أزلية علاقة طائر النورس ببلدة بئرعلي العتيقة المطلة على شواطئ المحيط ، التي ترنو قدومه بعين المحب الصبور من فجوة البحر و تظل أبصارها شاخصة ومعلقة على الأفق البعيد وقلبها الضاحك لقدوم مواسم عودته العامرة بالحنين اليها من وراء البحار ، و تتعذب البلدة العتيقة مع رحلة الغياب المرير لاسرابها وتبكي بصمت اشتياقها للنوارس لكنها تذوب في هيكل الحب كقديس إغريقي قديم وتنتظر بفارغ الصبر عودة ايابهم الجديدة من كل عام .
البلدة الهائمة في حب هذه الطيور المهاجرة لا تهتم كثيرا بتفاصيل اللقاء والوداع الموسمي بينهم ، وتعرف بأن لها مواطن أخرى من العشق ، ولكن عدلها وإنصافها في الحب وبلا ميزان يجعل منها أسطورة خالدة في الوفاء المقدس لها ويظل كلاهما يتوقدان على جمر الأسى و الفراق طيلة تسعة أشهر من كل عام ، فيما تظل أبواب الأمل بمواسم العودة مشرعة و تجلوها عواصف الاشواق والانتظار لقدوم بشائر طلائعها التي لا تخلف مواعيدها .
وما إن يحل شهر تموز من كل عام حتى تنساب افواج مواسمها على البلدة التي تحب من سواحل الشرق الجميل وتكاد كثافة سحاباتها تحجب اشعة الشمس عنها وتنهال بكثافة عليها وان تحط برفق على منازلها العتيقة وتنفضها بريش جناحاتها الناعمات والمرهقات من تعب الرحيل حتى تستعيد رونق بياضها المغبر من الازمان وتسقى من الحب تسعين يوما وقد لا تروي حجم اشتياقها لطائرها المهاجر، ولكنها الحياة تعطي كل شيء بمقدارها حتى في المحبة .
و للبلدة العاشقة لطيورها المهاجرة قصة حب لا تبتدئ ولا تنتهي بفصل من العام شديد الحرارة وشديد العواطف تشهدها خلجان و شطآن مواطن الدفء والحب في بلدة بئر علي بشبوة مع موسم قدوم طائرها من وراء البحار ، ولكنها تمتد في الأعماق ويصعب قراءة روايتها .
حاولت بالأمس السبت أن اقتفي اثر الطيور على رمالها الناعمة لعلي أظفر بفك شفرة حبهما وفي كل مرة تلتهمها موجة من بعيد و من يستودع البحر أسراره فلن تضيع .