لم يعد تعاطي القات في اليمن مقتصرا على الرجال، حيث اتسعت في السنوات الأخيرة ظاهرة تعاطيه من النساء وشملت مختلف الشرائح الاجتماعية. وفيما تتعدد مبررات ودوافع إقبال النساء على مضغ القات تتباين مواقف الرجال من تعاطي قريباتهم.
تنتشر ظاهرة تعاطي القات في اليمن بشكل كبير، وفيما كانت في الماضي حكرا على الرجال إلى حد كبير، بدأت في السنوات الأخيرة تتسلل إلى مجالس النساء إلى الحد الذي يمكن الحديث معه عن ظاهرة تعاطي النساء للقات (يُطلق على طريقة مضغ عشب القات والاحتفاظ به في الفم لساعات).
فقد أشارت بيانات دراسة ميدانية أكاديمية إلى أن نسبة النساء اللاتي يتناولن القات بصورة يومية بلغت 84.45 % من العينة المبحوثة، فيما تتناوله نسبة 59.15 % مرة واحدة في الأسبوع، و47.14 % مرتين و61.10 % ثلاث مرات و5.47 % أربع مرات و18.4 % يتناولنه خمس مرات أسبوعياً.
**الشعور بالوحدة**
أما عن الدوافع وراء تناول النساء للقات فتقول (جميلة.ن) إن السبب في تعاطي القات هو ابتعاد صديقاتها عنها “قاومت لسنوات عديدة حضور جلسات القات وتناوله مع صديقاتي لأني لا استسيغ مذاقه، وكذا تزعجني رائحة دخان الشيشة المصاحبة دوما لجلسات القات، ولكن كانت النتيجة أني أصبحت معزولة عن صديقاتي وأقضي معظم الأوقات وحيدة”. وتشعر جميلة الآن بالسعادة لأن لقاءاتها بصديقاتها أصبحت مرة أو مرتين على الأقل في الشهر.
أما (أ.ع) فتقول إنها بدأت بتناول القات بعد الزواج، حيث كان زوجها دائم الخروج مع أصدقائه لتناول القات بحجة أنها لا ترغب في تناوله وكانت تظل وحيدة في المنزل، لذلك “قررت البدء بتناول القات حتى يظل زوجي معي في المنزل، في البدء لم أستسغ طعمه ولكني بدأت بالتعود عليه”.
**اتساع حجم الظاهرة بين النساء**
ترى الأستاذ المساعد في علم الاجتماع بجامعة صنعاء والباحثة في ظاهرة انتشار القات باليمن الدكتورة نجاة صائم خليل أن وقت الفراغ ليس هو ما يدفع النساء لتناول القات “الأصل أن الظاهرة في المجتمع اليمني هي ظاهرة اجتماعية في أساسها، وارتبطت أساسا بحياة المواطن اليمني”، حيث أظهرت معظم الدراسات أن تناول المرأة للقات يتم عند حضورها مناسبة اجتماعية، أو لقضاء وقت ممتع مع الأسرة أو مع الصديقات أو قد يكون تقليدا لهن.
وتضيف الدكتورة صائم خليل “في السابق خلال فترة الستينات إلى السبعينات وحتى منتصف التسعينات من القرن الماضي كان يقتصر تناول القات على كبار السن من النساء تحديدا، أما في الوقت الحاضر ومع الأسف الشديد اكتسحت ظاهرة تناول القات معظم الشرائح الاجتماعية وتحديدا الشابات وخريجات الجامعة وطالبات الثانوية”.
**تسلية وحمية**
وترى سلمى أن حضور جلسات القات يكاد يكون المتنفس الوحيد لها للتسلية والترفيه، لأن أماكن التنزه والرياضة والتسلية قليلة، ناهيك عن أن المرأة اليمنية تجد صعوبة في ارتياد هذه الأماكن لأسباب اجتماعية، لذا تفضل الاجتماع مع صديقاتها وتأخذ راحتها في الملبس والمجلس والغناء والرقص.
أما أميرة فلديها مبررات أخرى لتناول القات، فهي تعاني من السمنة، وتؤكد أنها منذ أن بدأت في تناول القات أخذ وزنها يتراجع وهي سعيدة جدا بذلك.. لكن الدكتورة نجاة صائم تجد أن هذه ليست أكثر من “تبريرات” تُطرح من قبل كثير من النساء بأن القات يساعد على تخسيس الوزن من حيث كونه يقلل من الشهية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الكثير من الدراسات قد حذرت من الأضرار الصحية للقات ولاسيما على صحة الأم والطفل.
**جلسات مُكلِفة ماديا**
تعتبر جلسات القات النسائية مكلفة جدا مقارنة بجلسات القات الخاصة بالرجال، فكل ما يحتاجه الرجل هو حزمة القات وقنينة ماء، أما جلسات النساء فتتطلب في البداية تناول بعض المأكولات الخفيفة والمشروبات الساخنة، ثم يصاحب القات ـ الذي لابد أن يكون ذا نوعية جيدة ـ تقديم المشروبات الخاصة مثل الشعير والزنجبيل أو مشروبات غازية، إضافة إلى الماء البارد.. والجزء الأهم لدى معظم النساء هو التباري على الظهور بأجمل حلة فيتم ارتداء أفضل الملابس وتسريح الشعر ولبس الإكسسوارات.. أما صاحبة الدعوة فعليها تجهيز المجلس (الديوان) للضيوف بكل ما تتطلبه الجلسة.
تؤكد الدكتورة نجاة أنه ونتيجة إلى أن متطلبات تناول المرأة للقات أكثر من متطلبات الرجل فهو منتشر إلى حد ما في أوساط النساء العاملات. وتضيف “القات مدمر لميزانية الأسرة اليمنية، فقد أظهر مسح أجري مؤخرا على ميزانية الأسرة اليمنية أن القات يحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة في الإنفاق، أي أنه يأتي قبل التعليم والصحة والترشيد، فهو يستهلك جزءا كبيرا من ميزانية الأسرة”.
أما عن الطريقة التي تحصل بها النساء على القات فكان الرجل حاضرا وبقوة، حيث غالبا ما يشتري الزوج أو الابن أو الأخ القات لقريباته، لأن الخجل يمنع المرأة من الذهب إلى سوق القات لشرائه، حيث ما يزال يُنظر لتناول المرأة للقات بأنه “عيب” وذهابها لشرائه من السوق يضعها في مواقف محرجة.
**رأي الرجال في تعاطي المرأة القات**
لا يمانع أحمد من أن تتناول قريباته القات، فهو في العادة من يشتريه لهن ويوصلهن بنفسه إلى حيث سيجتمعن، ويعتبر ذلك أفضل بالنسبة له من الخروج إلى الأماكن العامة بصحبتهن، كما أنه لا يُفضل أن يخرجن لوحدهن حرصا منه على عدم تعرضهن للمضايقات من قبل الشباب. على العكس من ذلك يُعارض علي تناول النساء للقات ويعتبر ذلك خروجا عن العادات والتقاليد، و”خصوصا تناوله من قبل الفتيات غير المتزوجات”، حيث جرت العادة أن مضغ القات مقبول ـ إلى حد كبير ـ في أوساط المتزوجات.
نقلا عن DW