الكتابة بالدم .
عمر الحار
كل شئ في هذا الوطن المسكون بالحرب مادة ثرية للكتابة ، وماعليك الا حسن الاختيار المناسب للتعبير عما تريده من موضوعات ، في السياسية في الخيانة والقذارة ، في الحرب وانتصاراتها وانكساراتها و بطولاتها وبيعاتها والموت وضحاياه من الجنود والمليشيات والمواطنين وعابر السبيل ، او في اكوام القمامة .
وكل ماعليك هو اعداد نفسك وتهيئتها للكتابة التي تمثل لاصحابها هاجس له سطوة وسلطان عليهم دونما سابق انذار.
ولن تخرج لغة الموضوعات والمقالات والتحليلات عن نبرة الاحزان القابعة والساكنة في عقولنا ونفوسنا ، سواء كتبت عن السياسية او القمامة او الموت بالرصاص او الموت بالاملاق ، وستظل مسحة الاحزن ظاهرة وجلية ولها محياها الجميل والمنبثق من ثنايا المفردات وقد يكون البعض منها بلسم وشفاء لمصابنا في الوطن الممزق بالحروب والموزع على جغرافية الدم والمصالح ، ومنها مايبعث فينا الامل ويجدد ارتباطنا بالحياة وبالوطن المفقود والمهدد مثلنا بالانقراض ، ومنها مايجعلنا نبكي اللحظة ونغرق في ذكريات وطني الجميل الذي كان ماوى للشمس والعصافير والاساطير ، ومنها مايسلب منا الارداة ويجعلنا ادوات في مهب الريح ونميل معها باجسادنا اينما مالت وفي اي اتجاه ، ومنها مايقصر الاعمار ويدفعنا للوقوع في الانانية المفرطة المذيبة لمعالم الانسانية فينا وتحولنا في برهة من الزمن الى وحوش بشرية لا تبق ولاتذر في محيطها من بشر .
لم تفرض علينا اغراض الكتابة المشحونة باليأس والقنوط والحيرة والشك والخيانة وانعدام الضمير ولكنها محصلة طبيعية لواقعنا المرير والمهزوم والمأزوم الذي نعيشه وينغمس الكاتب في وحله حتى الاذنين ولن تكون كتاباته الا مبللة بكل الروائح الكريهة وتنزف بالدم والاثم والعدوان ومعاداة الحقيقة التي اضعناها وبعدها ضاع الوطن .