سامي غالب
كم هو بائس الحزب الاشتراكي وهو يعتبر فدرلة الجنوب مؤامرة على وحدته بينما يتمسك بفدرلة اليمن باعتبارها عملا وحدويا، علما بأن الحزب الذي لا يريد فدرلة الجنوب سيجد نفسه مكشوفا سياسيا واخلاقيا ووطنيا اذ يرفض الفدرالية في الجنوب لمجرد انه وريث الجبهة القومية التي انجزت الوحدة في الجنوب بفاعلية التنظيم وليس باستفتاء كما وحدة اليمنيين الشمالي والجنوبي في ربيع 1991.
ومن المدهش حقا ان الاشتراكي، وقيادات جنوبية أخرى، تعتبر الفدرالية في الجنوب وبخاصة انشاء اقليم لحضرموت مؤامرة على الجنوب تمهد بوضوح لانفصال حضرموت، بينما لا يرون أي خطر على الوحدة اليمنية في فدرالية الاقليمين التي تخضع حضرموت لسلطة مركز جنوبي وليس شماليا!
***
الحزب الذي يتوهم انه سيستعيد اليوتوبيا التي شيدها في الجنوب (ما يعتبرها خصومه الجنوبيون "الجحيم") انحبس كليا داخل صندوق الفدرالية، ثم فدرالية الاقليمين، فبات "رهين المحبسين"، مكرسا ضربا من الماضوية في حركته وخطابه مثله مثل الفصائل السياسية والدينية اليمنية الأخرى التي تريد أخذ اليمنيين الى فراديسها التي كانت في الماضي.
***
الفدراليون التبشيريون في اليمن، بمختلف اصنافهم وعلى تنوع دوافعهم، يتشابهون في احتقارهم لـ"المواطنة المتساوية" ونزوعهم الى "احتكار تمثيل" المناطق التي يريدونها "أقاليم". لذلك لا يمانعون في اخضاع فئات من السكان لسلطة جماعات قبلية او دينية إذا كان المقابل استئثارهم بجزء من الجغرافيا وتسلطهم على جماعات اخرى من اليمنيين.
يمكن قراءة التبدل الجوهري في مواقف التجمع اليمني للإصلاح من المطالب الحراكية التقليدية في السياق نفسه. إذا كان الحوثيون سيسيطرون على الشمال الزيدي فلنعمل من أجل مملكة سنية في الجنوب، وليذهب اصلاحيو الشمال الى الجحيم "الشيعي".
***
الفدرالية في القاموس السياسي، عملية وحدوية لكيانات متعددة تؤسس لهوية وطنية جامعة. لكن فدراليي اليمن هم جماعات عصبوية، طائفية ومناطقية وقبلية، تستبطن كرها للهوية اليمنية وتتوسل ازدهارا لهوية فوق وطنية أو دون وطنية. ومنظرو هذه الفدراليات (اثنتين او ست) هم، في الأغلب الأعم، يمينيون انعزاليون يحتقرون "المواطنة" وحقوق الانسان ويعينون أغلب اليمنيين، شماليين وجنوبيين، باعتبارهم اعداء يتوجب عزلهم بجدران متعالية بعيدا عن فراديسهم.
***
يخوض الفدراليون اليمنيون بمعسكريهم البغيضين، سجالات غبية من شاكلة ان الفدرالية من اقليمين تمهد لانفصال الجنوب، أو الفدرالية من ستة اقاليم تمهد لانفصال حضرموت. لكن هؤلاء "الداحسيين" و"الغبراويين"، التسلطيين، لا يفكرون في مترتبات مشاريعهم الفدرالية الأكثر خطورة مثل أثرها الفوري على السلم الأهلي واثارتها النزعات العصبوية، وتأثيرها السلبي على المواطنة، وتعريض اليمن للمزيد من هيمنة الخارج، الاقليمي خصوصا ( وتحديدا الرياض وطهران)، وتوجيه الموارد المحدودة لصالح الوجاهات ومراكز النفوذ المحلية مقابل تجويع اغلبية اليمنيين الذين سيقعون تحت رحمة المتنفذين، الوطنيين والاقليميين.
***
يساريو "الفرصة الأخيرة"، اشتراكيين وناصريين وبعثيين، يريدون فدرالية بأي ثمن، حتى لو هلكت، جوعا، الفئات التي يزعمون تمثيلها. وهذا التخندق، او "الانحباس"، يفسر _ إلى حد بعيد_ تمدد رقعة الفقر داخل اليمن وتنامي شعبية القوى الطائفية، وهما تمدد وتنام أسيّان.