كيف تمارس الحوثية أعمال فوضوية غوغائية عنيفة ..معلومات تحليلية هــامة
نشر الزميل الدكتور نجيب غلاب استاذ العلوم السياسية في كلية التجارة ورئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات مادة تحليلية عن ظاهرة الحوثية والاوضاع السياسية المعقدة حاليا بفعل الاعمال الفوضوية والعنيفة التي تمارسها الحوثيية
هنا عدن ينشر المادة من صفحة الزميل غلاب
الوضع بلغ من التعقيد ما يجعل البلاد امام معضلة تبدو انها غير قابلة للحل إلا بفرض هيبة الدولة باعتبار ذلك قوة الردع التي تمكنا من ملاحقة الفتن التي يتم بعثها عبر تمرد لا يريد ان يهجع أو يستقر، وبدون هيبة للدولة لا يمكننا ان ننجز أي تغيير لإعادة بنائها ولا تخليق سلام يمكن مختلف القوى التعايش .. المشكلة اليوم انه في ظل ضعف الدولة وتناقضات الاطراف وإدارة الصراع بإدوات متخلفة لا علاقة بمعنى السياسية كفن الممكن ناهيك عن تجاهل القوى الفاعلة للواقع ومشاكله ولحاجات الناس الفعلية واستغلال الاخطاء لتدمير الواقع وتدميره. بعض الاطراف ان لم يكن جلها مراهنة على مكاسب أنية انانية، ومتجاهلة حتى مكاسبها المستقلة ان ضبطت نفسها وركزت على تقوية الدولة وبناء شرعية التوافقات الايجابية .. اليوم تواجه كل الاطراف والشعب اليمني بما في ذلك المنحاز للحوثية تحديا مباشرا يمس الامن القومي اليمني ووجود الدولة والتعايش الاجتماعي، هذا الخطر المتمثل في الاندفاعات الحوثية وتهورها وتوريط الجميع بما فيها الكتلة الحوثية ومن يؤيدها في أعمال فوضوية غوغائية عنيفة وفي اعمال تعبوية مآلاتها تخريب الحدّ الادنى من الأمل للخروج من المعضلات التي يعاني منها اليمن وتزيدها تعقيدا وتدفع الى تخليق محرقة كارثية ستغلق الفرص المتاحة امام وطننا لينجو. الحوثية تحاصر الدولة والمجتمع في زاوية مواجهتها حتى لا تنهار السفينة وتغرق .. الحوثي لا يمكلك القوة الفعلية لتحقيق أي نصر ولا المؤهلات لإدارة عمل سياسي عقلاني ويرى في السلاح والانفعالات الايدولوجية مسارا ثوريا انتقاميا من الخصوم والجميع في الداخل والخارج يتعامل معها بحصافة لانقاذها من اعمالها التي تبدو كفعل انتحاري لتخريب المعبد وتدميره .. طبيعة التركيبة الحوثية وضعفها يدفعها لإدارة معركتها كالمقامر الباحث عن معركة استنزاف تنهك الدولة والآخرين لفرض إرادتها وخياراتها وهي لا تمتلك اي رؤية واضحة غير شعاراتها والسلاح.
نحن امام حركة احترفت الحروب باعتبارها مصدر وجود ايا كانت النتائج وتدفع بحلفائها وانصارها الى خسائر والاخطر انها تبدو كفتنة دائمة لا يمكن ايقافها. تدير السياسة بإيدولوجيا ونفسية متمردة وعقل محجوب بالاساطير والطموحات المبالغ فيها وتلعب مع الكل لتحكم سيطرتها على ميادين المعركة وكلما تكشفت الحجب اكتشف الآخرين مدى المخاطر التي تنتجها الحوثية عليهم وعلى الدولة وعلى الشعب اليمني .. التمرد الذي ينمو مستغلا انعكاس التحولات السلبية على الواقع لا يبحث عن حل وانما عن حراك يمكنه من بناء كتل جديدة غاضبة لتكون هي الضحية الكفيلة باشعال نار الفوضى الدائمة والدموية، قد تبدو الحوثية قادرة على تحريك الاتجاهات السياسية في الداخل والخارج الى ملعيها إلا انها لا تدرك ان الخوف والصبر ليس إلا براعة حكماء لتخفيف وطأة ضآلة التجربة الحوثية وقناعتهم أنها تقوم بأعمال وظيفية في النزاع معيق للتحول ناهيك انها مازالت كتلة خامة يتم التلاعب بها من قبل البعض لتمرير الكثير من السياسات والمصالح .. إلا ان اللعب مع كتلة متحفزة تتحكم فيها الغرائز وتديرها تركيبات معقدة ومتناقضة كمن يلعب بقنبلة بلا صاعق .. الحوثة تحقق مكاسب إلا انها طارئة في ظل تعاملها مع السياسة بتقنيات قروسطية وبصرامة وباعتبارها قوة صلبة محضة وانفعال حماسي دائم للملمت كتلهتها المفلتنة والغير متحكم بها .. لا يمكن للحوثية ان تفهم معنى التفاوض وعقد الصفقات في ظل هيمنة وعي يفهم السياسة باعتبارها حالة حرب ضد الكل ناهيك عن عجزها عن فهم واقعها وعدم أمتلاكها مشروع واضح غير خيارات الهيمنة لكتلة تتحكم فيها خيالات وطموحات تاريخية واسطورية. ماذا قدمت الحوثي من مشاريع فعلية للخروج من المعضلة التي تعيشها اليمن تبدو في كل اطروحاتها كحالة انفعالية ثورجية تحركها شعارات لا علاقة لها بالمضمر الذي لا تعلنه لكنه تشتغل عليه باعتباره حقيقة مطلقة وهو مضمر تتحكم فيه عناوين غير معلنة وتجاهد كثيرا لإخفائه، وهذا ما يجعلها حركة غامضة تتعدد تفسيرات فهمها وهذا جزء من لعبتها التي تدار من قبل منظومتها الغارقة في شعور متعالي يبدو لنفسه ذكيا وخطيرا وعبقريا .. الحركة الحوثية بكل منظوماتها وحلقات ارتباطتها وتفسيراتها المقدمة وطبيعة تركيبتها والمصالح التي تتحرك بها ومن خلالها وبالاختفاء ورائها لتحقيق مكاسب يجعلها فعلا لا يمكن التحكم بمآلاته ان لم يتم التعامل معها بالقسر والقهر الشرعي ولا يمكن عقلنتها وهذا يجعلها تكوين قهري لا يمكن ضبطه ويعمل حتى ضد نفسه!! مارثون المفاوضات يتم توظيفة لترمييم قوة الحوثي ونفخه ليستمر في تخليق المخاطر وهذا الامر يعاظم من مخاطرها على الامن القومي اليمني والعربي والاستمرار في هذا النهج يضعف بقية الاطراف وينهك من معها ومن ضدها في خياراتها المتهورة. والتساهل الذي يتعامل مع الحوثية كفتى مدلل يمتلك طاقة انفعالية مراهقة ومترسن بإدوات الانفجار سوف يدفع المقامرة الحوثية الى تفجير صاعق الفوضى والاستمرار في التحرك في الواقع للبحث عن فتن دائمة او الاستسلام لها لاشباع غرور ينمو يوميا ويثقل كاهل البلاد كلما قدمت لها التنازلات التي تنتج بيئة للصراع العنيف وما يزيد مخاطر الحوثية انها اصبح كمن يلقي الأوامر للداخل والخارج دون ان يكون لها اي رؤية واضحة فيما يخص المشاكل العويصة التي يعانيها اليمن وهي غير قادرة على حل وضعها المعقد الذي اصبح كارثة متحركة أين ما تجه.
تبدو كانفعال مقامر على الحرب باعتبارها وظيفة اعتادت عليها وتبحث عن نقائضها وأعدائها وان لم تجد فإنها تخلق الاعداء، وتستعدي من يهرب من مواجهة مقامر حساباته ان يواجه وليس مهتما بالنتائج فلديها طاقة قهريو عاجزة عن احترام حتى اعضائها ومؤيديها ومن يتحالف معها، وان لم تجد العدو فإنها تبذل قصارى جهدها لخلقه عبر الوهم، وكل من يناهض اطروحاتها عدو خائن فهي صورة الحق والشعب وهي المتحدث باسم الله والتجلى الابرز للإلوهية في الارض.
ما يعاظم من مخاطر الحوثية في ظل تبنيها للعنف الشامل والتعبئة الشعبوية وتخليق اجنحة معقدة لإدارة الحروب والفتن ان النظام السياسي مع بداية ٢٠١١م يواجه مأزق وجودي اكثر عمقا عما كان عليه الحال قبل ذلك. فهو لا يمتلك القوة الكافية لحماية نفسه، فالبناء الذي استند عليه عبر تجاربه المتلاحقة والوعي الذي حكم منظوماته في إدارة صراع المصالح وتحصيلها مازال يقوده الى حتفه، ويبدو لي أنه بحاجة في ظل هذا الوضع الذي فرضته الحوثية ان ينتقل جذريا الى وعي مغاير واستراتيجيات اكثر رهانا على المستقبل. الحوثية اليوم وتماديها الذي يستعبد الكل في مسارها الكارثي ليست الا التجلي الابرز لعجز النظام وهي اليوم ترى نفسها بديلا في واقع معقد في تركيبته وتكويناته ومشاكله، وترى ان الواقع بحاجة الى حلول تشبه صرختها وبندقيتها لمعالجة كافة المشاكل حتى حلولها الخلاصية التي تتحدث عنها ليست إلا عقائد ايدولوجية وبناءات تلفيقية مزورة لا تعبر عن طبيعتها لذا فإنها تلقائيا تضع الجميع في بؤرة قاتلة.
وهنا نشير انه لا يمكن لنظام في دوله عالمثالية طبقته السياسية مركبة من تحالفات عشوائيات متنازعة بلا قانون يحكمها ان تبني منظومة متقنة لشرعنت وجودها بقواعد خالقة لنظام قادر على العمل التلقائي بمجرد تشغيل آلياته!! لذا تتمكن الاصوليات الاسلاموية من فرض ارادتها ومن التحول الى اداة وظيفية لتعقيد الصراع ومراكمة احتقانته والسعي المقصود لتفجيره بالعنف والفوضى الشاملة وبمجرد ان تندفع الى الحرب تخلق نقائضها تلقائيا وكل من ليس معها ليس ضدها بل عدو يحتاج الى استأصال وبالذات اذا قاوم اندفاعاتها المتوحشة. الحركة الحوثية لن تكسب أن لم تتعقلن ولن تنتصر بل هي تصيغ هزيمتها إلا انها تقود الجميع الى خسائر متفاوتة ليخسر وقد يضيع وطن ويعذب شعب بنيران المقامرة التي تدفع الحوثية الجميع إليها ..
الملاحظ ان القوة الحالية للاطراف المراهنة على الدولة لا تبحث عن دولة جامعه بل عن هيمنة تقصي الآخرين وهذه القوى المشتتة والموزعة بين العشوائيات المتنازعة هي المحدد الجوهري لادارة النزاع والتي تديرها تناقضات ترى بعض اطرافها في دولة القانون نقلة مرعبة للمستقبل لذا تتوافق على صفقات وتسويات تعيد انتاج حالة الفوضى التي تتحكم فيها إرادة اللاعبين ومؤسسات موزعة بين مراكز قوى تبدو انها دولة وهي آلة لا يمكن ان تعمل إلا بتمكن المراكز من امتصاص قوتها في حسابات المصالح الانانية لنخبة متنوعة قوتها خارج الدولة هي القانون الفعلي الذي يسيطر على بنى هشة وظيفتها الفعلية مراكمة مصالح المراكز على حساب شعب يدير معاركهم دون ان يجد من يدافع عن مصالحه العامة. قد تكون الحوثية هي الدافع الاقوى اليوم للمراكز العشوائية والمتنازعة لبناء توافق يخرجها من معضلة الحوثية القاتلة للمستقبل في ظل غرورها المتهور ومفتاحا رئيسيا لاعادة صياغة رؤيتها لطبيعة المستقبل الحامي للجميع وبوابة لاجبار الجميع على تقديم التضحيات الكفيلة بحماية الدولة من الهشاشة وفوضى الإدارة. صحيح ان واقع اليمن فتح للحوثية بوابة كبيرة لتوظيف الواقع في ادارة معركة مازالت حتى اللحظة اهدافها غامضة إلا ان الحوثية بافعالها ومآلات صراعها يضع اليمن على فهوة بركان من فتن لن تهجع إلا بإعادة ضبطها في مسار السياسة ولو بالقهر والعقاب.
والملاحظ ان كثير من القوى الفاسدة تلعب في دائرة الحوثية لان النظام السياسي اليوم فقد قدرته على إدارة المحسوبيات من خلال شرعية تتركز بيدها خيوط اللعبة وهذا يفسر حالة الصراع التي لن تتوقف إلا باتخاذ قرارات حاسمة من قبل المراكز المسيطرة .. ويبدو لي ان من يعيد بناء الحوثية اليوم لم يصل الى قناعة فعلية بضرورة اعادة صياغة النظام السياسي من خلال تغيير جذري وانما تجميده والسعي للتحكم فيه وادخال اللاعبين الجدد كالحوثية بعد عقلانتها في لحظة عقد الصفقات ثم تركها كبؤرة فوضى لاستمرار الوضع وترسيخ بقائه والنتيجة استمرار التناقضات في بنيته في حالة من النزاع والبحث عن صاعق يفجرها لاحقا ليعيد انتاج نفسه من خلال قوة مسيطرة تنتجها غلبة لصالح طرف او تحالفات تبنيها ضرورات الواقع لتزداد المعضلة اليمنية تعقيدا ومفتوحة على خيارات الدمار.
الحوثية تدخل اليمن ان لم تقبل التنازلات المقدمة كهف مظلم بلا مخرج واي تنازلات مضافة فإن الدولة ستبدو كحانة ممتلئة بالفسق والفجور والفساد القاهر لأي تغيير وعلى الحوثية ان تدرك ان هذا كفيل بتفجر حرب لاعادة الاعتبار لقداستها مهما كانت التضحيات والخسائر.
من الراجح اليوم ان المخرج لن يكون إلا ببناء دولة بآليات تعيد توزيع الثروة والسلطة وهذا الامر انتجته وثيقة الحوار الوطني وتحتاج الى تعديلات لتتمكن من التموضع في الواقع. وليس امام الاطراف المختلفة الا الرضوخ للخيارات القاسية ولتدخلات الخارج الايجابية او الاستسلام لاغواء القوة التي هي اليوم اشد ما تكون لدى الحوثة وهذا السكرة المنتشية بالتمرد ليست إلا التجلي الابرز للاعاقات التي تخلقها اطراف لتفجير مسار التحول دون ان تدرك متغيرات الداخل والتحولات الاقليمية والداخلية وعجزها عن ضبط هذا الانفجار وقد تكون مآلاته اكثر خسارة من تقديم تنازلات اجبارية لصالح المصلحة العامة.
الحوثية طاقة عمياء بلا عقل تبدو كتمرد فوضوي منفلت تتعامل مع المفاوضات باعتباره طريقا لاطعام تمردها وتنمية انفعالات كتلها وخلق اوهام للعامة بقوتها .. يبدو لي ان المؤشرات تؤكد ان الحوثية تضع نفسه في فوهة مدفع قد يبدو انه لا يعمل إلا ان الحوثية تبعث فيه الحياة وستلتهمها نيرانه ايا كانت طبيعة المآلات .. الحوثية قوة معقدة بذرة فنائها فيها وهي منفعلة ممتلئة بالقهر والخوف وقد اختارت العنف وان لم ترجع نفسها فإنها ستكون المفتاح السحري لحلول كثيرة اين ما اتجهت التحولات وستكون الحوثية ضحية كربلائية لمعركة كبرى وستخسر مكاسبها وستجر الكثير معها الى محرقتها لكنها لن تنتصر!!
نجيب غلاب