تشهد جماعة الحوثي حالة احتقان داخلية متصاعدة، خصوصاً منذ استيلائها على العاصمة صنعاء، وتمددها إلى محافظات عدة.
وفي هذا السياق تشير الوقائع إلى أن ثمة خلافات بينية، لم تصل إلى وسائل الإعلام، تعصف بصفوف جماعة الحوثي، مشيرةً إلى أن تلك الخلافات لا تزال في مرحلة البداية.
وظهرت تلك الاحتقانات بقوة عقب هيمنة الحوثيين على صنعاء، وتمكنهم من فرض أنفسهم على كل مؤسسات الدولة، حيث قاموا بفرض العديد من أعضاء الجماعة في عشرات المناصب والمواقع الوظيفية الحساسة.
ويتمثل الاحتقان داخل الجماعة، في تنامي الشعور بالغبن، والضيم، والعنصرية بين أتباعها، لدى الكثير ممن هم غير راضين عن التعامل الغير منصف مع أعضائها.
عين زعيم جماعة الحوثي منذ سيطرة جماعته على عدة محافظات بينها أمانة العاصمة، الكثير من عناصر الجماعة، في مواقع حساسة داخل الدولة، وكذا كمشرفين على المحافظات، والمناطق المختلفة.
لكن الملاحظ أن جميع من تم تعيينهم، محصورين على أُسر معيّنة، كآل الشامي، وآل المروني، وشرف الدين وغيرها، في حين أن هناك عوائل هاشمية حوثية أخرى ولها فضل كبير في تمدد الجماعة وتوسعها إلا أنها تشعر بالإحباط من العنصرية الموجودة داخل الجماعة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، أسرة آل العماد.
وهذا ما دفع العديد من قيادات وعناصر الحوثي إلى إبداء امتعاضهم من تلك التعيينات، والتي اعتبروها تعيينات عنصرية، حتى أن أحدهم، علق ساخراً عقب تعيين أحد المقربين من آل الشامي نائباً لرئيس هيئة الأركان العامة، مسميا الرئيس هادي " عبد ربه منصور الشامي"، في إشارة منه إلى تعيين الشامي في هذا المنصب،إلى جانب مناصب أخرى استحوذت عليها الأسرة ذاتها من بين الأسر الحوثية.
وفي هذا السياق، نذكر أن المشرف العام على اللجان الثورية في محافظة صنعاء، هو من آل شرف الدين، وعلى وجه التحديد نجل الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين، في حين يسعى الحوثيون لإصدار قرار بتعيين شخص من آل الشامي مسئولا في المؤسسة الاقتصادية اليمنية.
وفي محافظة ذمار، تم تعيين أبو عادل المروني مشرفاً على المحافظة، يقوم بمهام المحافظ، الأمر الذي أثار استياء حوثيو المحافظة، ودفعهم لزيارة عبد الملك الحوثي إلى صعدة، لمطالبته بتغيير أبو عادل، لكنهم فوجئوا بما لم يتوقعوه، وهو إصراره على بقاء المروني مشرفا على المحافظة، مع تأكيده أن هذا أمر لا نقاش فيه.
من أسباب الاحتقان داخل الجماعة أيضا، ظهور ما يمكن تسميته بالتهميش، لبعض الحوثيين حتى وإن كانوا سادة، في المحافظات التي استولى عليها الحوثيون.
ويتضح هذا من خلال تعيين مسئولين ومشرفين في تلك المحافظات، من خارجها، في حين أن هناك قيادات حوثية محلية، تمتلك الكفاءة، والقدرة على إدارة الأمور، فضلا عن كونها من أبناء المحافظات نفسها.
وإلى جانب ما ذكرنا سابقاً، من إصرار عبد الملك الحوثي على تعيين أبو عادل المروني حاكما لمحافظة ذمار، نجد الأمر ذاته تكرر في محافظة عمران، حيث تم تعيين قيادي حوثي رئيسا للجان الشعبية في المحافظة، وهو ينتمي مناطقيا لمحافظة صعدة، ومن المقربين من عبد الملك الحوثي، وهو أبو أحمد الحوثي، الأمر الذي دفع الكثير من قيادات الحوثي في عمران، إلى الشعور بأنهم غير موثوق بهم، وأن ثقة قيادة الجماعة محصورة على القيادات القريبة من عبد الملك الحوثي.
الأمر ذاته في محافظة صنعاء، وغيرها، حيث اقتصرت التعيينات الهامة، على قيادات مقربة من زعيم الحوثيين، رغم أنهم مغمورين، في مقابل وجود قيادات لهم باع طويل في مسيرة الجماعة، خلال العامين المنصرمين.
ومنذ دخول الحوثيين صنعاء، وانتقالهم إلى ميدان المساومة السياسية، والتفاوض على تقاسم المناصب والمواقع الوظيفية، كان الحضور الأبرز لقيادات قادمة من صعدة، رغم وجود قيادات حوثية، مدنية وسياسية، معروفة، ومتواجدة في صنعاء.
فمنذ دخول الجماعة إلى صنعاء، تم تعيين المئات من أعضائها في مواقع حساسة، لكن الأهم من ذلك أن معظمهم من القادمين من صعدة، بينما تم تجاهل، بحسب مصادر مقربة من الحوثيين، الكثير من الكفاءات المحسوبة على الجماعة من أبناء صنعاء.
لو رجعنا قليلا إلى ما قبل العام 2010، لوجدنا أن مسألة النظرة الاصطفائية ( العنصرية) داخل جماعة الحوثي، ليست وليدة الأحداث الأخيرة، وإنما هي قديمة، وخصوصاً منذ وفاة المؤسس الأول الراحل حسين الحوثي.
ونستدل على ذلك بإقصاء محمد عزان من قيادة الجماعة، رغم أنه من أبرز المؤسسين، وكذا الخلاف الذي برز بعد وفاة حسين الحوثي، بين عبد الملك الحوثي، وبين عبد الله عيضة الرزامي الذي كان من أبرز قيادات الجماعة إبان زعامة حسين الحوثي، لكن الخلافات وصلت حد المواجهة، وسقوط قتلى وجرحى من أتباع الجانبين، قبل أن تقوم إيران بوساطة بين الرزامي والحوثي، عاد على إثرها الرزامي إلى صعدة.
إضافة إلى ذلك الخلاف الحاد بين محمد عبد العظيم الحوثي، وبين حسين الحوثي، ومن بعده عبد الملك الحوثي، حيث يرى محمد عبد العظيم أن عبد الملك وجماعته جماعة مارقة تستحق الجهاد، في الوقت الذي ينظر عبد الملك الحوثي وجماعته لمحمد عبد العظيم وأتباعه نظرة عداء.
كما يستدل البعض على وجود العنصرية داخل الجماعة، بالغياب الملحوظ لرئيس المجلس السياسي صالح هبره، منذ بداية العام 2014، مقابل ظهور شخصيات كانت غير معروفة كثيراً حتى ذلك الحين.
كما أن قيادة الحوثي، استبعدت صالح هبرة، وقامت بتهميشه، رغم أنه يشغل موقع رئيس المجلس السياسي، مقابل ظهور شخصيات أخرى كانت غائبة، كالناطق الرسمي محمد عبد السلام، وكذا يحيى عبد الله الحاكم، والمعروف بأبو علي الحاكم، وشخصيات أخرى، رغم أن هبرة محسوب على تيار حسين الحوثي.
مؤخرا خرج القيادي الحوثي علي البخيتي ليعبر عن ذلك الخلاف والتمييز الحاصل داخل الجماعة، حيث أفاد في أكثر من مناسبة، أن استهدافه يأتي لكونه فرض نفسه، متهما قيادات حوثية أخرى بتعمد مهاجمته، وفي المقدمة الناطق الرسمي محمد عبد السلام.
وقال البخيتي في منشور على صفحته في " الفيس بوك "، عقب مهاجمته من قبل الناطق الرسمي لجماعة الحوثيين محمد عبد السلام، وقيادات حوثية أخرى : " تركت وحيداً أواجه المشكلات والأخطاء، سعى الكثير إلى تشويهي، مُنعت منذ أكثر من عامين من الظهور في قناة المسيرة بتوجيهات من محمد عبد السلام المتحدث باسم المكتب الإعلامي بسبب غيرته المفرطة من حضوري الإعلامي والسياسي وبالأخص منذ تعييني المتحدث باسم أنصار الله في مؤتمر الحوار، سلط عليّ زبانيته لمهاجمتي، وكان الهجوم عليّ وسيلة من وسائل التقرب إليه والعمل والترقّي في قناة المسيرة، تم منع بث برنامجين سُجلا معي -دون أخذ موافقته- قبل أكثر من سنة ونيف الأول مع ملاطف الموجاني والثاني مع حمود شرف الدين الذي أبعد من القناة بسبب أنه حُر, رفض الخضوع لمحمد عبدالسلام، فالولاء في القناة يقاس بمدى الولاء لمحمد عبدالسلام لا بمدى الولاء للسيد أو للمسيرة".
كما أن حالة سجال دارت بين الصحفي الحوثي أسامة ساري، وبين علي البخيتي، هاجم خلالها كلا الطرفين بعضهما، في حين اتهمت صحيفة الهوية التابعة للحوثيين، والتي يرأس تحريرها علي العماد، اتهمت علي البخيتي بأنه عميل لـ"عفاش" وأنه مكلف بتشويه " أنصار الله".
كل تلك المؤشرات تؤكد وجود حالة احتقان داخل الجماعة، أو ربما حالة من الاحتكاك والشعور بالغبن، نتيجة ميل قيادة الجماعة ناحية أشخاص، وأسر بعينها، وإهمال أخرى.
قبل حوالي أسبوع، قتل مسلحون حوثيون قادمون من محافظة صعدة، 2 من مندوبي الجماعة في محافظة ريمة، بينهم شخص كان متعصبا لجماعة الحوثي إلى درجة التطرف.
وأوضح أحد الناشطين على صفحته في موقع "فيس بوك" أن أحد القتلى كان "أكبر حوثي في ريمة واليوم قتلة حوثيين من صعدة".
وفي ريمة أيضا، تحدث أحد أتباع الجماعة، عن عملية إذلال تعرض لها وفد حوثيو المحافظة، أثناء ذهابهم إلى محافظة صعدة للقاء السيد عبد الملك الحوثي.
حيث أفاد بأن الوفد اضطر للانتظار قرابة أسبوع، وحينما التقى بهم، عاملهم باستعلاء، وازدراء، الأمر الذي فاجأ العديد منهم، ودفعه للتأكيد بأنهم " هاشميين"، وأنهم " ساده " لكن ذلك لم يشفع لهم.
كما ظهر مؤخرا من يصنف أتباع الجماعة إلى حوثيين موديل 2011، وحوثيين موديل 2014، بينما هناك حوثيون بموديلات قديمة، ممن عاشوا الحروب الست، وهؤلاء هم أصحاب الحظوة لدى قيادة الجماعة.
* قيادي حوثي من محافظة ريمة، قتله حوثيون من صعدة قبل أكثر من أسبوع.