أنيس حسن يحيى
أجل، أثبتت جملة من الوقائع أن اللواء محمود الصبيحي قائد عسكري فذ عركته الحياة، وصلَّبت عوده، وهو لذلك جديد بالاحترام والتقدير والمساندة الفعالة. بعض الأشخاص ينالون على نحو سريع الإعجاب والتقدير الواسعين في صفوف الناس، لما لهم من سلوك متميز في الحياة، يتسم بالجرأة والروح المقدامة والتوازن، ووضوح الرؤية. هذه صفات على قدر كبير من الأهمية يتعين على أي قائد أن يتحلى بها، إلى جانب أهمية وضرورة امتلاكه أخلاقاً عالية.
لا أذكر أنني التقيت باللواء محمود الصبيحي من قبل وربما التقيته في مكان ما، أو لقاء ما، ذلك أنني حَرصتُ، منذ أن تسملت مهمات قيادية رفيعة في الحزب الاشتراكي وفي الدولة، أن أتجنب نسج علاقات متينة مع رفاقنا العسكريين في المؤسستين العسكرية والأمنية حتى لا يقال في واقع مجتمعي مريض، إنني أبحث عن مراكز قوى لي، في هاتين المؤسستين. إذ كان يتملكني وحتى اليوم إحساس قوي بأنني لست بحاجة إلى مراكز قوى من أي نوع، إيماناً مني بقدارتي القيادية المتميزة التي أعتز بها كثيراً، ولامتلاكي ثقة عالية في نفسي. ولا أقول هذا من قبيل الغرور الذي لم يطبع سلوكي في أي وقت، في الماضي، ولن يطبع سلوكي حاضراً ومستقبلاً. أنا واحد من الناس الذين شاء لهم القدر أن يلعبوا دوراً قيادياً فاعلاً في الحياة السياسية، بعيداً عن أي غرور أصاب بعضنا.
وبدأت أتابع باهتمام بالغ الدور المتميز للواء الصبيحي في المؤسسة العسكرية، وهو ينتقل من موقع إلى موقع، ومن نجاح إلى آخر. وعندما اختير اللواء الصبيحي وزيراً للدفاع تفاءلت خيراً. وأرجو أن يكون تفاؤلي في الرجل في محله. فالرجل عركته الحياة فعلاً، وصَلَّبَتْ عودَه، ولذلك هو جدير بالتقدير ويستحق الاحترام الذي يعطيه مزيداً من القوة والثبات في مواقفه، واللواء الصبيحي في موقعه الجديد كوزير للدفاع، جدير بالمساندة الجدية لكي يصبح صاحب إرادة لا تنثني، فينجح في قيادة مؤسسة عسكرية هشة ومتآكلة، لأسباب عديدة لعل أهمها تعدد الولاءات في داخلها.
أثمن شيء في حياة الإنسان حب الناس له وتقديرهم وثقتهم فيه. فلا الجاه ولا المال يغنيان المرء عن حاجته إلى حب الناس وتقديرهم له. وهذا الحب وهذا التقدير لا يأتيان من فراغ، ولا يتحققان صدفة، إنهما نتاج طبيعي لسلوك متميز للمرء يجعل صاحبه أهلاً حقاً، وبجدارة للحب والتقدير.
استمعت عدة مرات، وبالصدفة، للواء محمود الصبيحي وهو يخطب في جماعة من العسكر في مواقع عديدة، فشدني في خطابه كوزير للدفاع، أنه يمتلك قدراً من الوضوح في الرؤية يجعلني أطمئن إليه وأراهن عليه.
تسلم الأخ اللواء محمود الصبيحي موقعه كوزير للدفاع، والمؤسسة العسكرية تعيش حالة مؤسفة من الهشاشة والتآكل بسبب تعدد الولاءات في داخلها، وبفعل استمرار عبث رموز النظام السابق بها، ما يجعلها عاجزة تماماً عن التصدي بحزم لواجباتها ومهماتها الوطنية. وفي ظل مؤسسة عسكرية كهذه، يصبح من المتعذر التصدي لأعمال التخريب التي تضاعفت في الآونة الأخيرة، وللعمليات الإرهابية التي طالت وتطال الأرض والإنسان، والتصدي لكل ما يعيث في البلاد فساداً. وعندما قرأت خبراً جرى تداوله في وسائل الإعلام اليمنية، يفيد بأن الصبيحي اشترط على الرئيس هادي بعض الشروط، لكي يقبل منصب وزير الدفاع، قلت في نفسي، من حق هذا الرجل القائد العسكري الفذ، أن يضع بعض الشروط، لكي يتسلم عن قناعة ووعي، مهماته الصعبة والنبيلة حقاً.
التحديات كبيرة وجسيمة تلك التي يواجهها اللواء الصبيحي في موقعه كوزير للدفاع، ويواجهها شعبنا الصابر بشكل عام. وهذه التحديات لا تخص محافظة بعينها، وإنما هي تحديات تشمل الوطن كله.. الوطن الذي تنخره الجراح، فأنهكت جسمه الهزيل، فزادته هزالاً، وجعلته يتآكل كأي شيء يتآكل في مجتمعنا.
لم يتردد اللواء محمود الصبيحي في قبول مهماته الصعبة. وبدا عليه وكأنه يقدم على مغامرة من نوع مختلف تماماً. المؤسسة العسكرية وكذا المؤسسة الأمنية كما هو شأن الوطن عموماً، في حالة من التمزق والتآكل. والحديث عن بناء دولة مدنية حديثة، في ظل هذه الحالة الرخوة للمؤسستين العسكرية والأمنية، يبدو كأنه حلم متعذر التحقيق، ومع ذلك أقدم اللواء محمود الصبيحي، بإرادة القائد العسكري الجسور، أقدم على تحمل مسؤولياته وواجباته الجسيمة، في بلد يعاني من استشراء الفساد فيه، كما يعاني من التشرذم والتمزق في كل مفاصل المجتمع.
اللواء محمود الصبيحي جدير حقاً بالتقدير. ولكن هذا غير كاف، فثمة حاجة إلى تقديم كل أشكال العون والمساندة له لكي ينجح في مهماته الصعبة، ولكي يتعافى الوطن. ولأن الشيء بالشيء يذكر، يتعين عليّ أن أشير إلى فدائي آخر أقبل على تحمل مهماته الوطنية الجسيمة، بجرأة نادرة، ولكنها جرأة من يعرف ويعي حجم الصعوبات التي تحيط به. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بحاح الذي يضطلع اليوم بمهمة إدارة البلد على الصعيد التنفيذي، يمتلك قدراً كافياً من الوضوح في الرؤية لمهماته الصعبة وكيفية التعامل معها. كما يمتلك بحاح إرادة جلية للانتصار على هذه الصعوبات وقهرها.
بحاح فدائي آخر جسور ومن نوع مختلف في جرأته وإصراره، فيعزز لديك الأمل بنجاحه في إدارة البلد بكفاءة عالية.
وحول بحاح ومهماته الصعبة لي حديث آخر، في وقت لاحق. فهو جدير بأن أفرد له حديثاً خاصاً به، أثمن فيه تضحياته وهو يقدم على تحمل هذه المهمات الجسيمة في ظل غياب مستمر للدولة!
ويمكنني أن أقول إن الرئيس هادي أصبح اليوم، بوجود هاتين الشخصيتين المتميزتين، محمود الصبيحي وبحاح بما يملكانه من إرادة صلبة وعزيمة لا تلين ولا تنثني، ولا تعرف التراجع، وبما يتوافر لديهما من وضوح في الرؤية، أصبح هادي في أحسن حال عما كان عليه إلى وقت قريب. ولا تفوتني الإشارة هنا إلى أن حكومة بحاح تضم كفاءات عالية ومقتدرة، ونزيهة. الأمر الذي يوحي بالأمل في إمكانية نجاحها في مهماتها في مختلف ميادين الحياة.
فلا عذر لهادي، فيما لو استمرت حالة التآكل في جسم الدولة وفي المجتمع، وفي البلد عموماً. ذلك أن قدر هادي الفدائي الأول في بلدنا، وهو الذي تسلم مهمات في غاية الصعوبة والتعقيد، وفي ظروف استثنائية أشد تعقيداً، هنا نجدر الإشارة إلى أن هادي لم تَفتُرْ له عزيمة، منذ توليه مهماته كرئيس للدولة. فهو يتابع مهماته الجسيمة بروح كفاحية عالية، وبصبر وجلد لا مثيل لهما، ألحظ أحياناً وربما يلحظ آخرون غيري أن الإرهاق الشديد باد بوضوح على وجه هادي. ولكن هذا قدره، ولا مفر منه.
وإذا كان لي أن أقول شيئاً عن الأداء السياسي لهادي، إلى جانب ما قلته في مقال سابق لي، أقول إن هادي يبدو عليه الارتباك بعض الشيء في علاقاته بمختلف المكونات السياسية عموماً، ومع القوى الحداثية تحديداً، فهو لم يستطع أن يقيم تحالفاً سياسياً متيناً مع مختلف المكونات السياسية، ومع قوى الحداثة بشكل خاص. هذه ثغرة في أداء هادي السياسي ينبغي سدها سريعاً، وليس في مصلحته أن يبقى وحيداً لحاله في المشهد السياسي.
والقوى الحداثية في بلادنا من جانبها، لم تظهر حتى الآن ما يبرر وجودها كقوى حداثية ينبغي أن تكون فاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية. ولكن مع ذلك لا يجوز لهادي أن ينتظر من يدله على الطريق باتجاه إقامة تحالف سياسي متين مع القوى السياسية كافة المعنية ببناء دولة مدنية حديثة، ومع القوى الحداثية بشكل خاص، كما لا يجوز لهذه القوى السياسية والحداثية تحديداً أن تواصل الاكتفاء بالمشاهدة لما يجري في الحياة السياسية، وكأنها تعيش في كوكب آخر.
الصبيحي وبحاح نموذجان رائعان وممتازان للقائد الوطني الجسور، صاحب الرؤية الواضحة. وهما بحاجة إلى مساندة جدية والتفاف واسع حولهما، على كل الصعد. ويتعين على الرئيس هادي تحديداً والقوى السياسية كافة وقوى الحداثة تحديداً، أن تمنحهما قدراً كافياً من المساندة والدعم، لكي ينجحا في مهماتهما الصعبة، وليتعافى الوطن.
دعونا نتفاءل ... دعونا نتمنى خيراً