في ليلة التوقيع على تسليم السلطة والمبادرة الخليجية قال علي عبدالله صالح كلمة حاول من خلالها دغدغة مشاعر الشارع اليمني للتعاطف معه وهي : ليس المهم التوقيع على الإتفاق بل الأهم هو تنفيذه ، وكانت نفسه تضمر شراً ليس لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي فحسب بل للشعب اليمني كله ، متوهماً بأنه ذلك المخلوق الذي يجيد الرقص على رؤوس الثعابين حسب ما قال في عبارته الشهيرة : إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين ، فإن كان هو كذلك يجيد الرقص على الثعابين فإن فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي متمكن بإمتياز في ترويضها .
بمجرد توقيع صالح على الإتفاق نقضه بأيام معدودات بتسخير كل إمكانياته لإفشاله وإفشال مروِّض الثعابين فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي ، للدرجة التي تحالف فيها مع أعداء الأمس جماعة الحوثي ومكنهم كل ما تملكه الدولة ، فقوى شوكتهم على الدولة وعلى شرعية فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي ، حتى وصل الحال لأن يستعرضوا بقوتهم التي مكنهم أياها الراقص على رؤوس الثعابين وفرضوا إتفاق السلم والشراكة بينهم والدولة اليمنية ، ثم تم الإتفاق وتم التوقيع عليه بمباركة قوى ساعدت على إيصال الوضع إلى ماكان عليه ، ومع أن الإتفاق كان لصالح جماعة الحوثي إلا أنهم إنقلبوا عليه وتحولوا إلى مليشيا فرضت حصار على فخامة رئيس الجمهورية وقتلوا وجرحوا العشرات من أفراد أسرته ، وبما إن فخامته متمكناً في ترويض الثعابين إستطاع أن ينسل وما تبقى من أفراد أسرته من الحصار المفروض عليه وأسرته الكريمة ووصل إلى محافظة عدن ومن هناك أعلنها عاصمة مؤقتة لليمن .
وقعت أحداث كثيرة ومحاولات إغتيال متكررة لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي نجا منها بحول الله وقوته ، وكان من أهم هذه الأحداث محاولة مليشيا الحوثي تمرير قرارات رئاسية لصالح المليشيا ورفض فخامته التوقيع عليها وقدم إستقالته ، وبعد وصوله إلى عدن تراجع عنها وجن جنون مليشيا الحوثي فأقدمت على شن حملة عسكرية تجاه عدن إنتهت بأسر شقيقه العم ناصر منصور هادي ورفيقيه محمود الصبيحي وفيصل رجب ، أما فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي إستطاع الخروج من عدن والوصول إلى عمان ثم السعودية ، وقبلها كان قد طلب التدخل المباشر من دول مجلس التعاون الخليجي والذي تحول بعدها إلى تحالف عربي ، أما الراقص على رؤوس الثعابين فكانت نهايته أن لدغته حية حوثية فصرعته وكان مثواه ثلاجة من ثلاجات مليشيا الحوثي .
تحررت العاصمة عدن وبعد تحريرها سَلَّمَ فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي كل محافظات الجنوب لأبنائها لإدارتها ، ولكن للأسف الشديد طُعِنَ فخامته من الخلف فخانوه غالبية من أحسنَ إليهم ووثق بهم فلم يجد بُدَّاً من إقالتهم ، فتحولوا جميعاً إلى أعداء له وأسسوا كيان جنوبي بدعم من قوى تكُنُّ لفخامته العداء أسموه بالمجلس الإنتقالي ، ونستطيع القول أن هذا المجلس تابع لتلك القوى لتحارب به فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته الشرعية أينما وكيفما شاءت ، فأعاد المجلس الإنتقالي الشعارات القديمة بإستعادة دولة الجنوب والتي إختفت هذه الشعارات حينما كان أعضاء المجلس مسؤولين في الحكومة اليمنية بصفة محافظين ووزراء ومسؤولين فاسدين ولصوص .
أنشأَ المجلس الإنتقالي مليشيات خاصة به بدعم قوي من القوى آنفة الذكر ، وإفتعل المشاكل تلو المشاكل والأزمات تلو الأزمات ناهيك عن محاولات الإنقلاب ، حتى جاء موعد النفير الذي أعلنه نائب رئيس المجلس سيء الذكر وغريب الأطوار وأعلن الإنقلاب على الدولة اليمنية ولكنه هُزِمَ شر هزيمة لولا تدخل تلك القوى الداعمة له بعتادها العسكري الضخم الذي حُصِرَ بقرابة 400 مدرعة وبتلك المعدات العسكرية المختلفة ، وتحقق الإنقلاب وتم الإستيلاء على جميع مؤسسات الدولة بما فيها القصر الرئاسي "قصر معاشيق" ، وبما أنهم لصوص ولا يبحثون عن دولة كما تقول شعاراتهم الكاذبة قاموا بالإستيلاء ونهب كل محتويات مؤسسات الدولة وجعلوها أطلالاً وخاوية من عروشها إلا من صفير الرياح الذي صعُبَ عليهم إستحواذه .
كان فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي حليماً كريماً مسالماً معهم وترك المصلحون والوسطاء يتدخلون لحل الأزمة والإشكال الذي وقع به المجلس ومليشياته بينما كان قادراً على التخلص منهم ، ولكنه كعادته إستخدم الحلم والحكمة فآثر حل الشقاق بإتفاق يحقن دماء اليمنيين ويحفظ أرواحهم ، وبما أن الشقيقة الكبرى هي قائدة التحالف وفشلها سيشكل هزيمة كبرى لها وهي تأبى ذلك فتحملت مسؤوليتها التاريخية تجاه الأزمة العالقة التي تسببت بها تلك القوى عبر المجلس ومليشياته فكرست كل جهودها التي إستمرت لأكثر من شهرين ، فأنتجت جهودها بإتفاق لم تنسلخ منه الثوابت الوطنية والقواعد العامة للدولة فكان إتفاق الرياض هو الحل الأنجع لجميع الأطراف .
كان موعد الإتفاق يتغير من حينٍ لآخر حتى إستقر الموعد بتاريخ 5 نوفمبر وتم التوقيع بضمانات وضعتها القيادة السعودية الحكيمة لتنفيذه وإنجاحه ، وهاهي قد إنقضت عشرة أيام منذُ التوقيع ولم يُنَفَّذ منه أي بند والذي كان أول بنوده هو مباشرة الحكومة اليمنية أعمالها من القصر الرئاسي في عدن ، والواضح للعيان أن المعرقل هو المجلس الإنتقالي ومليشياته تحت مبرر واهٍ وهو الرفض التام لإنزال العلم الجنوبي بحجة أن هذا العلم سقط تحته مئات الشهداء الجنوبيين ، مع أن كل إنتهاكات المجلس ومليشياته ونهبهم لمؤسسات الدولة والأراضي والمباني الحكومية والخاصة ، وسطوهم المسلح وقتلهم للأبرياء من أبناء الجنوب وسجنهم وإخفائهم قسراً في سجونهم السرية وإقتحامهم حرمات البيوت كان العلم الجنوبي حاضراً في كل الوقائع ، حتى قتلهم لحليفهم أبو اليمامة الذي كان شعاره بإستعادة دولة الجنوب العربي حقيقياً في قلبه وكان مرتدياً بدلة عسكرية تحمل علم الجنوب حينما غدروا به .
الجميع شاهد أثناء توقيع الإتفاق في الرياض بأن علم الجمهورية اليمنية كان حاضراً بين المخولين على التوقيع وكان سالم الخنبشي من جانب الحكومة اليمنية والخبجي من جانب المجلس الإنتقالي ، وبالتأكيد كانت الوثائق تحمل شعار الجمهورية اليمنية ، وينص الإتفاق في أحد بنوده أن الحقائب الوزارية في الحكومة ستكون مناصفة بين الشمال والجنوب ، فمن الجانب الجنوبي ستتوزع الحقائب على جميع المكونات الجنوبية ومن ضمن تلك المكونات سيكون المجلس الإنتقالي ، وجميعهم سيعملون تحت راية الجمهورية اليمنية فبالتالي ومثال على ذلك سيكون الوزير من المجلس الإنتقالي يحمل مسمى وزير النفير في الجمهورية اليمنية وليس وزير النفير في دولة الجنوب العربي .
قبل الختام أود القول لأولئك الإنقلابيون : غباءكم مستفحل وضارب في جذور عقولكم ولا ينافسكم به أغبى أغبياء العالم ، فكيف لكم تطالبون حكومة رئيس الوزراء أن تعمل تحت راية دولة إنصهرت من عشرات السنين في دولة موحدة ، أضف إلى ذلك أنكم وقعتوا على وثيقة تحت راية الجمهورية اليمنية ، إلا إن كان علم الجنوب جعلتوا منه حجر عثرة لنسف الإتفاق فمعنى ذلك صدقت نظرية سيناريو الإنقلاب بأنه كان لصالح مليشيا الحوثي لإلتقاط أنفاسها ولتقوى شوكتها من جديد ، وهذا سبق وقلناه أن هناك قوى خارجية تقف سداً منيعاً وحائلاً أمام الجيش الوطني حتى لا يحسم المعركة لصالحه وينهي الإنقلاب وذلك لإطالة أمد الحرب ، وما تلك الضربات الخاطئة التي طالت الجيش الوطني في أكثر من واقعة إلا دليل دامغ على صدق رؤانا .
في الختام نقول ليعلم الجميع أن هذا الإتفاق لن يكون كإتفاق السلم والشراكة ولن يكون كباقي الإتفاقيات والعهود والمواثيق السابقة ، فهذا الإتفاق قد ضمنت شقيقتنا الكبرى على تنفيذه بحذافيره وبكل بنوده ولن يكون علم الجنوب هو العائق لعدم تنفيذه ، ولو أنكم بالفعل أيها الناعقون تقدسون هذا العلم ولا تريدون سواه يرفع في عدن فعليكم بمعسكر طارق عفاش فهناك علم الجمهورية اليمنية يرفرف عالياً في سماء عدن فإذهبوا وأنزلوه من ساريته ، وإلا سنطالب بإلغاء الإتفاقية الوحيدة التي نُفِّذت في اليمن وبحذافيرها ولا زالت سارية المفعول حتى هذه اللحظة التي أكتب بها سطوري ، والتي شكَّلت هذه الإتفاقية للجنوب خازوق كبير لأبناء الجنوب يعانون سؤاته ليومنا هذا ألا وهي إتفاقية العام 1934م .
علي هيثم الميسري