حالة من الخوف المشوب بالصمت والحذر والترقب تخيم على سكان العاصمة صنعاء بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم منذ اجتياح جماعة الحوثي للمدينة أواخر سبتمبر الماضي وحتى اليوم ، إذ أن عمليات اقتحام بعض منازل السياسيين والحقوقيين والإعلاميين وغيرهم من الشخصيات الفاعلة في الساحة اليمنية، واحتجاز وحبس وملاحقة عدد كبير منهم، ومصادرة أملاك آخرين التي باشر عناصر الجماعة تنفيذها عقب اجتياحهم للعاصمة صنعاء - بثت الرعب في نفوس الغالبية من سكان العاصمة وجعلتهم يلازمون بيوتهم ويلزمون الصمت تحاشيا لسطوة الجماعة ونقمتها عليهم والجحيم الذي ينشرونه في العاصمة .. في حين لجأت أعداد كبيرة من السكان إلى مغادرة منازلهم في العاصمة والعودة إلى مواطنهم الأصلية في الأرياف، وآخرون من ميسوري الحال انتقلوا بأسرهم إلى بلدان أخرى.
تمركز الجماعة
وينتشر المئات من مسلحي جماعة أنصار الله في مختلف أحياء وشوارع العاصمة صنعاء، ويتركز تواجدهم في العديد من المناطق الحيوية منها منطقة (الجراف) الواقعة شمالي العاصمة صنعاء، وكذا منطقتي (حزيز والخفجي) جنوبي العاصمة صنعاء، في حين ينتشر مسلحو الجماعة في كافة الشوارع والأحياء وذلك تحت مسمى (اللجان الشعبية) التي تتولى حماية العاصمة تحت مبرر وجود حالة من الانفلات الأمني .. ويؤكد العديد من الأهالي أن الجماعة استحدثت عددا من المقرات تطلق عليها مقرات (أنصار الله) وهي بمثابة أقسام شرطة حيث يلجأ إليها المواطنون لتقديم شكاويهم وبلاغاتهم المتعلقة بالجانب الأمني والتي يتولى أفراد الجماعة البت فيها، كما قامت الجماعة بطباعة وثائق رسمية تحمل اسمها وشعارها خاصة باستجواب المواطنين أمنيا وغير ذلك من الوثائق التي هي أصلا خاصة بالجهات الأمنية .. وبين الحين والآخر يشاهد السكان سيارات مدنية وأطقم شرطة تجوب الشوارع وعليها مجاميع من المدنيين مدججين بالأسلحة.
نقاط تفتيش
نصب أنصار الجماعة نقاط تفتيش في مختلف شوارع العاصمة صنعاء بما فيها الشوارع الرئيسية، وهي عبارة عن مظلات قماشية وكرتونية منصوبة بشكل عشوائي، الى جانب براميل حديدية وإطارات سيارات تالفة يرفعون عليها شعاراتهم منها شعار (الإجراءات الأمنية لكم وليست عليكم)، ويقومون بتفتيش السيارات وبعض المارة ممن يشتبهون به، وذلك بزيهم الشعبي المتمثل في الثوب والجاكت والجنبية، يتناولون القات ولا يلقون بالا للنظافة العامة حيث تجد المخلفات تحيطهم من كل مكان.
"لم تعد توجد لدينا رغبة في العمل في ظل تواجد اللجان الشعبية" هكذا يقول رجل شرطة السير حمدي عبد القدوس الذي يؤدي خدمته اليومية في إحدى الجولات الواقعة وسط العاصمة صنعاء، والتي لا تفصلها عن نقطة التفتيش التي نصبها من يطلقون على أنفسهم (أنصار الله) أو اللجان الشعبية سوى عدة أمتار .. ويضيف حمدي "والله أشعر بالخجل والخزي عندما أقف هنا ببذلتي الرسمية أنظم حركة السير، في حين هؤلاء - ويشير إلى مكان نقطة التفتيش التابعة لـ(اللجان الشعبية) يتقطعون للمارة بأساليبهم الهمجية ويتحرشون بهم على مقربة مني دون أن يكلمهم أو يردعهم أحد" .. ويتابع حديثة "كيف نسمي أنفسنا أمن ودولة والفوضى والانفلات الأمني يعم العاصمة صنعاء، ولا أحد منا قادر على حماية مواطن أو التصدي لأي حالة من الانتهاكات التي يتعرض لها الناس كل يوم .. أصبحنا محبطين وهيبتنا كشرطة أمن ودولة صارت مفقودة" .. من جانبه يقول أبو الحسن المهدي أحد أفراد أنصار الله المرابطين في نقطة التفتيش المجاورة: "نحن هنا من أجل حفظ الأمن وحماية المواطنين ونسهر ليلا ونهارا من أجل الناس لأن الدولة غائبة ولذلك نحن نقوم بالواجب بدلا عنها".
الصرخة
وحيثما اتجهت في العاصمة صنعاء يواجهك شعار الجماعة الذين يطلقون عليه (الصرخة) المتمثل في: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام" .. ويعمد أفراد جماعة أنصار الله الى لصق الشعار على أسلحتهم الشخصية ووضعه كخلفية هواتفهم وعلى زجاجات سياراتهم .. في حين لجأ العديد من المواطنين البسطاء منهم من عرف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين الى لصقه على سياراتهم وعلى واجهات منازلهم وذلك بهدف تجنيب أنفسهم سطوة الجماعة وبطشها.
الحياة اليومية
ورغم كل ذلك نجد أن الحياة اليومية في العاصمة صنعاء تسير بشكل طبيعي، فقد تقبل الكثير من السكان تواجد عناصر جماعة أنصار الله كشيء مسلم به و صاروا يستمعون لأوامرهم ونواهيهم القانونية ويحاولون التعاون معهم، في حين نجد البعض الآخر يرفضون التواجد الحوثي في المدينة مؤكدين أنهم لا يشعرون بالأمان في ظل تواجدهم، ويشيرون الى أنهم لا يمكن أن يقبلوا أن تحل جماعة مسلحة محل الدولة .. ويقول المواطن أصيل محمد عمر: "خرجنا الى الساحات في عام2011 مطالبين بإسقاط النظام وكنا نحلم بالتأسيس لدولة مدنية حقيقية بعيدة عن مفاهيم وأفكار الجماعات الدينية يسودها النظام والقانون قائمة على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم، لكن أحلامنا تحولت الى كوابيس فبدل النظام الظالم السابق صرنا محكومين من قبل ميليشيات همجية مسلحة" .
ويرى الكثير من المحللين اليمنيين أن جماعة الحوثي لن تستطيع إدارة الدولة اليمنية حتى لو هرب الرئيس نفسه من قصره وتمكنت من السيطرة عليه، وذلك لعدم امتلاك الجماعة رؤية ومشروعا واضحا لإدارة البلد، الى جانب عدم امتلاكها لكوادر قيادية مؤهلة قادرة على إدارة مؤسسات الدولة، بالإضافة الى عدم قدرة الجماعة على توفير نفقات الدولة التي تتجاوز الـ(8) مليارات دولار سنويا.
حال مؤسسات الدولة
وتواصل جماعة أنصار الله سيطرتها على المؤسسات والمقار الحكومية بشكل عام إما بفرض المسلحين في بوابات تلك المرافق أو باستصدار قرارات تعيين لأشخاص تابعين لها في مراكز حساسة في تلك المؤسسات ومن خلالهم يفرضون سيطرتهم على المؤسسة بشكل عام .. وشكلت الجماعة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء لجان تفتيش ميدانية تتولى النزول الميداني الى الوزارات والمؤسسات الحكومية بما فيها المؤسسات التابعة للجيش والأمن والقيام باستجواب المسؤولين فيها وإصدار التعليمات والتوجيهات لهم، وكل ذلك في ظل صمت مطبق من قبل القيادة السياسية والحكومة.
لجان المظالم والفساد
وعمدت جماعة أنصار الله الى استغلال بعض المظالم التي تعرض لها بعض الناس خلال السنوات الماضية وقدمت نفسها كبديل عملي لمؤسسات القضاء .. حيث راحت تستقبل شكاوى الناس وتحيلها الى لجنة قضائية تقوم بدورها بالبت فيها بشكل عاجل وسريع .. كما استحدثت سجونا خاصة بها تحتجز فيها كل من يخالفها أو يرفض أحكامها الصارمة .. كما أن للجماعة لجانا قانونية واقتصادية وغيرها وجميعها تتولى ما أسمته بكشف منابع الفساد ورصد وتوثيق جرائم الفساد وتقديم ملفات بذلك الى النيابة العامة واللجنة الوطنية لمكافحة الفساد.
انتهاكات:
وتتعدد الانتهاكات التي تمارسها عناصر الجماعة بحق المواطنين من سكان العاصمة صنعاء .. حيث تشير العديد من التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية اليمنية الى قيام عناصر جماعة أنصار الله ومنذ دخولهم العاصمة صنعاء بارتكاب عدد كبير من الجرائم شمّلت (مؤسسات حكومية مدنية وعسكرية، ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات إعلامية، بالإضافة مساجد، ومنازل سكنية، ومؤسسات طبية وتعليمية، ومقار حزبية) وغيرها .. منها اقتحام (26) مؤسسة تعليمية، و(29)مقرا حزبيا، و(5) مؤسسات طبية، و(62)منزلا سكنيا، و(35) مسجدا، و(15) مؤسسة مجتمع مدني .. ويمارس عناصر الجماعة عملية الاقتحامات في ظل غياب وصمت تام من الأجهزة الأمنية بشكل عام.
مصادرة الحريات
وكغيرها من المؤسسات الرسمية والخاصة تعرضت المؤسسات الإعلامية لعملية استهداف شرسة من قبل جماعة أنصار الله منذ دخولها العاصمة صنعاء .. وتؤكد العديد من المصادر الحقوقية أن الحريات الإعلامية في اليمن شهدت تراجعا كبيرا خلال الشهرين الماضيين، منذ بدء دخول المسلحين الحوثيين الى العاصمة صنعاء والسيطرة عليها، مشيرة أن اليمن لم يشهد انتهاكا للحريات الإعلامية والصحافية مثلما شهده الفترة الماضية منذ دخول الحوثيين العاصمة صنعاء من حيث العدد والنوع لهذه الانتهاكات ، كاشفة النقاب عن وقوع أكثر من (60) انتهاكا ضد المحلي والدولي خلال الشهرين الماضيين، شملت اقتحام مؤسسات إعلامية خاصة وحكومية والاعتداء أو التحريض على صحافيين وغيرها .. الى جانب تعرض نحو (41) صحافيا في صنعاء وخارجها للاعتداء الجسدي والاختطاف والتحريض ضدهم والاقتحام لمنازلهم والعبث بها ونهب بعض محتوياتها.
ونتيجة لذلك لجأ العديد من الصحافيين الى مغادرة صنعاء الى محافظات أخرى، بحثا عن الأمان وهروبا من الاعتداءات المحتملة عليهم من قبل المسلحين الحوثيين، كما أن العديد من الصحف والصحافيين والكتاب اضطروا الى تغيير سياستهم التحريرية في الكتابة والابتعاد عن المواضيع التي تزعج الحوثيين وتفادي المواجهة معهم حتى لا يتعرضوا لأي خطر من قبل مسلحيهم .. ويؤكد العديد من الناشطين والصحافيين أن واقع صنعاء اليوم ينذر بوقوع كارثة تتجاوز مأساة الأخطاء التي تصل بعضها لحد القتل والنهب والاعتداء على الشركات والبيوت ومكاتب الصحف والقنوات الفضائية.
مضايقة طلاب الجامعة
وسعى الحوثيون منذ اجتياحهم للعاصمة صنعاء لبسط سيطرتهم على جامعة صنعاء المجاورة لمقر (الفرقة الأولى مدرع) التي كانت تابعة للواء علي محسن الأحمر .. حيث قاموا بنشر العشرات من مسلحيهم (اللجان الثورية) في البوابات الرئيسية للجامعة وكذا في البوابات الخاصة بالكليات والذين بدورهم بدأوا يتدخلون في شؤون الطلاب وحرياتهم الشخصية، ويؤكد العديد من الطلاب تعرضهم للاعتداءات والمضايقات من قبل المسلحين وتلقيهم تهديدات بالتصفية وبطرق وأساليب مستفزة وذلك بشكل يومي.
وكشف القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي اليمني بالجامعة في بلاغ صحفي سابق عن تعرض العشرات من طلاب كليات الإعلام والآداب والتجارة والشريعة للشتم والتهديدات بالتصفية والاعتداء وتقطيع الملابس، خلال الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن 3 طالبات هددن بتقطيع الثياب تارة وتارة أخرى بخلع الثياب وثالثة بعدم السماح لهن بالدخول للجامعة بسبب لبسهن، كان آخرها حادثة الطالبة هبة الذبحاني التي أثيرت في وسائل الإعلام اليمنية مؤخرا والتي كشفت من خلالها تلقيها تهديدا من قبل مسلحي الحوثي بخلع سروالها إذا لم ترتد لباسا محتشما
مخاوف مستقبلية
وتثير عملية استمرار سيطرتهم على العاصمة صنعاء وتصاعد ممارساتهم القمعية بحق المواطنين مخاوف كثيرة من حدوث ردة فعل ناقمة من قبل المواطنين الذين قد يلجأون إلى الانتفاضة ضدهم، وهو الأمر الذي قد يستغل من قبل جماعات السنة والإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة للقيام بتنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية في البلد، وبالتالي تدخل البلاد في منزلق الفوضى الحرب الأهلية الطائفية وما يسمى بحرب العصابات، وتزداد العملية تعقيدا مع وجود الخصومات السياسية بين مختلف المكونات والأحزاب والقوى والجماعات الفاعلة في الساحة السياسية، أما الأمر الأشد خطورة فيتمثل في محاولات البعض من عناصر جماعة أنصار الله لفرض مذهبهم بالقوة واستمرار مضايقاتهم للمذاهب والجماعات الأخرى.
حزب الله اليمني
ويؤكد الكثير من المراقبين أن الحوثيين الذين يطلقون على أنفسهم أنصار الله، والمدعومين من إيران هم أتباع الطائفة الزيدية يسعون الى فرض أنفسهم في اليمن كجماعة مؤثرة مسيرة على المناطق الشمالية في البلاد كما هو حال جماعة (حزب الله) في لبنان .. وخاض الحوثيون منذ منتصف العقد قبل الماضي ستة حروب متتالية مع النظام اليمني السابق وذلك في معقلهم بمحافظة صعدة شمال صنعاء .. وفي العام (2011م) مع بداية الثورة الشبابية ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح تمكنوا من السيطرة الكاملة على محافظة صعدة، ثم واصلوا تمددهم حيث سيطروا بعدها على محافظة عمران القريبة من صنعاء، في حين سقطت صنعاء في قبضتهم في 21 سبتمبر الماضي ولا يزالون فيها حتى اليوم.