الحوثيون يضعون في صلب المفاوضات شرطًا حاسمًا يتمثل في إخراج جميع القوات الأجنبية من اليمن، وبالأخص من المحافظات الجنوبية.
ووفق هذه القراءة، دفع هذا الشرط السعودية—المتمسكة بموطئ قدمها في المهرة وحضرموت—والإمارات إلى صناعة “أمر واقع” :فتح الطريق أمام مليشيا الانتقالي للهيمنة على الجنوب وإزاحة أي قوات ترفع علم اليمن، مع ضخ أموال لتوليد التفافٍ شعبي يمهّد لاستفتاءٍ وانفصال.
ويُقرأ هذا المسار في سياق رعاية أمريكية–إسرائيلية مرتبطة بحساسية الممرات المائية،خصوصا بعد معركة البحر الاحمر
بحيث يتحول الجنوب إلى كيانٍ مُعاد التشكيل سياسيًا وأمنيًا، مدعومًا أمريكيًا وإسرائيليًا ومموّلًا سعوديًا وإماراتيًا، ويصبح الحوثي أمام واقعٍ جديد يصعب تعطيله لأن أدواته تُصاغ على هيئة “تأييد شعبي” و”سلطة محلية”.
وفي هذه الصورة، تبقى السعودية متموضعة في حضرموت والمهرة عبر قوات “درع الوطن”، بينما تمسك الإمارات بالجنوب عبر الانتقالي، وسيكون هناك حضورٍ لقواعد أمريكية وبريطانية وإسرائيلية، وهدفٍ إسرائيلي إضافي يتمثل في محاصرة الحوثيين عبر المنافذ الجنوبية.
باختصار يتقاطع السعودي والإماراتي—ومن خلفهما الأمريكي والإسرائيلي—على تثبيت واقعٍ جنوبي جديد يضيّق هامش مناورة الحوثي ويضعه في الزاوية.
أما الحلقة المكملة للسيناريو فتتصل بالساحل الغربي وتعز إذ قد تعيد الإمارات توزيع تموضع قوات طارق، بنقلها إلى مواقع أخرى في الجنوب أو حصرها في نطاق الحديدة، مقابل منح المخا والساحل التعزي لقوات العمالقة الجنوبية، بما يعني عمليًا إضافة الشريط الساحلي من تعز إلى الجنوب، وعندها تكتمل—وفق هذا التصور—خريطة الانفصال.
والخلاصة تم دفع الحوثي إلى زاوية ضيقة عبر أمر واقع يُبنى ميدانيًا وماليًا قبل أن يُناقش سياسيًا.
وإذا لم يتحرك الحوثي الآن، فإن واقعًا آخر يتشكل على الأرض وينتظره، يتمثل في إعادة تفكيك الجغرافيا التهامية وتقسيمها سياسيًا وأمنيًا. إذ برز في الآونة الأخيرة حراكٌ تهاميّ يجري دفعه وتمكينه بدعمٍ مباشر من الإمارات والسعودية، وتحت مظلةٍ أمريكية–إسرائيلية، بما يفتح الباب أمام صناعة كيانٍ جديد على الساحل يغيّر موازين السيطرة ويضاعف حصار الحوثيين ويُقفل عليهم نافذةً إضافية في غرب البلاد.
بقلم /انيس منصور