دخلت اليمن فيما يمكن وصفه بـ"حرب المفخخات"، فبعد عام عصيب عاشه اليمنيون، تخلله صراع سياسي وعسكري بين المتمردين الحوثيين وخصومهم التقليديين، يبدو أن العام 2015 سيجمع الحوثيين والقاعدة في نهائي خالص ومدمر، أسلحته العبوات الناسفة والسيارات المفخخة.
واستهل اليمنيون العام الجاري بمزيد من الترويع، عبر عبوات ناسفة غزت أحياء سكنية ومدناً لم تكن تألف هذا النوع من العنف، حسب مراقبين، لتبث المزيد من الهلع في نفوس اليمنيين، خاصة أولئك الذين يقطنون بالقرب من تجمعات تتبع مليشيات الحوثيين.
ومنذ مطلع رأس السنة الجديدة، أوقعت مفخخات القاعدة خسائر فادحة في صفوف الحوثيين، إذ سقط عشرات القتلى والجرحى في عمليات متفرقة شهدتها محافظات إب وذمار والبيضاء (وسط)، بالإضافة إلى صنعاء العاصمة.
ورأى المحلل السياسي عبد الناصر المودع، أن "حرب المفخخات أمر طبيعي ومتوقع من قبل القاعدة ضد الحوثيين".
وقال المودع لـ"الأناضول": "هذا يرجع لطبيعة الطرفين اللذين يشكل طا منهما نقيضاً للآخر؛ فكرياً ومذهبياً وسياسياً، كما أن كل طرف يمد الآخر بشكل غير مباشر بالحياة والدعم".
وتختلف مليشيات الحوثي، التي تعرف نفسها بجماعة "أنصار الله"، عن تنظيم القاعدة، من حيث التكوين والهوية، فالحوثيون لديهم مناطق جغرافية معينة في محافظات الشمال ذات المذهب الشيعي، ومنذ سبتمبر/أيلول العام الماضي باتوا يسيطرون على صنعاء وجميع المحافظات الشمالية باستثناء "تعز" الواقعة جنوبي غرب البلاد، و"مأرب" الغنية بالنفط (شرق).
أما القاعدة فلا رقعة جغرافية محددة لهم، ويتنقل مقاتلوهم من محافظة إلى أخرى، وإن كان وجودهم أكبر في المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها أبين.
ومنذ أشهر، تخوض الجماعتان قتالاً شرساً فيما بينهما في محافظة البيضاء وسط البلاد.
وبينما أسقط الحوثيون عدداً من المحافظات بأيديهم دون قتال، وتوجهوا إلى أهم معاقل تنظيم "أنصار الشريعة" التابع للقاعدة في بلدة رداع، بحجة محاربة من يصفونهم بـ"التكفيريين"، استطاعت "أنصار الشريعة" استثمار التوسع الحوثي في شرعنة وجودها على الأرض، واستقطاب القبائل للقتال في صفوفها ضد الحوثيين، وشن هجمات مباغتة تستهدف تجمعاتهم في محافظات مختلفة ومنها العاصمة.
ورأى الكاتب الصحفي عبد العزيز المجيدي، رئيس تحرير صحيفة "الشاهد" (خاصة): أن "الحوثي بمثابة مغناطيس ضخم بالنسبة للقاعدة، تماماً كما وصفت نيويورك تايمز (الصحيفة الأمريكية) قبل أيام أنور العولقي (الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في اليمن، قتل في غارة أمريكية عام 2011) بأنه مغناطيس بالنسبة لأنصار التنظيم الإرهابي".
وقال المجيدي: "أينما ظهر الحوثي، كانت القاعدة تحصل على مسرح أفضل لممارسة جرائمها المفضلة".
وخلافاً للرأي السابق، يذهب باحثون إلى أنه لا يمكن القول إن هناك ارتباطاً شرطياً بين القاعدة والحوثيين، ولا إن وجود أي منهما حالياً يستدعي وجود الآخر، لأنهما موجودان قبل ذلك بكثير وبشكل منفصل.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي، أحمد العرامي، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن "ما لا يمكن نفيه هو أن وجود كل من القاعدة والحوثيين يعزز حضور الآخر ويقويه".
وعزز العرامي هذا الرأي بالقول: "توسُّع جماعة الحوثي في الخارطة الاجتماعية أكسب القاعدة خطاباً ومقاتلين ودعماً سنياً، في حين أن عمليات القاعدة وتواجدها أكسب الحوثيين خطاباً ودعماً سياسياً، أو تسهيلات وتواطؤاً رسمياً على الأقل، كما جرى في رداع، حيث شاركت قوات من الجيش والطيران الحربي اليمني والأمريكي بقصف معاقل القاعدة".
ويختلف أسلوب الجماعتين في إدارة معاركهما؛ ففي حين اتجهت القاعدة نحو "حرب المفخخات"، منذ انسحابها من رداع والعدين، وسط البلاد، يفضل الحوثيون المعارك المفتوحة، حسب مراقبين.
وبحسب العرامي، فإن القاعدة تفضّل أسلوب "العمليات السرية المباغتة"، وزادت من عملياتها من هذه الشاكلة منذ سقوط صنعاء في يد الحوثيين، في حين يفضّل الحوثيون المواجهات المباشرة؛ لامتلاكهم السلاح الثقيل.
وأضاف العرامي: "إذا كانت المواجهات المباشرة تعتمد على من ينتصر، فإن حرب المفخخات لا تعتمد على هذه النتيجة، القاعدة عابرة للمكان والزمان، وماضية في طريقها وفي حربها ضد ما تسميه الرافضة (الشيعة)، ولا أظن أنها ستتوقف في المدى القريب، إلا بتغيرات جوهرية، قد تقضي على القاعدة تماماً، أو تقلص وجود الحوثيين".
وخلافاً لتنظيم القاعدة الذي ينجح في اقتناص أهداف الحوثيين في محافظات مختلفة، ومنها صنعاء، تبدو جماعة الحوثي عاجزة عن تكبيد التنظيم الذي يعتمد على "المفخخات" خسائر كبيرة في الأرواح.
وتزداد مخاوف اليمنيين من المستقبل مع اشتداد معركة كسر العظام بين القاعدة والحوثيين، وماذا يحمل لهم العام الجديد من مفاجآت.
وقال المحلل السياسي المودع: "ازدهار وقوة الطرفين تشير إلى ضعف الدولة وتراجع الفعل السياسي، وبروز العنف والفوضى كملمح من ملامح الوضع العام في اليمن، وفي وضع كهذا أتوقع أن يكون عام 2015 أكثر عنفاً ودموية من الأعوام الماضية، إلا في حال حدثت معجزة وأعيد للفعل السياسي دوره بعد أن تم تغييبه من قبل الطبقة السياسية الرثة".
وبدوره، قال عصام الذبحاني، وهو طالب جامعي: إن "كل المؤشرات تقود إلى مستقبل مرعب وحرب طائفية ضحاياها من البسطاء ومواطنين لا علاقة لهم".
والذبحاني الذي بدا متشائماً إزاء مستقبل بلاده في ظل صراع القاعدة والحوثيين، أشار إلى أن "كثيرين من سكان العاصمة بدؤوا بالرحيل من الأحياء التي فيها مقرات للحوثيين، أو تجمعات لهم، باعتبارها باتت هدفاً رئيسياً للقاعدة، وقد يقعون فريسة بين جماعتي العنف في أي لحظة".