الرئيسية - تقارير - القبيلة اليمنية: حضور سياسي بين الاستمرار والتلاشي

القبيلة اليمنية: حضور سياسي بين الاستمرار والتلاشي

الساعة 05:36 مساءً (أشرف الفلاحي)



style="color: rgb(34, 34, 34); font-family: arial, sans-serif; font-size: 14px; line-height: normal;">تواجه القبيلة في اليمن، بتعدد مسمياتها، تحديات صعبة، إذ تخوض معارك وجودية، بعدما تصدرت مشهد التصدي لتمدد جماعة "أنصار الله" الحوثيين، في مختلف محافظات البلاد، فضلا عن دخول أطراف خارجية  في معادلة الصراع، بحجة أنها تمثل حواضن للإرهاب تارة، ومحورا ممانعا لسياساتها، نظرا لبراغماتية القبيلة وأيدولوجيتها كقوة محافظة للتماسك الاجتماعي.

 ويرى مراقبون أن “تمدين القبيلة في اليمن يحتاج لاحتواء، وليس لامتهان واستعداء، بل إن استهداف المجتمع القبلي بهدف تفتيته، أو تحجيم دوره في صناعة القرار السياسي، لا يعدو كونه مسارا مهما لإعادة تشكلّها من جديد".

ويؤكد رئيس مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية عبدالسلام محمد أن "اليمنيين يختلفون في السياسة كثيرا، لكن حينما تنعدم الرؤية ويظهر عدو مهدد للجميع يعودون جميعا إلى بنيتهم الاجتماعية، ومن هناك تعاود القبيلة السيطرة والتأثير والنفوذ، وهذا ما لم  يفهمه مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر والمجتمع الدولي، وهو أن اليمنيين يُخلِصون للقبيلة أكثر من الأحزاب السياسية".

القبيلة مزيج من البراغماتية والإيديولوجيا

وأضاف لــ"عربي21" أن "الانزلاق في صدام مع المجتمع القبلي يحسم المعركة لصالح هذا المجتمع، نظرا لأن القبيلة في اليمن براغماتية في شمال الشمال، ومزيج من البراغماتية والإيديولوجيا في الشرق، وأيدولوجية مع بعض البراغماتية في جنوب البلاد، وبالتالي فهي لا تشبه مثيلاتها في باكستان وأفغانستان التي ربما تسيطر عليها الأيديولوجيا"، حسب وصفه.

وأشار محمد إلى أن "حالة القبيلة في اليمن أيضا لا تتشابه مع حالة العشائر في العراق التي تخندقت في الطائفية بحثا عن منافذ قوة؛ فزادت ضعفا وتمزقا، إلى جانب الضعف الذي أحدثه النظام البعثي قبل احتلال العراق في 2004، عندما قام بدمجها بهوية وطنية، دون تأمينها بنظام تشاركي يحافظ عليها، أو نظام ديمقراطي يصون حقوق أفرادها بصفتهم مواطنين".

ولفت رئيس مركز أبعاد إلى أن "إيران تعتقد أن الحالة القبلية في اليمن مشابهة لحالة العشائر في العراق؛ لذا فهي تستخدم أسلوب الامتهان، الذي نجح مؤقتًا في سيطرتها على العراق، رغم أنه وَلّد فوضى خارج سيطرة العالم، ولهذا تكرر هذا الأسلوب في اليمن، عبر حليفها جماعة الحوثي".

وذكر محمد أن "القبيلة في اليمن تبحث الآن عن الكرت الناجح، وبالتأكيد لن يكون هذا الكرت من يستخدم معها أسلوب الإذلال، لأن تاريخها يقول إن عدوها الأول من يهمّشها، وأكثر أعدائها من يحاول استنساخها أو تقسيمها، فضلا عمن يمتهنها". وفق تعبيره.

حلم القوى الخارجية ضرب القبيلة

من ناحيته، قال رئيس تحرير صحيفة الناس الأسبوعية  أسامة غالب إن "القبيلة في اليمن كانت جزءا من المنظومة الإدارية والأمنية في البلد، نتيجة الفراغ القائم، وعدم سيطرة الدولة وتواجدها في كل مناطق الوطن، وضعف الأحزاب السياسية".


وأوضح غالب أن "القبيلة، حُمِّلت أكثر مما تحتمل في السابق، عندما تم  تصويرها بأنها سلطة حاكمة يقع عليها وزر عدم بناء الدولة المدنية الحديثة، كونها عائقا أمام سلطة النظام والقانون".

وتابع أن "الأحداث الأخيرة، وتحديدا بعد احتلال الحوثيين للعاصمة صنعاء، أثبتت أنها ــ القبيلة ــ لم تكن ذلك البعبع، الذي صوره تيار النخبة والمثقفين طيلة العقود الماضية، حينما تَحُلُّ محل الدولة أحيانا، لسد الفراغ الحاصل ليس إلا، ولو أراد  النظام الحاكم سابقا فرض الدولة في مناطق القبائل لما وجد ممانعة، بل سيجد ترحيبا". على حد وصفه.

وأكد غالب لــ"عربي21" أن "القبيلة في اليمن سقطت إلى حد كبير، وقد تستعيد عافيتها إذا استمرت جماعة الحوثي في انتهاكاتها للأعراف والقيم وإهانة الرموز القبلية، الذي  سيؤول نحو تكوين مقاومة مسلحة لصد عدوان الحوثيين عليها، لكنها لن تمانع من تواجد الدولة إطلاقا، وهذا ما أشار إليه في الآونة الأخيرة كبار مشايخ  اليمن عن ضرورة احتكام الجميع لسلطة الدولة والنظام والقانون".

ولم يستبعد رئيس تحرير صحيفة الناس دور القوى الخارجية في ضرب القبيلة اليمنية  بقوله: "سقوط القبيلة حلم القوى الخارجية التي كانت ترى فيها قوة لتماسك المجتمع اليمني وحاضنة لرجالتها بمختلف انتماءاتهم السياسية، وتتهم بمساندة أبنائها المنتمين إلى تنظيم القاعدة تارة أخرى؛ ولهذا يتلقى الحوثيون حالياً دعما دوليا تتزعمه أمريكا في سبيل القضاء على القبيلة تماما". على حد قوله.

القبيلة أداة للصراع

ويعتقد رئيس مركز الجزيرة للدراسات أنور الخضري أن "القبيلة كانت، وما زالت، أداة توظف في الصراعات السياسية والدينية والمذهبية، فهي عبر التاريخ قوىً عسكريةً تأتمر لنظام عائلي، ولأيّ رمز قَبَليّ يُمكن أن يوجهها نحو أيِّ اتجاه؛ ولذلك فقد كانت حاضرة في جميع الأحداث القديمة والحديثة، وكما أنها تواجه تمدد الحوثي، تجدها مشاركة في خدمة هذا التمدد للحوثيين من ناحية أخرى".


وأضاف لــ"عربي21" أن "تفتيت القبيلة لم يكن وليد اللحظة، بل هو أمر مورس منذ فترة موغلة في القدم، فعندما تلتئم القبيلة في اليمن، يعاود الانقسام والتشظي فيها، بفعل عوامل داخلية وأخرى خارجية".

ويتمثل العامل الداخلي، وفقا للخضري، في تراجع دور "المشايخ" عن المستوى القيمي والقيادي في القبيلة إلى مستوى الاستبداد والترف والانغماس في الملذات على حساب أبناء القبيلة، حيث يبدأ التفكك داخليا، ويمكن للأحزاب أو السلطة اختراق القبيلة لإيجاد رؤوس موالية تنازع رأس القبيلة"،
 مشيرا إلى أن "العامل الخارجي يتموضع بناءً على التصور السائد لدى القوى الغربية بأن القبيلة تعد قوة خارجة عن السيطرة، تهدد بفرض نظامٍ موالٍ آمنٍ لسياساتها؛ لذلك فهي تريد ضربها، خصوصاً إذا كانت قبائل موالية للتيار الإسلامي".


وحذر رئيس مركز الجزيرة من تداعيات الصدام الحالي مع المجتمع القبلي اليمني إذا لم يتم إيقافه، خصوصا بعدما اكتسب الصراع خطابا عنصرياً، بالتوازي مع ممارسات غير مسؤولة، ورؤى استعلائية، وجرائم باتجاه الطرف الآخر بدافع الانتقاص، نظرا لطبيعة الصراع الدولي على اليمن، الذي فرض على هذه القبائل توظيف قدراتها في خدمة طرف على آخر، بحسب الدفع". وفق تعبيره.

المصدر ــ صحيفة عربي 21 من لندن .