الرئيسية - تقارير - الرئيس علي ناصر محمد يكتب عن الدلالات العظيمة لأيام فاصلة .. الذكرى السابعة والأربعين لاستقلال الجنوب

الرئيس علي ناصر محمد يكتب عن الدلالات العظيمة لأيام فاصلة .. الذكرى السابعة والأربعين لاستقلال الجنوب

الساعة 02:41 مساءً (هنا عدن - خاص)

بقلم الرئيس علي ناصر محمد

30 نوفمبر 2014م



 

ثمة لحظات أو ايام في التاريخ تكون فاصلة لا يمكن محوها من الذاكرة، ولا من الزمن مهما تعاقبت الايام والسنين، ومن هذه التواريخ الثلاثون من نوفمبر عام 1967م الذي يحتفل به شعبنا العظيم في كل عام، ويحتفل هذه السنة بذكراه السابعة والأربعين.

انه يوم من أيام التاريخ يفصل بين زمنين، زمن الاحتلال الذي دام أمده لعدن والجنوب طوال أكثر من قرن وربع القرن، وزمن الحرية والاستقلال.

وبهذه المناسبة العزيزة والغالية على شعبنا، اتوجه بخالص التهاني القلبية الى شعبنا الأبي الذي يعود الفضل إليه في صنع هذا اليوم ليحتل مكانه اللائق في التاريخ كشعب حر أبي جدير بالحياة الحرة الكريمة، وأُحيي الجماهير المحتشدة في هذا اليوم في ساحة العروض في عدن وغيرها من المحافظات احتفالاً بهذه المناسبة الغالية، في الوقت نفسه أُحيي أرواح شهداء الحرية والاستقلال الذين افتدوا تراب الوطن الغالي بارواحهم الطاهرة ودمائهم الزكية داعياً الى الله تعالى أن يتغمدهم برحمته ويسكنهم فسيح جنانه، والتحية والتهنئة موصولة الى جرحى حرب التحرير الوطنية، والى كل الفدائيين والمناضلين الذين شاركوا في هذه الملحمة الوطنية الكبرى، والرحمة لمن قضى منهم نحبه، والصحة وطول العمر لمن بقي منهم على قيد الحياة، واقول لهؤلاء وأُولائك ان تضحياتهم العظيمة لم تذهب هدراً .. وأن الاثمان الغالية التي دفعوها هي التي جسدت هذا المعنى العميق للحرية والاستقلال المستمر حتى اليوم والذي سيستمر إلى الأبد عميقاً في حياة شعبنا وفكره وكفاحه من اجل الحياة الحرة الكريمة.

اليوم عندما استعيد مع ابناء شعبنا خاصة أُولئك الذين شهدوا بزوغ فجر يوم الاستقلال في 30 نوفمبر عام 1967م تتزاحم في ذاكرتي سيل من الصور والمشاهد والذكريات والاحداث عن هذا اليوم المجيد الذي كان كل شيء فيه رائعاً وجميلاً، كيف لا وقد انتزع شعبنا حريته بعد 129 عاماً من الاحتلال البريطاني لعدن والجنوب ومن تلك المشاهد التي لا تزال حيه في الذاكرة ذلك المشهد المهيب والكل يلتقون لأول مرة وجهاً لوجه بعد انسحاب القوات البريطانية – وتحقيق النصر على قوات الاحتلال، العائدون من الخارج برئاسة المناضل قحطان محمد الشعبي، والفدائيون الذين خرجوا من مخابئهم السرية وهم يظهرون لأول مرة أمام العالم بعد عمل سري استمر لأكثر من اربع سنوات ولا يعرفون إلا باسمائهم الحركية، والمقاتلون القادمون من جبهات القتال في الريف، والعسكريون الذين ناصروا الثورة وساندوها بالمال والسلاح والمعلومات، وكل هؤلاء وسواهم الشركاء في صنع النصر العظيم يظهرون لأول مرة امام الكميرات وهم يحتفلون مع كل المناضلين والاحرار والجماهير بهذا اليوم الاغر وهم يهتفون "برع برع يا استعمار .. برع من ارض الاحرار" ويرددون بملء حناجرهم غيرها من الاناشيد والاغاني الوطنية والاهازيج تعبيراً عن فرحتهم بهذا النصر الذي تحول الى عرس وطني كبير لم يشهد التاريخ له مثيلاً في حياة الجنوب والذي شارك فيه مختلف مكونات المجتمع المدني من نقابات وصحافة ومنظمات اهلية ورجال الدين وبقية جماهير الشعب.

كانت أيام فرح وأعراس حقيقية .. أول عرس نعيشه بعد (129) عاماً من الاحتلال، الفرحة تعم عدن والمحميات بالانتصار التاريخي على قوات الاحتلال وبزوغ فجر الاستقلال.. هذا اليوم الذي طال انتظاره أكثر من قرن وربع القرن جاء معمداً بالدم، وبالتضحيات الغالية، والانتفاضات والثورات، والتمردات، وأرواح الشهداء.. بالعرق والدم والدموع، ولم يكن هبة أو منحة من أحد، لذلك كان الفرح على قدر الكفاح والصبر المرير..

كنت أشاهد مئات السيارات تتحرك وتطوف أحياء وشوارع مدينة عدن تحمل آلاف الشبان الثائرين المفعمين بنشوة النصر..وكان هتافهم للثورة .. وللحرية.. كانوا يلوحون بأعلامها ذات الألوان الثلاثة: الأحمر، الأبيض، الأسود الذي تتوسطه كلمة N.L.F. في إشارة إلى النصر الذي حققته الجبهة القومية على قوات الاحتلال البريطاني.

باختصار كانت عدن والجنوب كله يتنفس في ذلك اليوم هواء الحرية، وكانت كل ذرة من ترابه، وكل نسمة من هوائه، وكل خلجة من نفوس ابنائه تستنشق هذا العبير بسعادة ليس لها حدود، وكان ذلك بدون أدنى شك تتويجاً لنضال شعبنا الأبي الذي استطاع بارادة الحياة فيه أن يواجه اعتى الامبراطوريات الاستعمارية في التاريخ الحديث بجيوشها الجرارة واسلحتها الفتاكة وهو يكاد يكون اعزل من السلاح، ولكنه مع ذلك استطاع ان يلحق الهزيمة بها فكان غروب شمس الأمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب عنها من عدن بالذات، وكان الزمن نفسه زمن افول الاستعمار وبزوغ زمن حرية الشعوب في كل مكان في العالم.

ومنذ البداية وضعت الجبهة القومية رائدة الثورة والكفاح الوطني التحرري مع كافة القوى الوطنية والسياسية وجبهة التحرير والتنظيم الشعبي أهدافاً كبرى سعت الى تحقيقها باعلانها تحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني، وتوحيده في دولة وطنية حديثة مدنية عوضاً عن التجزئة التي كانت السائدة حيث كان الجنوب مقسماً الى نحو 23 سلطنة ومشيخة وامارة ، وهو ما تحقق في 30 نوفمبر عام 1967م بقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة المناضل قحطان محمد الشعبي اول رئيس للجمهورية والتي حظيت باعتراف العالم وفي مقدمتها مصر عبد الناصر التي قدمت الدعم والمساندة للثورتين في الشمال والجنوب، وقد نجحت خلال السنوات اللاحقة من عمر الاستقلال في اقامة دولة مدنية حديثة مهابة ليس فيها مكان للطائفية والفساد كما كان من أهدافها الكبرى النضال من اجل تحقيق الوحدة اليمنية والوحدة العربية ومساندة كفاح الشعوب وحركات التحرر الوطنية من أجل الحرية ونيل الاستقلال وفي المقدمة قضية الشعب العربي الفلسطيني العادلة وحقه المشروع في ارضه وقيام دولته الوطنية المستقلة .

ونحن نحتفل بذكرى الاستقلال في 30 نوفمبر فانما نحتفل بالدلالات العظيمة لهذا اليوم المجيد الذي سيظل كتاباً مفتوحاً لذاكرة الاجيال المتعاقبة عبر الزمن وبأثره العظيم في ضمائر الاجيال ليكون الهامها القوي لمسيرة طويلة ظافرة تتواصل على يد ابناء شعبنا بحسهم الوطني والقومي.

وفي ختام هذه العجالة يجب التذكير بان اليمن الديمقراطية وخلال زمن قياسي وفي فترة تاريخية قصيرة من عمر الشعوب استطاعت خوض تجربة فريدة في الحكم، واقامت دولة النظام والقانون وحكم المؤسسات قياساً بالاوضاع المتخلفة التي كانت سائدة آنذاك، وكان الاستثمار في الانسان وبناء الدولة وتنمية المجتمع اهم المنجزات لدولة الاستقلال بالرغم من التعقيدات والصعوبات وقلة الامكانيات واهمها التطبيب والتعليم المجانيين والامن الغذائي وتحقيق الأمن والاستقرار منذ قيام الدولة في الجنوب وحتى عشية الوحدة عام 1990م، وهذا لا يعني ان التجربة لم يصاحبها بعض الاخطاء والسلبيات شأنها شأن كل تجربة انسانية.

 

وكل عام وشعبنا بألف خير