الطابورُ الخامس.. لُبَانُ الحُكَامِ وعلَكَةُ الإجرَامِ:

2025/10/13 الساعة 08:00 صباحاً


العملاءُ، المرتزقة، الخونةُ، الجواسيس.. لا أجدُ شبيها لهم إلا اللبانَ الذي تشتريه بثمن بخسٍ، لتتسلى به ساعةَ زمانٍ، أو لتقضيَ به حاجةً في نفسك، أو لِتُزِيلَ به نتانَةَ فمِك. هُمْ ذلك اللبان الذي يمضغه سيدُهُمْ ويلوكه مستخدمُهم الذي اشترى منهم رجولتَهُم ووطنيتَهم وأمانتَهُمْ.. فأصبحَ يمطُهم فيتمطَطُون معه كما يرغبُ ويريدُ، وينفخُهم فيتفرقعون ويُرهِبون من أجله بشرا حسب هواه ومبتغاه، ويشَّكِلُهم بلسانه ويعجنهم بأسنانه، فيتمايلون وينسابون بكل سلاسةٍ بين ضرسِهِ ونابِه. هم مجردُ علكةٍ بالنسبة لمالكهم، ليس لهم من أمرهم شيئا، فإذا ما قضى غرضَه منهم واكتفى من طحنهم ومصهم.. قذفهم خارجَ فمه بكل قسوةٍ وقوةٍ، وقد تلبسَهم لُعَابُه ولوثتهم نتانةُ ما قدموه له من جرائمَ ومهامٍ. وهناك من أسيادِهم من لا يرجُمُ بهم بعد الانتهاءِ منهم.! بل يأخذهم فيُلزِقَهم بحائطِه، أو أسفلَ مكتبِه، أو جانبَ دولابِه.. احتياطا!! فلعله يحتاجهم يوما، ليلصقَ بهم صورةً أو خارطةً، أو يسدَ بهم ثقبا، أو يلطخ بهم شَعَرَ خصمٍ له، فيضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ.. أجبرَ خصمَهُ على خسارة جزءٍ من شَعَرِه، وأسَكَنَ اللبانَ العميلَ سلةَ القمامةِ. هذا ما صُنِع له هذا اللبانُ البشري، وهو ما تدربَ عليه في يومِه وليلته، وهو ما يرهنُ نفسَهُ ووقتَه وطاقتَهُ من أجلِهِ طوالَ حياتِه.. يتنقلُ في الأفواهِ ما بين أسنانٍ تلوكه وتطحنُهُ وبين لسانٍ يقَلِبُه ويشَكِلُه.. حتى إذا زالَ الغرضُ منه تمَّ نبذُهُ، فتطأهُ الأقدامُ، أو يتعفنُ مختَبِئا في الطين، أو يتمُّ رميُه على الرفِ مهملا لحين حاجةٍ تناسبُ قذارتَه، أو يصبحُ مصدرَ أذىً وهاجسَ قلقٍ لسادته بعد إن فقدَ لونَه وطعمَه ورائحتَهُ، فتصدُرُ على عجلٍ الأوامرُ بالتخلصِ منه نهائيا. هكذا هي نهايتُهُم في كل أسفارِ التاريخِ، وهذا هو مآلُ أمرهم في مجلداتِ السِيَّرِ.. وهكذا هُمُ اليوم في فلسطين، وهؤلاء هم في غزةَ وفي بلدي وفي كل مكان.. لا يخلو وطنٌ منهم.. فهم وسَخُ المكان.. وهم آفَةُ الزمانِ.
أبو الحسنين محسن معيض