قلة من ضحايا (الاغتصاب) استطعن كسر حاجز السكوت، وتجرأن على إبلاغ ما حل لهن من ألم وبلاء، وأخريات آثرن الصمت والبكاء وحدهن، والعيش في واقع يجترعون فيه آلام الليالي وأوجاع المستقبل.
**مأساة وأوجاع (فتاة المعلا)**
قصة الفتاة (إ.ف.م - 24 عاماً) التي عرفت قضيتها بفتاة المعلا، كانت إحدى ضحايا الاغتصاب، اختطفت وانتهك عرضها وصارت المأساة سلوتها الوحيدة.
تسرد الفتاة بمرارة حكايتها بكلمات متهدجة وحزينة: “تعودت الاستيقاظ باكراً للذهاب إلى مقر عملي، وفي ذات صباح مشؤوم خرجت من منزلي بمديرية المعلا، وأوقفت (باص أجرة) ويا ليتني لم أوقفه، كان الباص شبه ممتلئ بالركاب، ولحظات حتى خلا الباص من الركاب وبقي فيه 3 شبان، أقدم أحدهم الذي كان يقعد في المقعد بوضع منديل على وجهي بطريقة عنيفة كاتماً أنفاسي عن الصراخ، حتى فقدت الوعي، لقد كان المنديل يحوي على مادة مخدرة”.
وتواصل قصة مأساتها: “أفقت ووجدت نفسي فريسة في ساحل أبين بين 3 وحوش بشرية، جردوني من ملابس ومارسوا جريمتهم النكراء وأنا فاقدة للوعي، صرخت، حاولت مقاومتهم، لكنهم ضربوني بعنف وهددوني بالقتل إذا أخبرت أحداً، توسلت إليهم بأن يتركوني ويعيدوا إليَّ ملابسي، بعدها تركوني ولاذوا بالفرار، لقد كانوا ثلاثة، سلبوا مني شرفي وجعلوني وحدي أصارع الألم كل يوم، لم أتمكن من تحديد ملامح أولئك المجرمين على وجه الدقة، سوى شخص واحد الذي كان يقود الباص.
أخبرت عائلتي والذين أبلغوا بدورهم الجهات الأمنية، وتم القبض على من تعرفت عليه (سائق الباص)، وأحيلت قضيتي للمحكمة وتم عرضي على الطب الشرعي والذي أكد وقوع جريمة الاغتصاب، لكن قضيتي أخذت مسارا آخر حين بدأ التلاعب بها من قبل أعضاء الشرطة والبحث، وبعد بلاغ تقدمت به عائلتي لرئيس نيابة استئناف عدن، عمل على إحالة قضيتي إلى عضو آخر لتولي بقيتها”.
**الحكم ببراءة المتهم**
هذه القضية التي بدأت وقائعها في إبريل 2012م، والتي استدلت أجهزة الشرطة بتحرياتها في القبض على أحد المجرمين الثلاثة (سائق الباص) وإيداعه السجن، استمرت جلسات المحاكمة لمدة العامين، والمتهم يرفض الاعتراف بجريمته وكشف شركائه، على الرغم من توفر كل الدلائل والقرائن التي تثبت ضلوعه.
بيد أن الفاجعة القوية حدثت الخميس الماضي، والتي جعلت الفتاة (إ.ف.م) تصاب بنوبة إغماء نتيجة ما تلقته من صدمة عند سماعها قرار محكمة التواهي في جلستها الختامية، بتبرئة خاطفها ومغتصبها من التهم المنسوبة إليه، وبدد ثقة الفتاة بعدالة القضاء المحلي الذي انتصر لصالح مغتصبيها.
تقول الفتاة الضحية: “لقد أخذ رئيس المحكمة بكلام محامي المتهم لإصدار حكمه الجائر، ولم يستند إلى كل الدلائل الموجهة ضد المتهم من بينها تقرير (الطب الشرعي) وشهادة الشهود (المسجونين) الذين سمعوا إقرار المتهم بارتكابه الجريمة عندما حدثهم بها في السجن، بحجة أنهم مسجونون وأصحاب سوابق”.
وكانت “الأيام” حاضرة في هذه الجلسة، وعقب النطق بالحكم، توجهت الصحيفة لسؤال رئيس المحكمة عن الوقائع التي استند إليه في حكمه، وأجاب: “لقد اتخذ هذا الحكم ببراءة المتهم بناء على ما توفر للمحكمة من أدلة وبراهين، في حين لم تكن هناك أدلة كافية تدين المتهم”.
وأضاف: “أهالي المجني عليها يتهمون ثلاثة أشخاص باغتصاب ابنتهم، والنيابة لم تقدم سوى متهم واحد فقط”.
وكان القاضي أصدر حكمه في ظل غياب المتهم نظراً لتأخره ونزولاً عن رغبة وكيله القانوني، وبعد صدور الحكم تقدمت النيابة بالطعن وكذا محامي الفتاة.
**طفولة تُنْتَهك براءتها جهاراً**
براءة الطفولة هي الأخرى لم تسلم من جرائم الاختطاف والهتك من قبل الوحوش البشرية، فهناك قصة حدثت مطلع الشهر الجاري، للطفلة (م.ن.أ) ذات الــ9 أعوام، والتي كانت كغيرها من الأطفال تلعب في الشارع وتمرح مع أقرانها بإحساسها الطفولي البريء، فيما كان هناك في الطرف الآخر من الشارع من يتربص بها ويراقب تحركاتها، مستغلاً عودتها للمنزل وحاول استدراجها بخمسين ريالاً.
تفاصيل هذه الواقعة، بطلها وحش بشري في الـ48 من عمره، يدعى (و.أ.ح)، والذي حاول استدراج طفلة كانت تلعب برفقة طفلتين بنفس سنها، في منطقة “كريتر”، حاول خطفها بحيلة نكراء، قام بإرسال صديقاتها إلى (البقالة) مغرياً الطفلة بالذهاب معه إلى منزلهِ، ولم يفلح بذلك، فعمد بجرها إلى إحدى الأزقة النائية، وبدأ بتقبيلها وتحسس أجزاء جسدها، وعندما بدأت الطفلة بالصراخ سلمها (خمسين ريالاً) وأطلق سراحها.
عادت الطفلة مرعوبة إلى منزلها وأخبرت والديها بما حدث لها، اللذين سارعا إلى إبلاغ الشرطة بعد التعرف على (المتهم) الذي أقر سريعاً بفعلته، وأصبح بانتظار ما سوف تقرره العدالة بحقه.
**(شيماء) لا تزال شاهد إثبات!**
الطفلة شيماء
كثيرة هي جرائم الخطف والاغتصاب التي تعرضن لها فتيات وطفلات، لكن تظل قضية الطفلة (شيماء مهيوب الزبيري) التي تبلغ 8 أعوام، واحدة من الجرائم الأكثر فظاعة وبشاعة.
قضية (شيماء) التي مازالت بانتظار كلمة العدالة، حدثت تفاصيلها ليلة دخول شهر رمضان الماضي، بمنطقة “كريتر” في عـدن، عندما أقدم قاتلها البالغ من العمر 52 سنة، على خطفها من أمام منزلها، ثم شرع باغتصابها بوسائل منحطة تدينها كل الأديان السماوية.
لم يكتف المجرم (موسى عوض راشد) بممارسة سلوكه الوحشي مع الطفلة، بل استدعى صديقه المتهم الثاني (عبدالله عمر) لمشاركته جريمة الاغتصاب، وخشية من افتضاح أمرهما شرعا بقتل الطفلة ورميها في أحد المنازل الخالية بمنطقة (البوميس) بكريتر، ظناً منهما أنهما بهذه الجريمة سوف يواريا سوء فعلتهما، لكن مشيئة الله أبت إلا أن تتجلى جريمتهما، حيث مازالت القضية عالقة في دهاليز أجهزة القضاء التي لم تبدأ بعد بإجراءات محاكمة (المتهم الثاني) عقب وفاة (الفاعل الأساسي) في سجنه.
**ظاهرة (الاختطاف) جريمة خطيرة**
ما تطرقنا إليه من أحداث وقضايا لم يكن لمجرد الحصر وإنما للاستدلال فقط، وذلك ليقيننا بوجود قضايا وتفاصيل قد تكون أكثر إيلاماً وأشد فتكاً بسبب تستر الكثير من الأسر خوفاً من العار، أو خشية من أن تقيد قضيتها في مسمى (الفاعل المجهول).
وللتعرف على رأي المختصين وأجهزة القانون والقضاء حيال أسباب شيوع أحداث (الاختطاف والاغتصاب) في مجتمعنا، والعقوبات والإجراءات القانونية الرادعة التي ينبغي أن تطبق بحق تلك الشرذمة التي تخلت عن كل القيم الإنسانية.
التقينا بعدد من المعنيين بشؤون المجتمع والقضاء، فكان بداية لقائنا بأستاذ “علم الاجتماع” بجامعة عـدن، الدكتور فضل الربيعي، ليطلعنا عن أسباب تفشي هذا النوع من الجرائم.
يقول الدكتور الربيعي: “جريمة (الاختطاف والاغتصاب) من الجرائم المنتشرة في الكثير من المجتمعات النامية، وتزايدت في وقتنا الراهن بشكل لافت بعد أن توفرت فيها عوامل انتشارها كانتشار المخدرات والانفلات والتجرد من الدين والأخلاق”.
ويضيف: “هذه الجرائم لا شك أصبحت تشكل مصدر خوف وقلق للسكينة العامة، وللأسر القاطنة في المدن الرئيسية التي تكثر فيها جرائم الاختطاف للأطفال والفتيات، ولأغراض دنيئة متعددة، إما لغرض المتاجرة بأعضائهم، أو لمجرد استغلالهم جنسياً، أو للحصول على فدية، أو بدافع انتقام شخصي”.
الذكتور الربيعي
ويلخص الربيعي بعض الحلول التوعوية للمجتمع حتى يتمكن من مواجهة شرور هذه الجرائم البشعة، قائلا: “لا بد من دراسة وتشخيص أبعاد هذه الجرائم وتقييمها من قبل مختصين، وتحديد الجهات التي تقع عليها مسؤولية القبض على مرتكبيها ومحاكمتهم، وتفعيل دور المؤسسات الدينية والتربوية ووسائل الإعلام في رفع مستوى درجة الوعي العام لمحاربة هذه الظاهرة، وحث العائلات على القيام بدورها في الرعاية والمتابعة والإشراف على أبنائها”.
**جديدة على (المحافظات الجنوبية)**
محمد نعمان
وفي منظور رأي آخر يعتبر رئيس مركز اليمن للدراسات محمد قاسم نعمان أن قضايا الاختطاف والاغتصاب تندرج في أدبيات (المصطلح الدولي) من قضايا (الاتجار بالبشر).
ويشير قاسم إلى أن هذه الجرائم بدأت بالظهور في المنطقة العربية منذ مطلع العقدين الماضيين، وهي حديثة في اليمن لاسيما في المحافظات الجنوبية التي لم تكن تعرف مثل هذا النوع من الجريمة التي جاءت كنتاج للانفلات الأمني والوضع السياسي المتأزم، وأعطت فرصة بظهور أفراد وعصابات تمارس جرائم “الاتجار بالبشر” وتهريب الأطفال والاختطاف والاغتصاب، خصوصاً في المناطق التي تغيب عنها سيطرة الدولة كمنطقة (البساتين) بالشيخ عثمان، حيث تعيش بعض العصابات وتنتشر فيها المخدرات نتيجة غياب الأمن”.
ويضيف: “نحنُ في مركز اليمن نتابع باستمرار قضايا الاختطاف، والكثير من هذه القضايا لا يتم الإعلان عنها من قبل ذوي الضحايا نظراً لحساسيتها، كما أن الوضع في مدينة عـدن أصبح حالياً صعبا جداً بعد أن تحولت عملية الاختطاف إلى ظاهرة، الأمر الذي يستدعي دق ناقوس الخطر، ومطالبة السلطة المحلية بتحمل مسؤوليتها الاجتماعية والأمنية”.
**حسم القضاء مرتبط بالأدلة**
القاضي فهيم
وفيما يتعلق بمسار القانون في التعامل مع مثل هذه القضايا، يوضح القاضي فهيم الحضرمي، رئيس محكمة استئناف عـدن، بأن هناك عقوبات متعددة تنفذ بحق مرتكبي الجرائم.
وقال: “في حال اجتمعت ثلاثة عناصر إدانة في قضية واحدة مثل جرائم (التقطع والاختطاف) التي تمس بأمن الدولة وترهق المجتمع وتدهوره، فإنه وبموجب (قانون جرائم التقطع والاختطاف) الذي صدر عام 2001م، ووضح فيه نظم جريمة الاختطاف وأركانها فإن العقوبة فيها تبلغ حد (الإعدام)”.
وحول طبيعة الجرائم التي تستوفي فيها شروط حكم الإعدام، وأسباب تباطؤ القضاء في الفصل فيها، يقول فهيم: “هناك محكمتان جزائيتان متخصصتان لهذه الجرائم، المحكمة الجزائية في صنعاء والمحكمة الجزائية في عـدن، ولهما شعبتان استئنافيتان، هما من تحدد الأحكام المقررة بحق المدانين”، نافياً وجود تباطؤ قضائي في التعامل مع مثل هذه الجرائم بالقول: “لا يوجد تباطؤ في الفصل في هذه القضايا، لكن هناك صعوبات ترافق أحياناً إجراءات التقاضي، والقضاء ملزم بأن لا يدين إلا بأدلة قاطعة، والأدلة تحتاج إلى بحث وتقصي، فضلاً عن الاختلالات التي تحدث أثناء التحقيقات الأولية وتحقيقات النيابة، والقضاء الجزائي المتخصص ليس كما يصفه البعض بالمتباطئ، فقد استطاع خلال الآونة الأخيرة من حسم قضايا كثيرة من تلك الجرائم”.
ويختتم فهيم توضيحه قائلاً: “لقد تم حالياً في عـدن تشكيل (شعبة جزائية) برئاسة القاضي محسن علوان والقاضي توفيق الوصابي، وهما من القضاة المشهود لهما بالنزاهة والأمانة وسيعملون على حسم مثل هذه القضايا خلال مدة وجيزة”، لافتاً إلى أن قضية الطفلة “شيماء” لا تزال حالياً تخضع للتحقيقات أمام النيابة الجزائية، ولم تصل إلى المحكمة بعد.
وفي سياق محاولة معرفة «الأيام» الأسباب التي مازالت تعرقل وظيفة القضاة في حسم القضايا ذات الطابع الجنائي، يوضح القاضي محمد سعيد السناني، وهو قاض جنائي، أن أسباب التأخر بالبت تخرج عن إرادة السلطة القضائية، لأنها تتعلق بإجراءات الأجهزة الأمنية بتحضير الأدلة”.
وعن نوع العقوبة التي يفترض تطبيقها على مرتكبي هذه الجرائم، يوضح السناني قائلاً: “العقوبة تختلف باختلاف نوع الجريمة الموضحة بــ(قانون جرائم الاختطاف والتقطع) والتي قد تكون لها أبعاد أخلاقية أو بغرض السرقة، وكل الجرائم يتم التعامل معها في حال توافرت فيها عناصر الحد الشرعي، وللقانون تفصيل يطبق بحسب حجم ونوع الجريمة المرتكبة”.
**غياب الرقابة سبب انتشار الجريمة**
المحامية عفراء
بدورها عزت المحامية عفراء الحريري الأسباب التي تقف وراء اتساع جرائم الاختطاف والاغتصاب في مجتمعنا، إلى غياب دور الأجهزة الأمنية، وضعف الجهات المختصة في مواجهة هذه القضايا الخطيرة.
وقالت عفراء: “غياب الرقابة الأمنية ساعد على زيادة نشاط عصابات (الاتجار بالبشر) لاسيما في مناطق معينة كمنطقة (البساتين) بسبب ضعف الأمن من القيام بمسؤولياته”.
وتضيف: “مشكلة القضاء لدينا أنه يتعامل مع هذا النوع من القضايا كغيرها من القضايا البسيطة دون إعطائها أولويات وهذه مشكلة بذاتها، فهناك قضايا لا ينبغي المماطلة فيها لأن ذلك يساعد على اختفاء الأدلة ونسيان الشهود لتفاصيلها”.
وعن أسباب التأخر في الفصل لمثل هذه القضايا، تشير عفراء إلى أسباب عدة منها: الإجازات القضائية وشحة الإمكانيات، والقصور في مسألة التنسيق والتواصل بين أجهزة الأمن والتحقيق، بالإضافة إلى الوضع السيئ الذي تعيشه البلد حالياً”.
المحامية أقدار
من جانبها طالبت المحامية أقدار مختار بضرورة تشديد العقوبة لمثل هذه الجرائم، حيث قالت: “نحن الآن بصدد إعداد دستور جديد وقوانين جديدة، ينبغي فيها تشديد العقوبة المتعلقة بجرائم الاغتصاب، بدلاً من القانون الحالي الذي يحدد نسبة العقوبة بالسجن ما بين 3 إلى 7 سنوات كأقصى عقوبة، وهذا يعد بنظرنا مهزلة واستهانة بأوضاع قضية الاغتصاب، ويساعد على انتشارها، ولن يحدها رادع إلا إذا وصلت أقسى عقوبتها (الإعدام) وتنفيذ القصاص الشرعي بحق الفاعل المدان”.