br />
تزداد هوّة التنافر وفقدان الثقة بين جنوبيي اليمن وجماعة أنصار الله الحوثيين يوماً عن آخر، بسبب ما يراه البعض "تناقضاً في مواقف الحوثيين من القضية الجنوبية"، بعد سلسلة مغازلات كانت تتضمنها مواقف الجماعة ويستعرضها قادتها على القنوات التلفزيونية بأحقية الجنوبيين في تقرير مصيرهم.
وتضمنت رؤية جماعة أنصار الله، المطروحة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي اختتم في أواخر يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، حول المعالجات والضمانات للقضية الجنوبية، إقامة نظام فيدرالي لليمن "من إقليمين كحل على أساس فترة انتقالية لمدة لا تتجاوز أربع سنوات يتم بعدها منح الجنوبيين حق تقرير مصيرهم". كما جاء في الضمانات التي تقدموا بها أن "أي حلّ يجب أن يكون موضع رضى وقبول لدى أبناء الجنوب".
وأعلن الحوثيون عن تشكيل "لجنة شمالية جنوبية لبحث الحلول الممكنة لقضية الجنوب" خلال مؤتمر سُمّي بـ"اللقاء التشاوري الموسع الأول لوجهاء وحكماء اليمن" الجمعة، في حين أكدت معظم الكلمات الملقاة في المؤتمر على ضرورة استمرار الوحدة اليمنية، وعدم منح أحقية أي طرف على آخر بقرار الانفصال.
ويرى البعض أن تراجع المواقف الحوثية تجاه الجنوب يأتي بعد توسع الجماعة وسيطرتها على أجزاء كبيرة من شمال اليمن، في حين يعيش الجنوب حراكاً سياسياً متصاعداً، وتشهد مدنه اعتصاماً مفتوحاً للمطالبة بفك الارتباط بين الجنوب والشمال بعد وحدة اندماجية وقّعت في العام 1990.
يقول الكاتب والمحلل السياسي منصور صالح في حديث خاص لشبكة إرم الاخبارية، إن الحوثيين لم يتراجعوا عن موقفهم، فلم يسبق أن صدر عنهم أي موقف علني يؤيد مطلب فك الارتباط الذي يرفعه الجنوبيون، و"يبدو أن موقفهم هو ذات الموقف الذي أيدوا فيه خيار الدولة الاتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي".
لكنه يعتقد إن سبب تزايد توسّع هوّة عدم الثقة بين الشارع الجنوبي وجماعة الحوثي هو "استخدام الجماعة لوسائل وأدوات قديمة في التعاطي مع القضية من قبيل استنساخ أشخاص من الجنوب للتعبير عن مطالب أبناء الجنوب بما يرضي هذه الجماعة كما حدث في مؤتمرها الذي عقدته الجمعة، وهو المؤتمر الذي خرج بتكييف غير مقبول لدى الجنوبيين عندما اعتبر قضيتهم قضية وطنية وليست سياسية كما يطالبون".
وأضاف صالح :"ربما تكمن المشكلة في كون بعض الجنوبيين رفعوا سقف آمالهم في جماعة الحوثي باعتبارها ستحترم حقهم في تقرير مصيرهم واستعادة دولتهم، وهذا ما استغله الحوثيون مؤقتاً في تحسين صورتهم من خلال مغازلة الجنوبيين بكلمات ناعمة كاحترام إرادة الجنوبيين أو حل القضية الجنوبية حلال عادلا وبما يرتضيه الجنوبيين، لكنهم الآن باتوا أمام مرحلة تتطلب عبارات أكثر وضوحاً بشأن الحلول التي هم على استعداد لتقديمها للقضية الجنوبية خاصة بعد أن بدأ الحوثيون يشعرون بأنهم شارفوا على بسط سيطرتهم على الأوضاع في الشمال".
من جانبه، يرى القيادي بالمجلس الأعلى للحراك الثوري في الجنوب، فؤاد راشد، أن الحوثيين قدموا أنفسهم في اللقاء الأخير على حقيقتهم التي حاولوا أن يخفوها طوال الفترة الماضية، وذلك من خلال تقديم شخص لا يمثل الحراك الجنوبي ليقلي كلمة نيابة عن الجنوبيين للتعبير فيها عن مطالبهم بما يرضي الجماعة، ويعتبره تصرفاً "أسقط ورقة التوت عن الحوثيين".
وتساءل راشد في حديثه لـ"إرم" عن أسباب تغيّر مواقف الحوثيين وتناقضها مع المواقف السابقة المدّعية مساندتها لشعب الجنوب في تقرير مصيره والتي لم يمض عليها سوى ثلاثة أشهر، أي قبل سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء. حد وصفه.
كما أشار إلى أن "الحوثيين لا يفقهون أن ما يجري في الجنوب هي ثورة شعبية عارمة، وأن الجنوبيين لديهم قضية سيادية، وأن الاحتلال اليمني قد دمر مقومات الدولة المدنية والبنى التحتية في الجنوب بعد اجتياحه العسكري في صيف 1994م، ومنذ ذلك الحين وشعب الجنوب يقاوم سلمياً".
وقال أسامة الشرمي، نائب رئيس مجلس شباب الثورة السلمية التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، "لا يستطيع أي طرف شمالي تقديم حلول عادلة للجنوب وقضيته ما لم يعترف ويدعم الجنوبيين في تقرير مصيرهم".
موضحاً في حديثه لـ"إرم" أن الحوثيين يكررون مسلسل الغطرسة الشمالية تجاه الجنوب، فقد كانوا من أكثر من المؤيدين لخيار أبناء الجنوب في الانفصال، لكن تأييدهم لم يكن سوى ورقة للمزايدة على الأطراف التي كان يتصارع معها، لكن ما إن وصل للسيطرة على البلد حتى أدار ظهره للجنوبيين معلنا شعار السلطات المتعاقبة للشمال: الوحدة أو الموت.