صنعاء – «القدس العربي» ذكرت العديد من المصادر الحقوقية أن الحريات الإعلامية في اليمن شهدت تراجعا كبيرا خلال الشهرين الماضيين، منذ بدء دخول المسلحين الحوثيين الى العاصمة صنعاء والسيطرة عليها في 21 أيلول/سبتمبر الماضي، والزحف نحو بقية المدن الرئيسية الأخرى.
وذكرت المصادر لـ «القدس العربي» « ان اليمن لم يشهد انتهاكا للحريات الإعلامية والصحافية مثلما شهده فترة الأسابيع القليلة الماضية منذ دخول الحوثيين العاصمة صنعاء من حيث العدد والنوع لهذه الانتهاكات».
وأوضحت أن الحريات الإعلامية كانت الضحية الأبرز بعد سقوط العاصمة في أيدي المسلحين الحوثيين، إذ سقطت معها كل مقومات العمل الإعلامي من حرية وأمان واستقرار وممارسة المهنة الصحافية بدون مضايقات وملاحقات.
ورصدت مؤسسة «حرية» للحقوق والحريات الإعلامية أكثر من 60 حالة انتهاك ضد الإعلام المحلي والدولي في اليمن، خلال الشهرين الماضيين، شملت اقتحام مؤسسات إعلامية خاصة وحكومية والاعتداء أو التحريض على صحافيين من الجنسين.
وقال مسؤول وحدة الرصد في مؤسسة حرية عبدالله العيسائي لـ«القدس العربي» ان «المؤسسة تلقت بلاغات خلال الشهرين الماضيين عن وقوع العشرات من حالات الانتهاكات ضد الإعلام والصحافة، تفاوتت بين الخطيرة والمتوسطة والبسيطة، تعرض لها نحو 41 صحافيا و19 مؤسسة إعلامية، 58 حالة منها في العاصمة صنعاء لوحدها».
وأوضح أنه وفقا للبلاغات التي تلقتها المؤسسة أو رصدت حالاتها من خلال وسائل الإعلام ارتكبت أغلب هذه الانتهاكات ضد المؤسسات الإعلامية وضد الصحافيين من قبل المسلحين الحوثيين، ما عدا حالات محدودة جدا ارتكبت من قبل أطراف أخرى، باسم الحوثيين أو مستغلة الفلتان الأمني الذي خلفته السيطرة الحوثية على صنعاء والعديد من المناطق الأخرى.
وذكرت المؤسىسة ان هذه الانتهاكات شملت قيام المسلحين الحوثيين بالقصف المدفعي الشديد لمجمع القنوات الحكومية الفضائية وهي قناة «اليمن» الفضائية وقناة «سبأ» وقناة «الايمان» وتدمير بعض منشآتها وأدواتها وحصار طاقم العمل فيها لمدة ثلاثة أيام متواصلة واقتحامها بعد ذلك والسيطرة عليها بالكامل.
كما سيطر المسلحون الحوثيون على جميع المؤسسات الإعلامية الحكومية وفي مقدمتها «إذاعة صنعاء» ووكالة «سبأ» للأنباء وصحيفة «الثورة» وصحيفة «26 سبتمبر» التابعة لوزارة الدفاع وموقعها الاخباري، وكلّفت مشرفين حوثيين لمراقبة سياستها التحريرية والسماح بنشر وبث ما لا يتعارض مع التوجه الحوثي وحظر كل ما يتعارض مع ذلك.
وذكر مدير قناة «سهيل» الفضائية الخاصة محمد قيزان لـ»القدس العربي» أن المسلحين الحوثيين اقتحموا مقر قناة «سهيل» الفضائية ونهبوا أغلب محتوياتها وأدواتها ومعداتها وحاصروا العاملين فيها ليوم كامل داخل المقر عند عملية الاقتحام، ثم القيام بالسيطرة على مقرها لمدة 43 يوما فتوقف بثها منذ دخول الحوثيين العاصمة وحتى اليوم.
الى ذلك تعرضت إذاعة «إب» الحكومية للقصف المدفعي وتعرضت مكاتبها للدمار الجزئي، وتوقف بثها عند دخول المسلحين الحوثيين الى مدينة إب، منتصف الشهر تشرين أول/أكتوبر الماضي، كما تعرض مقر إذاعة «حياة إف إم» الخاصة في صنعاء الى الاقتحام وتوقف بثها جراء ذلك، في حين توقفت اذاعة «ناس إف إم» لعدة أيام عقب دخول المسلحين الحوثيين صنعاء ـ بالإضافة الى اقتحام مقر المكتب الإعلامي للحزب الاشتراكي اليمني في صنعاء الذي يدير موقع «الاشتراكي نت» الاخباري وصحيفة «الثوري» لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني.
في غضون ذلك تعرضت العديد من الوسائل الإعلامية الدولية وطواقمها العاملة في اليمن الى التحريض والتشهير والاعتداء على صحافييها ومصوريها وفي مقدمتها قنوات «الجزيرة» و«العربية» و« بي بي سي عربي» و»سكاي نيوز عربية» وموقع «سي إن إن بالعربية» وصحيفة «القدس العربي» اللندنية.
وتعرض خلال الفترة الماضية من السيطرة الحوثية نحو 41 صحافيا في صنعاء وخارجها للاعتداء الجسدي والاختطاف والتحريض ضدهم والقصف والاقتحام لمنازلهم والعبث بها ونهب بعض محتوياتها، وفي مقدمة هؤلاء الإعلاميين المدير السابق للفضائية اليمنية الدكتور عبدالغني الشميري الذي تعرض بيته للاقتحام والسيطرة لعدة أيام وكذا الكاتبة الصحافية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «الشموع» الصحافية سيف الحاضري، ووزير الإعلام السابق البرلماني علي العمراني والمنتج في مكتب قناة «الجزيرة» يوسف قاضي، ومراسل موقع «الجزيرة نت» عبده يحيى عايش، ونائب رئيس الدائرة الإعلامية في حزب الاصلاح عدنان العديني.
كما تعرضت مراسلة قناة «بي بي سي» العربية صفاء الأحمد والطاقم المرافق لها للتوقيف ومصادرة المواد الفيلمية التي قاموا بتصويرها في صنعاء، كما تعرض مراسل قناة «الجزيرة الانكليزية» محمد فال الى توقيف وتحقيق أمني في مطار صنعاء الدولي لنحو ساعة عند مغادرته صنعاء، كما تعرضت مراسلة موقع «سي إن إن» بالعربية نبيهة الحيدري الى حملة تحريض وتشهير من قبل مجهولين في مواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي.
وعلمت «القدس العربي» من مصادر صحافية أن العديد من الصحافيين اضطروا الى مغادرة صنعاء الى محافظات أخرى، بحثا عن الأمان وهروبا من الاعتداءات المحتملة عليهم من قبل المسلحين الحوثيين، كما أن العديد من الصحف والصحافيين والكتاب اضطروا الى تغيير سياستهم التحريرية في الكتابة والابتعاد عن المواضيع التي تزعج الحوثيين وتفادي المواجهة معهم حتى لا يتعرضوا لأي خطر من قبل مسلحيهم الذين أصبحوا المسيطرين الفعليين على كل شيء في العاصمة والعديد من المدن الرئيسية في البلاد في ظل الغياب شبه الكامل لمؤسسات الدولة ولسلطتها على أرض الواقع وبالذات في الجانب الأمني.
وتجاوزت الانتهاكات ضد الصحافيين ووسائل الإعلام في اليمن خلال الشهرين الماضيين من فترة سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة كل المعايير الحقوقية لحرية الصحافة وارتفعت مستوى خطورتها لأعلى درجة منذ العام 2011 الذي كان الأسوأ على الصحافيين في تاريخ الصحافة اليمنية.
وكشف العديد من المصورين التلفزيونيين أن شوارع العاصمة صنعاء أصبحت مغلقة أمام التصوير الإعلامي المناهض للحوثيين، وأضحى حكرا على القنوات التابعة للحوثيين أو المتوافقة مع خطهم السياسي والفكري.
وأعرب العديد من الصحافيين والحقوقيين عن قلقهم الشديد جراء تصاعد انتهاكات الحوثيين ضد الصحافيين والكتاب والإعلاميين وتضييق الخناق على الحريات الإعلامية بشكل خاص والحقوق العامة بشكل عام، وعدم توفيرهم ضمانات عملية لسلامة الصحافيين حتى يمارسوا مهنة الصحافة في أجواء آمنة وسليمة، بعيدا عن الضغوط والتهديدات التي تطالهم كل يوم في كل مكان يمارسون العمل الإعلامي فيه.