمارياً وذلك ربما لتأكيد أن الدستور اليمني سيتم كتابته بعد عمل مجسمات ومساقط أفقية وعمودية لمواده ولله في خلقه شئون!!.؟؟.

في المادة 5 أشترط أن تعمل اللجنة بعيداً عن أي تأثيرات من السلطات التنفيذية ،وقد ورد لفظ المادة بالجمع لتأكيد أن اليمن يوجد فيه سلطات تنفيذية متعددة وليس سلطة واحدة -وهذه هي الحقيقة ربما- والمادة تمنع اللجنة من أن تتأثر بالسلطات التنفيذية لكن لابد أن تأتمر بأوامر رئيس الجمهورية بحسب النصوص التالية في القرار بل وتأتمر بملاحظات هيئة رقابة على عملها سيتم تعيينها من قبل رئيس السلطة التنفيذية ، ولا تعليق؟؟!!.

في المادة 6 تم تحديد أطول مدة زمنية في الكون للجنة صياغة دستور (سنة كاملة) بينما استمرت مشاورات لجنة محددات الدستور قرابة عشرة أشهر (أي مدة مؤتمر الحوار) وهذه المادة جاءت خلاف الاليه التنفيذية للمبادرة (وهي المرجعية الأعلى للقرار كما جاء في الديباجة) والتي نصت مادتها22 على أن مدة لجنة الصياغة ثلاثة أشهر ، والأدهى أن نصوص القرار حمالة أوجه فهي  في هذه المادة أعطت للجنة الصياغة مدة لا تزيد عن سنة لكنها في المادة 26 جعلتها مفتوحة ومتروكة لتحديد اللجنة ، ثم إن النصوص جميعها لم تحدد موعد إجراء الاستفتاء على الدستور بمسودته النهائية بل جاءت نصوصها دون تحديد بشكل يوحي بأنه سيتم الاستفتاء على الدستور خلال القرن الحادي والعشرين بشكل مؤكد ، لكن متى ؟علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو؟؟؟!!!.

في المادتين7 و8 تم النص على أن تظل الأمانة العامة لمؤتمر الحوار لصاحبها أحمد بن مبارك كياناً موجوداً إلى جوار لجنة صياغة الدستور، ربما لأن تلك الأمانة هي التي ستكتب الدستور حقيقة عبر أمينها العام وأصدقاءه فريق المبعوث الدولي جمال بن عمر ، ونسي القرار أن يبرر بقاء الأمانة العامة وكان الأجدر أن يسبب بقاءها(لأنه لا يمكن أن يكتب أعضاء لجنة صياغة الدستور دون الأمانة العامة فهي التي تهبهم المرتبات والبدلات وتنسق لهم زيارات مدرسين لهم طريقة صياغة الدستور وهي التي لولاها ما غردت الطيور) أي أننا أمام مؤتمر حوار جديد ب17 عضواً بدل 565 عضو ، ويمكن أن نتوقع مستقبلاً أن تكون كل قرارات رئيس الجمهورية متضمنة أن يضل أحمد عوض بن مبارك أميناً عاماً ومقرراً لكل لجنة أو هيئة أو سلطة في البلد فالرجل لا يمكن لليمنيين الاستغناء عنه !!!، ولتأكيد أهمية إعطاء أمين مفاتيح الجنة الصلاحيات المالية نصت المادة 9 على أنه يجب على جميع الجهات أن تسلم له المال الوفير ليتسنى له قيادة سفينة لجنة صياغة الدستور ، ما لم فالهلاك الهلاك لليمن واليمنيين في حال لم يتم توفير الدعم المالي لأمين الأمانة العامة لتسيير مستقبل اليمن ؟؟؟!!!.

في المادة 10 تم تسخير وسائل الإعلام لخدمة مشروع الحاكم بأمر الله وبأمر مجلس الأمن الدولي ، حيث يجب على وسائل الإعلام الرسمية أن تسخر كافة إمكاناتها لخدمة مشروع تجهيل اليمنيين وإيهامهم بان الدستور القادم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير!!!، وهذا لتأكيد احترام رئيس الجمهورية لأول مقررات مؤتمر الحوار وهي إلغاء وزارة الإعلام وأظن أننا فهمنا التوصية بإلغاء الوزارة خطأ فهي لا تعني إلغاء التطبيل والدجل بل تعني فقط تغيير تسمية الوزارة من وزارة الإعلام إلى (الهيئة الوطنية لتغيير عقول اليمنيين نحو عبادة الحاكم ومشاريعه الوهمية)؟؟!! ولتأكيد هذا الرأي ستتولى الأمانة العامة لصاحبها بن مبارك طبقاً للمادة 13 والمادة 21 من القرار إعداد البرامج الإعلامية المتكاملة لتغييب الذهنية اليمنية وتوجيهها نحو الوهم المسمى الدستور الجديد الذي به فقط يتحول اليمن إلى الدولة رقم 1 في العالم!!!؟؟؟.

في المادة 16 النص بوضوح على أن لجنة صياغة الدستور ليست إلا ديكور أو باللهجة اليمنية الدارجة(كوز مركوز في طاقة) فهي وبحسب المادة في حال اختلافها على نصوص مسودة الدستور ترفع الموضوع للهيئة الوطنية للرقابة التي لم يتم تشكيلها إلى اليوم ، وهذا يعني أننا أمام لجنة ضمن لجنة ضمن لجنة ضمن أمانة عامة وهلم جراً وهذا يؤكد لون المستقبل الذي يوعد به اليمنيين لا أظن إلا أنه الأسود شديد القتامه !!!.

في المادة 19 من القرار تأكيد إضافي أن لجنة الصياغة ليست لجنة فنية مختصة وليست لجنة خبراء ، فمن حقها أن تستعين بمن تريد من الخبراء الذين لا وجود لهم بين أعضاءها بالتالي ، ليكون القطعي أننا أمام لجنة مبتدئين ستعتمد على غيرها من الخبراء والفنيين وهي تستلم المرتبات وتظهر أمام وسائل الإعلام وكأنها هي من صاغت دستور اليمن الجديد ،ليكون الدستور الجديد بالتالي ظلمات بعضها فوق بعض فمن صاغه ليس مختصاً بل استعان بمختص ومن يشرف ويحسم ألفاظ نصوص الدستور بدقة أو يتولى كتابة الدستور ليس المختصين وليس لجنة الصياغة بل هيئة الرقابة التي ستعين بقرار رئيس اليمن ،ومن يكون له القول النهائي بعد كل ذلك هو عبد ربه منصور هادي الإمام العادل الذي قوله النهائي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؟؟؟!!!!فهو و بصريح نص المادة 34 من القرار الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم وهو المرجع النهائي الذي لا يناقش في أي مادة في الدستور يقر هو لفظها ، والخوف أن يقرها الرئيس وتكتب في الدستور القادم بطريقة النطق العجيبة التي تجعل القاف غيناً والحاء والألف المضمومتان مفتوحتان وكل شيء في اليمن جائز وهو ما أكده المبعوث الدولي بن عمر حين أكد (أن العالم يقف يومياً مشدوهاً من التجربة اليمنية) ؟؟؟!!!

في الختام لابد من إعادة الإشارة إلى المادة 35 من القرار والتي لفظها ((مادة (35): يحق لرئيس الجمهورية بالتشاور مع الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل تكليف لجنة صياغة الدستور بالبدء بصياغة مشاريع القوانين ذات العلاقة بالأقاليم والانتخابات اللازمة لمرحلة ما بعد الاستفتاء على الدستور)))وهذه المادة مرت دون تركيز كبير وهي في منتهى الخطورة فهي تجعل من مجلس النواب القادم المفترض انتخابه بعد الدستور مجرد أرجوز جديد يضاف إلى قائمة الأرجوزات التي حولها إلى هذه المهنة السلطان الفاتح عبد ربه منصور هادي منذ توليه رئاسة اليمن قبل سنتين ، فكيف يمكن أن يتم تشريع قوانين من قبل سلطة غير منتخبة من قبل الشعب؟ وهل هذا هو التغيير الذي حصل في اليمن بعد 2011 ؟ هل التغيير أن يتحول 17 شخصاً معينين بقرار رئيس الجمهورية إلى مشرعين لنصوص قوانين ؟ هل يقبل الشعب اليمني أن يتحكم بمصيره عبد ربه منصور هادي ويصير هو السلطة التشريعية والتنفيذية والمرجع لكل شيء؟ هل التغيير في اليمن يسير إلى الأمام أم إلى الخلف ؟ هل نؤسس لدولة الفصل بين السلطات أم لدولة (السلطة الفصل)؟؟؟!!!!.

يمن جديد يتم بناءه بطريقة أكثر سوء من عهوده الماضية، يمن جديد يسير نحو الأسوأ... يمن جديد مستقبله مظلم ..والكارثة أبناءه نيام في العسل ويظنون أن الوهم يمكن أن ينتج عنه شيء غير الوهم.