بقلم : موسى المقطري
مع أفول نجم العام 2013م ودعت اليمن احد أهم مؤرخيها ومثقفيها إن لم يكن أهمهم على الاطلاق ، ذاك هم المؤرخ الاستاذ عبد الملك الشيباني عليه رحمة الله الذي وافته المنية صباح الاربعاء 18 ديسمبر 2013م عن عمر يناهز 61 عام بعد معاناة مع المرض تفاقمت واشتدت خلال الشهرين الاخيرين .
برحيل هذا العملاق تكون احدى صفحاتنا الناصعة قد اغلقت ، واسدل الستار على نموذج متميز وموسوعة علمية وتاريخية قدمت للامة كلها ولليمن الكثير ؛ علما وتاريخا وتربية وكفاحا .
سأحاول في هذه السطور أن أتتبع جوانب من حياة هذا الرجل الموسوعة ، واسلط الضوء على جوانب من حياته التي افناها مربياً ومؤرخاً .
المؤرخ الراحل عبد الملك الشيباني من مواليد 1952م الموافق 1372هـ في عزلة (بني شيبةالغرب )، في مديرية (الشمايتين)محافظة تعز.
في بداية حياته انتقل الى عدن ومكث فيها هناك مع عمه عبد الله مرشد الشيباني الذي كان يمتلك مطعما في الشيخ عثمان، ودرس بمعهد البيحاني ( مدرسة البيحاني حالياً ) وكلية بلقيس ( ثانوية بلقيس حالياً ومدرسة الصوفي الموحدة) وكانت هاتان المؤسستان هما المحضن العلمي الأبرز لليمنيين سواء كانوا من ابناء المحافظات الشمالية أو الجنوبية .
انتقل الى تعز واستكمل دراسته هناك ، و في صنعاء التحق بالتعليم الجامعي في العام 1973م في كلية العلوم بجامعة صنعاء ، وحين لم يجد مبتغاه انتقل الى كلية التربية قسم التاريخ لما لديه من ميول سابقة وحباً لهذا الفرع من فروع العلم ، ومما يذكره أنه أحب التاريخ من إعجابه بأحد معلميه في الصف الاول الاعدادي واسمه ( سيد عبد السلام – مصري الجنسية ) وفي العام 1977م تخرج من قسم التاريخ.
في مجال التعليم غير النظامي ظل طوال حياته شغوفاً بالعلم والعلماء ، باحثاً عن مصادر المعرفة ، ويُجْمِع كل من عاصره على تقديره لمشايخه في العلم وحبه لهم .
درس على يد الكثير من العلماء أهمهم : ( العلامة عبدالرحمن بن قحطان بن قائد، والفقيه نصر بن أحمد الشميري، والعلامة علي بن سعيد الغيلي، والفقيه محمد بن عبدالرب بن جابر، والفقيه أحمد السروري، والأستاذ عمر طرموم ) .
جمع رحمه الله بين العديد من القدرات فهو مؤرخ لا يشق له غبارومحاضر بارع وباحث متميز ومع كل ذلك كان يحب ان ينسب الى مهنته كمعلم .
عمل في حقل التعليم جلَّ حياته معلماً في العديد من المدارس ( مدرسة ناصر – مدرسة النجاح – مدرسة الثلايا – معهد تعز العلمي ) كما عمل في الحقل الإداري وكيلاً لمدرسة الثلايا ، ومديرا لمدرسة الزبيري ، ثم موجها في هيئة المعاهد العلمية وعضوًا في لجنة (المعادلة) فيها ثم مستشاراً لوزارة التربية والتعليم .
له مساهمة متميزة في اعداد المناهج الدراسية ، فقد كان سكرتير قطاع المناهج في الهيئة العامة للمعاهد في العام 1979م ثم تولى رئاسة لجنة التاريخ والسيرة والتربية الاجتماعية في وزارة التربية والتعليم والهيئة العامة للمعاهد العلمية .
ينسب له تقديمه للتاريخ على أساس صحيح منقى من الشوائب الفكرية التي احاطت بكتابة تاريخ اليمن الحديث والمعاصر ، وخاصة في مرحلة التواجد العثماني في اليمن .
أما عن الحياة الفكرية للمؤرخ عبد الملك الشيباني فقد بدأ كعادة الشباب بفكر ناصري قومي وكان يومها الفكر السائد في عدن ، وحين انتقل الى تعز كانت حركة الإخوان المسلمين تستأنف نشاطاتها عبر الأستاذ عبد محمد المخلافي (1937 - 1969) فشدته خطاباته الى التعرف اليه وحدث تحوله الى فكر الاخوان المسلمين وكأنه وجد ملاذاً يتناسب مع فطرته وذكائه وحصافته ، ورافقه في هذا التحول الفكري رفيقه (شرف الدين عثمان - من أبناء مديرية المواسط - عزلة الكلائبة ) .
كانت هذه هي نقطة التحول في حياته ، وظل يذكرها كلما جره الحديث عن تلك الفترة ، ولاحقا أرَّخ لحياة عبده محمد المخلافي في كتابه الفريد ( شهيد القرآن – سيرة حياة عبده محمد المخلافي).
تدرج في العمل التنظيمي لحركة الاخوان المسلمين ، واصبح احد المربين والعاملين في حقل الدعوة الإسلامية ليس في تعز وحدها بل في اليمن وخارجها .
تخرجت على يده اجيالاً من المعلمين والدعاة والمربين ، واصبحوا اليوم قادة مؤثرين يشار اليهم بالبنان وعلى رأسهم الشيخ الجليل عبد الله احمد العديني العالم الجليل والشخصية الإصلاحية المشهورة وعضو مجلس النواب عن إحدى دوائر مدينة تعز .
ظل الاستاذ عبد الملك الشيباني عاملاً في الإطار السياسي للإخوان المسلمين ( التجمع اليمني للإصلاح ) عضواً في مجلس الشورى ، وامين عام للمكتب التنفيذي في احدى دوراته .
طوال حياته ظل كتلة من النشاط والحيوية يتنقل بين المدن والقرى ويسافر الى خارج البلد معلما ومربيا وناصحا وموجها .
عرفه الجميع ولوعه بالرحلات والتنقل ، وألف كتاباً عنوانه ( فن الرحلات ) ولم يكن غيره سبقه الى تأليف مثيلاً له ، وفيه جمع عصارة خبرته وتجربته مع هذا الفن في قالب علمي واقعي يفيد كل العاملين في مجال الأنشطة الاجتماعية والشبابية.
كانت الهيئة العلمية للمعاهد تقيم المخيمات كنشاط رئيسي وكان الراحل هو نجمها المتألق ومنظِّرها الاول ومحاضرها المؤثر البليغ الذي لا يمل سامعوه ولا يضيق مجالسوه .
امتلك روحاً شبابية لم يطفئها تقدم العمر ولا بياض الشعر ، فهو منذ بداياته في العمل التربوي والدعوي كان أحد مؤسسي نادي الرشيد الرياضي الثقافي بمدينة تعز ذائع الصيت, واحد مؤسسي رابطة طيف للآداب والفنون وظل في كل مراحل حياته يختلط بالشباب داعيا وواعظا ومعلماً .
ظل وحتى اخر أيامه مجيبا لكل من دعاه الى مناسبة ينثر فيها درره ، واستضافه كل من لديه رحلة او مخيم او حفلاً ، أو حتى مقيلاً وكان اذا تحدث أسر سامعوه بحديثه المتواضع جداً ، وبمصطلحاته السهلة البسيطة ومخزونه الكبير من القصص واللطائف والأدب والامثال وأجمل الذكريات والتجارب .
في مطلع التسعينات اسس مع آخرين في تعز صحيفة ( الإصلاح ) ورأس تحريرها، وظل يكتب فيها بقلمه المتميز بالإضافة الى كتاباته في صحيفة الصحوة الأسبوعية الذي ظل لسنوات طويلة يكتب فيها عمودا اسبوعياً أسماه ( نفثات اليراع ) واطلالات متفرقة في مجلة النور ، وكتابات عديدة في اغلب الصحف والمجلات في الداخل والخارج في السياسة والتاريخ والتربية والدعوة وكل شؤون الحياة ، ومن آخر ما كتبه مقالاً عن ايران التي وصفها بالقلة المشاغبة .
في حقل التأليف كتب مناهج التاريخ للمعاهد العلمية وشارك في إعداد مناهج التربية الوطنية والاجتماعية والتربية الاسلامية وحصيلة ذلك 16 مؤلفاً .
في السنوات الأخيرة أولى اهتماما أكبر بالبحث في فضائل أهل اليمن ، وذكر أن من لفت نظره الى الاهتمام بذلك استاذه الشيخ ياسين عبد العزيز وقد جمع تحت هذا العنوان 855 حديثاً صحيحاً أو أقرب إلى الصحيح ، إلا أن المؤلف لم يرى طريقه للنور حتى الأن ، لكنه نشر مؤلفا شبيها به تحت عنوان اليمن ومكانتها في القرآن والسنة .
وبالإجمال فقد رفد المكتبة بمؤلفات رائدة جمع فيها بين كتابة التاريخ وتربية الأجيال والفكر الاسلامي الحديث .
من اهم كتبه المطبوعة ( شهيد القرآن - سيرة حياةعبده محمد المخلافي - العلم والعلماء – فن الرحلات –مسيرة الإصلاح – الظهور الإسلامي – اليمن ومكانتها في القرآن والسنة )
كما لديه عدد من المؤلفات التي لم تطبع أو أنها تحت الطبع (رجال الطبراني في الميزان – تخريج أحاديث اليمن وأهله – قضايا ومناقشات تاريخية – مأساة العائلة الكريمة ، مسرحية – العالم الإسلامي ) .
خلال العامين الماضيين أطل على جمهوره عبر اكثر من برنامج في بعض القنوات المحلية كخواطر وذكريات ، أو لفتات تاريخية لما قدمه اليمنيون في التاريخ الإسلامي وتابعه اليمنيون بشغف واستمع له من لم يسبق ان سمعه .
منذ انطلاق ثورة فبراير وهو يمثل احدى القوى الروحية لها يدعهما بحكمته وعقله وقلمه وفي كل المراحل ، مثل صوتا لها وعزم على كتابة تاريخ ثورة فبراير والعدوان على تعز ومحرقتها ولم يعرف بعد هل باشر مشروعه في كتابة هذه الأحداث أم لا .
على الصعيد الشخصي فقد كان الباسم البشوش الذي يألَفُ ويُؤْلَفْ يتكلم ويسمع وإن تحدث أسر سامعيه بلطف حديثه ، وتمكنه من الابحار في شتى العلوم والفنون .
عاش متواضعا معدما لا يملك من الدنيا الا القليل وداهمته العديد من الامراض خلال سنوات عديده لكنه ظل في اوج نشاطه حتى حط رحاله راحلا إلى مولاه وقد ترك علما ينتفع به واولادا صالحين يدعون له ، وأحباء وأصدقاء وتلاميذ نهلوا من علمه وتربوا على يديه يدعون له بالرحمة والمغفرة .
دمتم سالمين ,,,,,,