لإن إختلاق المشاكل و الأزمات أيسر واسهل بكثير من صناعة الحلول وايجاد المخارج فإن الخروج من الأزمات يكون عادة صعبا ومتشعبا يتطلب طول الصبر وطول النفس وتوافق الإرادات المحكومة بالرشد والشجاعة السياسية ونزاهة أكبر في المقاربة للأزمة وتداعياتها وسبل الخروج منها كما يتطلب إرادة كبيرة في إتخاذ القرارات الصعبة. بعض هذه القرارات قد تكون لحظة اتخاذها بمستوى من يتجرع العلقم، ولكنها تكون لحظتها ضرورية ومتوافقة مع حركة التاريخ ومع موازين القوى ومع المصلحة الوطنية العليا، ولذلك يوصف اتخاذها في الوقت المناسب عادة بالقرار التاريخي، بما يعني الموقف المناسب في اللحظة المناسبة في ظل ميزان القوى الواقعي والرغبة في تقليل الخسائر والخروج بأفضل النتائج الممكنة ويكون التنازل في هذا السياق من اجل تحقيق هدف أكبر او مصلحة عامة للمجتمع موقفا تقدميا.
إن القاسم المشترك بين هذه المعطيات هو ما نسميه بالواقعية والعقلانية السياسية وفي هذا السياق تكون الخطوة الجديدة لإنقاذ مخرجات الحوار من من مصير التردي والتراجع خطوة ضرورية لحلحلة الوضع السياسي في البلد والخروج من حالة الاحتقان والعرج الوطني لأن عدم تدخل السلطة في مثل هذه اللحظات يفقدها القدرة على التأثير في مجريات الأمور، في حين أن تدخلها في الوقت المناسب يمنحها القدرة على بناء الوفاق العام ويعزز شرعيتها و»حياديتها» بين صراعات قوى المجتمع السياسي والوطني ، ويتيح لها فرصة التأثير الفاعل في توجيهها نحو المصلحة العامة والحفاظ على استقرار البلد.
وهذا ما كنا نردده خلال السنوات الثلاث الماضية دون انقطاع، لأن ترك الملف السياسي دون معالجة جامعة يدفع في اتجاه تعقد الامور والوصول إلى لحظة الانفجار خاصة بعد أن تحولت الثورة بفعل خصوصية الاوضاع وطبيعتها في اليمن إلى ازمة وطنية وسياسية كان لابد من تدارك تداعياتها الخطيرة قبل ان تتحول الى حرب اهلية شاملة بسبب العجز عن الانتقال العملي لحلول يلتقي حولها الفرقاء عند منتصف الطريق، ولعل الدرس الأبلغ بعد سنوات التأزم يدفعنا إلى ما نراه الحل الوحيد الذي يمكن ان يساعد على بناء الوفاق الوطني العام بعد ان انتهى الحوار الوطني الشامل بعيدا عن مشاريع التأجيل التي تؤدي مع مرور الوقت إلى مزيد من الانقسام الاجتماعي والسياسي والفكري والمذهبي وتزداد فيه مساحة العنف وترتفع تكلفة معالجته والتصدي له ويتصاعد فيها منسوب الكراهية والاستعداء ويصاب فيها المجتمع بالإعياء نتيجة لفقدان الأمل ولذلك كان واضحا لكل ذي عقل أن التقدم إلى حل وسط هو البديل الوحيد للخروج من هذه الحالة المكلفة وطي ملف الأوجاع واستعادة وحدة الوطن ووضع حد لأي عمل يستهدف تخريب العلاقة الأزلية بين مكونات الشعب الواحد وتجاوز المخلفات الموجعة التي يستشعرها كل طرف بعمق.
صحيح أنه في الظروف الطبيعية تتحكم الأطر القانونية والمنطقية بالسياسات ولكن في الظروف الاستثنائية التي يشهد فيها الوطن حالة من الغليان والصراع والاختلاف لا بديل عن التوافق الذي من شأنه ان يكون طوق النجاة للخروج من الأزمات وتجاوزها والانتقال بمخرجات الحوار من ضيق الملفات المغلقة الى رحاب التطبيق الواسع وفقأ للخطوات التأسيسة التي تم تعبيد طريقها ,, إلا أن المشكلة ان طرفي المجتمع السياسي متمسكان برؤى وخيارات ليست متناقضة بالمعني الجوهري للكلمةولكنها قد تكون متباعدة بعض الشئ ولا يبدو أنهما إلى حد الآن مستعدون للبحث عن منطقة وسطى للخروج من المأزق بل والحق يقال يبدوا انه لاتوجد منطقة وسطى على الواقع بينها، وهذا ما يجعل الأزمة عالقة بين السماء والأرض، نتيجة الحؤول دون التوافق المطلوب لتجاوز الوضع الراهن..ونأمل من اللجنة التي صدر قرار جمهوري مؤخراً بتشكيلها لدراسة عدد الاقاليم ان تتوصل الى حل يلبي آمال الشعب ويستوعب كل الرؤى المطروحة لحلها بعيدًا عن المناكفات والاحكام المسبقة وشائعات التشكيك في إخلاصها ..
تلويح:
____
تفسير انساق الخطاب السياسي-الإعلامي السائد - يكشف أنه مكون من ذهنيات الوهم والخوف والتخمين والتردد والخرافة والاستبداد والفوضى والنفاق والتبرير والوهم والاتكالية والتطويع والتدجين وهذه الذهنيات السائدة هي اليوم من أهم مكونات حياتنا للأسف.