(كتب/ وائل القباطي وعبدالسلام الجلال)
لا شك أن إيمانهم بعدالة قضيتهم هو ما دفعهم إلى المرابطة في ساحة الاعتصام لأسبوعين كاملين.
وجوه صادفناها في ساحة العروض بمديرية خور مكسر بعدن، لمسنين رجالا ونساءَ، طلاب وأطفال، معاقين وجرحى أيضا، حيث التقى العمال والكادحون بالمثقفين، والمسرحون القسريون بموظفي المرافق والمؤسسات العامة، لهجات متعددة ووجوه شاحبه ترسم تضاريس مختلف محافظات ومناطق الجنوب.
يَجْمع المعتصمون المرابطون في العروض حلم واحد هو: استعادة دولتهم المنشودة، وأملا عريضا يتشاركوه يتمثل في تعزيز وحدة الصف، والتقاء قلوب قيادتهم عند ذات الهدف والعمل كفريق واحد كي يحظو بثقة المجتمع الدولي ويقودوا الجنوب إلى بر الخلاص.
صامدون حتى النصر.. قالتها لنا الخمسينية المسرحة قسرا نهلة طرموم وجميع من صادفناهم ولسان حالهم يقول: جنوبيون يا صنعاء.
طرموم: استعادة دولتنا أو الموت
يوميا تقْدم نهلة طرموم 50 عاما، من مديريه المنصورة إلى ساحة الاعتصام في ساحة العروض بخور مكسر، متوشحه عدة أعلام لدولة الجنوب سابقا.
بالنسبة للخمسينية المسرحة قسرا منذ أعقاب حرب 94، والتي كانت سباقة للخروج في فعاليات الحراك الجنوبي طوال السنوات الماضية، وتعرضت لأكثر من اعتداء فقد اتخذت قرارها المصيري: استعادة دولتنا أو الموت، حد قولها.
تعيش طرموم التي كانت إحدى أفراد مصنع الثورة المخصص براتب تقاعدي 34 الف ريال فقط، تعول منه ابنها وابنتها، وتتقاسم مسكن مع خالتها المقعدة بعد انفصالها عن زوجها، تقول بمرارة ووجع باديين: تم خصخصة مصنعنا وبيعه، كما صرفت لنا نحن عمال المصنع قبل الوحدة قطعة أرض مقابلة للمصنع في كورنيش ساحل أبين لكن استولى عليها أحد القادة العسكريين.
كانت طرموم أول من شارك في فعاليات الحراك الجنوبي، تتذكر: أني أول من رفع العلم الجنوبي في ساحه المنصورة عام 2011م يومها كان الشعار المرفوع هو: اسقاط النظام، لكنني قلت: تحرير الجنوب، ومن يومها لم أتغيب عن أي فعالية.
تسرد طرموم كامرأة حديدية المظالم التي تعرضت لها بدءاً بتسريحها ونهب أرضيتها ووصولا إلى مصادرة منحة جامعية مستحقة لابنتها المتفوقة ووصولا إلى الاعتداء على ابنها بالضرب من قبل الأمن القومي دون محاسبة المتسببين، وختاما تعرضها لمضايقات في منطقتها السكنية وصلت إلى سد غرفة تفتيش مجاري منزلها.
تؤكد طرموم أن حضور ومشاركة المرأة فاعلين في ساحة الاعتصام، سواء في اللجان الأمنية النسائية التي تم تشكيلها أو تحضير الطعام وتقاسم بقية المهام.
ودعت طرموم المرأة الجنوبية إلى كسر حاجز الخوف والمشاركة في الاعتصام، لتتويج نضالاتها كونها قدمت شهداء وجرحى وتعرضت لاعتداءات وحشية، مؤكدة أنه لا خوف اليوم فالمنظمات الدولية موجودة في الساحة وترصد كل شيء.
تموز.. معدم فضّل الاعتصام من أجل الخلاص
ربما لم يدُر بخلد علي أحمد تموز الذي قدم من محافظة لحج، أن الظروف المعيشية التي يعيشها والتي حفزته على القدوم إلى ساحة الاعتصام, ستزداد تأزما يوما بعد يوم، لكنه مع ذلك يفضل البقاء في الساحة مهما كانت الظروف.
بالنسبة لرجل معدم متزوج ولدية 5 أولاد مثل تموز فإن أولوية ظروفه المعيشة صعبة هي الملحة قبل كل شيء، خصوصا كونه فلاح يعتمد على الزراعة وليس لديه دخل أخر، لكنه انقاد خلف حلم استعادة الدولة والخلاص الجماعي للشعب الجنوبي، مفضلا ذلك على تحسين وضعه المادي.
يقول تموز: أنا سوف استمر في هذه الساحة حتي نيل الاستقلال, ولن أعود إلى أسرتي واولادي حتى يتحقق ذلك وهو مطلب كافة شعب الجنوب, وأضاف" الظلم والقهر والحرمان هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة، بسبب السياسات التي استخدمها نظام صنعاء منذ حرب 94 على إخوانه الذين قدموا له الوحدة سلمية في 22مايو 90م.
ضابط دفاع جوي فخور لاعتصامه في عدن
لا يبدو أن الملل واليأس قد تسرب إلى الرائد/ علي عبد الله سعيد أحد أبناء منطقة كرش بمحافظة لحج, والذي عمل الضابط في فوج قوات الصواريخ في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ويشعر بفخر لوجوده في ساحة المدينة التي كان من أوائل المدافعين عنها عندما كانت عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية سابقا، لكنه حتى اللحظة لا يملك سكن فيها.
يؤكد " علي" خلال حديثه معنا أنه من أول يوم خرج إلى ساحة الاعتصام، يقول الضابط الذي عين عقب دراسته في الاتحاد السوفيتي قائد كتيبة في مجمع الصواريخ: خرجت نتيجة المعاملات العنصرية التي تعامل بها نظام 7/7 وهو تاريخ تدشين الوحدة بالقوة, بعد أن ذبحوا الوحدة السلمية بالوريد.
يقول علي: أنا متزوج ولدي 16من الأبناء وافتقر إلى مسكن أعيش فيه أنا وأولادي بأمان, حيث وقد تم صرف الأراضي لمن أتوا من الشمال وأنا كنت من المدافعين عن سماء عدن, تعبت من أجل تربية أولادي وتعليمهم في كلية الطب والعلوم الادارية وفي مختلف الكليات, واليوم تخرجوا ولكن دون وظائف, نحن حرمنا من كافة الحقوق والمميزات التي كنا نحضا بها في الجنوب قبل الوحدة, التعليم المجاني في جميع المراحل وكذا التأهيل الخارجي, كما حرمنا من الصحة والسكن وكافة الحقوق المشروعة, بعد الملبس والغذاء يأتي السكن وهو ثالث الضروريات الحياة, وكل هذا بسبب العنصريات الهمجية التي مورست ضد هذا الشعب, وأنا واحد من هذا الشعب الذي حرم من كل هذه الحقوق, وأنا صامد في هذه الساحة حتى نيل واستعادة دولتنا.
حرمت من جميع الترقيات والعلاوات التي يتمتع بها ضابط الجيش منذ 94" يواصل سرد معاناته: أُحلت إلى التقاعد في 2001 برتبة عقيد, والقرارات التي صدرت في 2007/ لم تنفذ فاستمريت بنفس الراتب وفي نفس الحرمان السابق, فالقرارات كانت من البريد إلى البريد فقط.