المعاكسة ومضايقة النساء والتحرش بهن باتت تشكل ظاهرة مجتمعية سلبية في الآونة الأخيرة بمحافظة عدن، تتعرض لها المرأة أينما يممت وجهها في الشارع والسوق والكلية والمدرسة ومرفق العمل وعلى وسائل المواصلات.
ظاهرة لم تشهدها هذه المدينة إلا في هذه المرحلة الأخيرة، حيث تعددت أساليبها وطرقها، بعد أن غاب الوازع الديني، والأمن وانتشرت الأمية والحبوب المخدرة بين أوساط كثير من الشباب بشكل مريب.
وعن هذه الظاهرة التي باتت تتعرض لها النساء ليل نهار من قبل بعض الشباب والرجال غير الواعين قالت الأخت سارة وهي طالبة جامعية: “إن هذه الظاهرة باتت تلاحق الشابات حتى في كلياتهن ومن قبل بعض الدكاترة الذين يتعلمن على أيديهم مع الأسف الشديد، حيث يقومون على خلق صداقات مع طالباتهم ومن ترفض تلك العلاقة يتعمدون مضايقتها، أي أن مقياس وضع الدرجات لطالباتهم يكون على حسب عمق العلاقة فيما بينهم، لا بقدر جدها وتفوقها مع الأسف”.
وتقارن سارة بين الوضع في الماضي والحاضر بخصوص هذه الظاهرة بالقول: “في السابق كانت الشوارع أكثر أمناً وتوفراً للإنارة فيها بعكس ما هو عليه الآن والتي أضحت الشوارع تفتقر للإنارة المناسبة، والانفلات الأمني وانتشار تعاطي المخدرات والتي زادت من معاناة العائلات والفتيات بشكل مستمر من هذه الظاهرة السلبية في مدينة عدن المعروفة بتمدن وتحضر أهلها”.
وتستطرد سارة حديثها بذكر قصة حصلت لإحدى صديقاتها بهذا الخصوص بالقول: “لقد أضحت هذه الظاهرة تؤرقنا وتلاحقنا في جميع الأمكنة التي نذهب إليها في الشوارع وأماكن الدراسة حتى على وسائل المواصلات، حيث تتعرض فيه كثير من الفتيات لها ومنها ما حدث لصديقة لي قبل فترة من قبل أحد سائقي الباصات والذي كانت راكبة فيه والذي عمد إلى العبور في أماكن غير معتادة وعندما شعرت بالخوف صرخت وطلبت منه النزول ولكنه اشترط عليها رفع النقاب (البرقع) من على وجهها وأخذ رقمها مقابل تركها وشأنها، الأمر الذي لجأت إليه الفتاة مرغمة لتنجو بنفسها من هذا الذئب البشري المنعدم الضمير”.
**معاكسون بزي نسائي**
هناك أساليب متعددة تستخدمها هذه الفئة من الناس لمضايقة الفتيات، بعضها قد لا يصدقها أحد أو سيشكك في مصداقيتها منها ما تحدثت به الأخت شذى خالد (35 سنة) حيث تقول: “في شهر رمضان الماضي حصل وأمام عيني في أحد أزقة مدينة عدن قام مجموعة من الشباب بارتداء ملابس نسائية (عبايات) مستغلين الازدحام الذي كان يشهده الشهر الفضيل وذلك لمزاحمة النساء وتلمس أجسامهن”.
وتواصل: “لقد قام أحدهم بلمس امرأة كبيرة وحينها صرخت بصوت عال (هذا رجل وليس امرأة) وانكشف أمره أمام الحاضرين”.
شذى تعزو انتشار هذه الظاهرة إلى غياب الأمن في الشوارع والأسواق لاسيما في الشهر الفضيل الذي يشهد ازدحاماً كبيراً. مؤكدة في ختام حديثها بأن الأسرة هي من تحدد مصير المجتمع سلباً وإيجاباً، موضحة بأن الثقة الزائدة التي يمنحها الأهل للفتاة أو الشاب هي من تؤدي إلى فساد المجتمع.
**غياب الوازع الديني**
وفي إطار هذا الاستطلاع الذي تجريه «الأيام» حول هذه الظاهرة السلبية التي باتت منتشرة في مدينة عدن التقت بعدد من الشباب لمعرفة آرائهم حول انتشارها لاسيما في هذه المدينة المعروفة بتمدن وتحضر أبنائها، وكانت البداية مع
عاطف كرامة
الأخ عاطف كرامة الذي تحدث بدوره بالقول: “مع الأسف هذه الظاهرة أصبحت منتشرة بشكل كبير جداً وتحدث أمام مرأى ومسمع الجميع، فمجرد أن يدخل الشخص إلى الشارع أو السوق سيشاهد هذا بوضوح وحجم ما تتعرض له الفتيات من مضايقات وبأساليب مختلفة من قبل كثير من الشباب والرجال ممن يتواجدون في هذا الشارع أو ذاك”.
وأعاد كرامة تفشي هذه الظاهرة إلى غياب الوازع الديني، والتوعية، وكذا غياب القوانين الرادعة، وانتشار الأمية بين أوساط أفراد المجتمع.
أما الأخ صلاح محمد فقد عزا انتشار هذه الظاهرة إلى استشراء الفساد الأخلاقي بين بعض أفراد المجتمع والناتج عن غياب التوعية الأسرية، كما حمل محمد بعض النساء جزءا من المشكلة من خلال المبالغة في استخدام أدوات التجميل وكذا اللبس والذي من شأنه يساعد في لفت الأنظار لهن.
وأضاف: “وهنا نقول إن اتباع هذا الأسلوب من بعض الفتيات بدوره يؤدي إلى إقدام الشباب على معاكستهن”.
**ظاهرة جديدة**
الحاج طارق
بدوره تحدث الحاج طارق عبد الكريم لـ«الأيام» عن هذه الظاهرة بالقول: “هذه الظاهرة السلبية لم تكن موجودة في هذه المدينة بالماضي، رغم أن المدارس فيها كانت مختلطة، وكان الجميع ذكوراً وإناثاً يتعاملون كإخوة، ولكن مع الأسف اختلف الوضع تماماً في الوقت الحاضر وذلك بسبب التقليد الأعمى للمجتمعات المنفتحة والتي تسعى جاهدة إلى نشر الفساد والانحلال الأخلاقي، بالإضافة إلى غياب الأمن”.
مختتماً حديثه بالقول: “إن هذه السلوكيات السلبية تسيء إلى جيل بأكمله”، ومتمنياً ممن يقومون بهذه السلوكيات السيئة أن يتذكروا أن لديهم عورات وهو دين، والجزاء من جنس العمل”.
أما الحاجَّة أم علاء فقالت لـ«الأيام»: “هذه المشكلة لم تسلم منها النساء حتى في وسائل المواصلات”، موضحة بالقول: “لقد كنت ذات مرة على متن باص أجرة في أحد شوارع عدن وكان في الباص شاب يقوم بمضايقة فتاة بجواره حينها صرخت الفتاة باكية وهو ما جعل صاحب الباص يقوم بإنزاله وضربه”.
**ظاهرة لها انعكاسات سلبية**
د. سعيد النهدي
ولمعرفة أسباب انتشار هذه الظاهرة من الناحية النفسية والاجتماعية التقت «الأيام» باختصاصيين في هذا المجال، وفيها وضح الدكتور سعيد النهدي رئيس قسم علم النفس في كلية الآداب بأن غياب دور الأسرة والمساجد والتربية غير الصالحة هي أسباب رئيسة لانتشارها بين بعض أفراد المجتمع، بالإضافة إلى عدم قيام المدارس بدورها المناط بها في تربية النشء كون الإنسان عبارة عن سلوك وتغير هذا السلوك قد يؤدي إلى الانحراف”.
وأضاف: “إن انتشار البطالة بين معظم الشباب هي من حولتهم إلى شباب ضائعين في الشوارع يبحثون عن حق القات، والتلفظ بالعبارات البذيئة غير مدركين أن تلك السلوكيات لها انعكاسات نفسية على الآخرين”.
من جهته أشار الدكتور أحمد العبد، أستاذ علم الاجتماع المساعد في كلية الآداب ـ جامعة عدن، إلى أن من “الأسباب التي تؤدي إلى بروز هذه الظاهرة في مرحلة الطيش والمراهقة والانقطاع عن التعليم هي التنشئة الاجتماعية غير السليمة، حيث إن معظم من يقومون بهذا السلوك هم عبارة عن شريحة لم تنجح أسرهم في تربيتهم تربية صحيحة، ولهذا يعتبرون (ضحايا) ويحتاجون إلى إعادة تنشئتهم وخلق الوعي لديهم”. واعتبر العبد أن لجوء هؤلاء لهذا السلوك هو من أجل التنفيس عن أنفسهم.
واختتم بالقول: “إن هذه الظاهرة بحاجة إلى تضافر الجهود وبذل مزيد من التوعية من خلال البرامج الموجهة من وسائل الإعلام المختلفة كونها تمس أخلاقيات المجتمع بكامله”.
**بتكاتف الجهود ستنتهي هذه السلبية**
العقيد عبد الناصر
ولمعرفة موقف الجانب الأمني من هذا السلوك والظاهرة السلبية التي باتت منتشرة في مدينة عدن التقت «الأيام» بمدير شرطة المعلا العقيد عبد الناصر الذي بدوره تحدث بالقول: “تزداد هذه المشكلة والمضايقات للنساء في الأسواق خاصة في شهر رمضان المبارك، وهنا يتطلب نزول الأمن لمراقبة حركة السير، حيث تكون الأزمة والازدحام في السير كبيرين في هذا الشهر وكذا في الأعياد، وفيها توضع خطة أمنية في المناطق المزدحمة، أما في الأيام العادية تقوم مراكز الشرطة بدورها في مثل تلك المضايقات، حيث تقوم الشرطة بالحماية في حال البلاغات”.
وأضاف: “في حال وجود دلائل على المضايقة كفعل فاضح أو خدش حياء أو قذف ممكن أن يتخذ عليه إجراءات ويسجن إذا ثبت ذلك”، مشيراً إلى أن وظيفة الشرطة تقتصر في جمع الاستدلالات لتلك المشكلة تحال بعدها إلى النيابة.. مختتماً حديثه بأن هذه الظاهرة تستنتهي وسيعم الخير في المحافظة متى ما تكاتف دور الأمن ودور عقال الحارات وأئمة المساجد واللجان الشعبية مع بعضهم بعضا.
* صحيفة الايام