احمد صالج الفقيه
عندما بدأ في القاء خطابه كنت أعلم ان قناة دبي كانت ستعرض بعد قليل الفيلم الشهير عن مؤسس الفيسبوك. استمعت الى الخطاب لعدة دقائق وكان ما يقوله فظيعا بكل معنى الكلمة، والاسوأ من كل ذلك انه كان بأكمله كذبا. كنت اعلم انها ستكون وصلة هذيان طويلة كالعادة وان خلاصتها المهمة سينقلها مذيع او مذيعه في قناة ما بكلمات قليلة ، ولذلك اعفيت نفسي من عبء مكابدة هذيانه وحولت القناة.
من الواضح من النقاط الاربعة التي تشكل خلاصة خطاب الحوثي هو انه يريد تطويع اجهزة الدولة لخدمة اجندته ولاستكمال سيطرته على البلاد وهو ما سنتطرق اليه فيما بعد. ولكن لم يمض الا بعض يوم حتى ظهر الحوثي على حقيقتة كتابع للرئيس المخلوع علي صالح في التسجيل الذي اذاعته الجزيرة اضافة الى تبعيته لايران وحزب الله، فهذا الخادم الثلاثي الاسياد يثير الضحك عندما ينتفخ في هذيانه الخطابي فكما قال الشاعر: القاب مملكة في غير موضعها/ كالهر يحكي انتفاخا صولة الاسد.
لم تحقق هجمة 21 سبتمبر التي يصفها الحوثي بثورة الشعب اي شئ للشعب؛ فقد انخفضت اسعار النفط عالميا الى نصف قيمتها بينما لم تتزحزح في اليمن، فحتى الزيادة التي قبل بها الحوثي بقيت كما هي، ولم تتشكل حكومة كفاءات كما كان ينادي بل قبل بحكومة محاصصة سياسية، اما البند الاخير المتعلق بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني فقد اصبح الحوثي اكبر معرقل لتنفيذها الى حد محاولته تفصيل الدستور على مقاسه ،ورفضه للدولة الاتحادية التي وافق عليها 12 مكونا من اصل 14 مكونا شارك في مؤتمر الحوار.
حركة الحوثي وهجمته في 19 يناير الجاري تكاد تلغي كامل انجازات الشعب التي حققتها ثورة 2011 باعادته الرئيس المخلوع الى المسرح السياسي بقوة، كما قوضت هيبة الدولة وكشفت عداء الجيش للشعب وثورته وانحيازه المناطقي لقوى المرتفعات الوسطى، وانحيازه الكامل للفساد والفاسدين.
من جهة اخرى دقت هجمة الحوثي الاخيرة المسمار الاخير في نعش الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب بل والوحدة الوطنية في الشمال ايضا.
الوضع الاقتصادي واحتمالاته المفزعه
اوقفت دول الخليج مساعداتها لليمن ونقل عن مصدر سعودي قوله: ان بلاده لن تمول ايران عن طريق دعم حكومة يمنية يسيطر عليها الحوثي، ومن المتوقع ان تنخفض المساعدت الاوروبية والاميركية بدورها ان لم تتوقف بصورة كاملة نتيجة الارتهان الحوثي لايران.
ومن جهة اخرى ادت هجمة الحوثي الاولى في سبتمبر الى انخفاض مريع في عمليات استخراج النفط ، نتيجة مهاجمة ميليشيات الحوثي مكاتب شركات النفط والغاز في صنعاء من جهة، والهجمات الانتقامية على خطوط نقل النفط والغاز من جهة اخرى، بينما توشك هجمته الثانية على ايقاف تصدير النفط والغاز بصورة كاملة.
وليس لدي شك في ان رفض دول الخليج خفض انتاج النفط لدعم الاسعار هو احد تداعيات الهجمة الايرانية التي يقوم فيها الحوثي بدور مخلب القط. وهذا الانخفاض الكبير في اسعار النفط يشكل في حد ذاته كارثة مالية للحكومة اليمنية وضربة ثقيلة للا قتصاد اليمني حتى لو لم يتاثر انتاج النفط بتداعيات هجمتي الحوثي.
ما ذكر اعلاه سيؤدي لا محالة الى اتخفاض سعر الريال بصورة كارثية امام العملات الاجنبيىة، وهو ما من شانه اسقاط الشعب اليمني، في الشمال بصورة اكبر، في هاوية عميقة من الفقر والعسر الذي سيصل حد المجاعة، مع ما يجره ذلك من تداعيات على السلام الاجتماعي؛ عن طريق ارتفاع معدلات الجريمة والتفسخ الاخلاقي بكل انواعه، وتفاقم الفساد في اجهزة الدولة فوق ما هو عليه نتيجة انخفاض محتوم في المداخيل الحقيقية للموظفين والعسكر وجميع العاملين بأجر.
الاحتمالات الامنية الكارثية
كما اسلفنا فان استعجال الحوثي لهجمته الاخيرة يهدف الى الى استخدام اجهزة الدولة لخدمة اجندته ا اجندة اسياده، وتبرز في هذا السياق قضية اساسية مستعجلة هي استخدام القوات المسلحة لفرض سيطرته على مأرب. ولعل التهور الذي ظهربه الحوثي في هجمته الاخيرة يرجع الى ادراكه للآفاق المعتمة لمستقبل اجندته، ومن ثم اعتباره السيطرة على منابع الطاقة ومنشآت الكهرباء في مأرب مسألة مفصلية ستتيح له وقتا وامكانيات للمناورة قبل ان تحيق به الكارثة. لقد هددت القوى المناوئة للحوثي المحتشدة في مأرب ان مؤازرة القوات الحكومية المسلحة للحوثي سيكون من نتيجتها تدمير كامل المنشآت في المحافظة، ويبدو ان الحوثي يعتبر ذلك تهديدا غير قابل للتنفيذ في حالة تحرك الدولة بكامل قوتها للسيطرة على مارب، وتلك مقامرة يائسة بكل تأكيد خاصة وقد اصبح للقضية وجه مذهبي مناطقي. كما عبرت مظاهرات في تعز عن رفض الانقلاب الحوثي وكل ما يترتب عليه من اجراءات جملة وتفصيلا.
الجنوبيون من جهة اخرى اغلقوا جميع المنافذ الحدودية الشطرية السابقة مبدين استعدادهم للمقاومة المسلحة في حال تقويض سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي.
من جهة اخرى اصبح التمدد الحوثي اكبر حليف لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب من حيث توسعة حاضنته الشعبية وارتباط اكبر لحركاته مع المشاعر الشعبية الرافضة لتمدد الحوثي وهيمنته، وسيفاقم ذلك انبطاح الاحزاب السياسية امام املاءات الحوثي وهوما وشت به مداخلة للقيادي الناصري محمد الصبري في قناة الحدث الذي اظهر التاييد لبعض النقاط الاربع الحوثية مع رفض استخدام القوة. وتلك غمغمة انتهازية تضع قدما في كل معسكر، فكما قيل: من ركب فرسين شق من دبره.
ذلك كله يعني ان اليمن مرشحة بقوة للوقوع في حرب اهلية كاملة الاوصاف.
التداعيات الامنية الاقليمية
من الواضح ان المملكة العربية السعودية والدول الخليجية لن تقف مكتوفة الايدي امام احتمالات هجمة على غرار هجمة داعش على العراق، ومن المتوقع ان ياتي ردها على ثلاث مستويات:
الاول دعم القوى السياسية والقبلية المناهضة للحوثي بالمال والسلاح.
الثاني دعم التوجه الجنوبي نحو الانفصال ودعمه بالمال والسلاح والديبلوماسية وصولا الى فرض الدولة الجنوبية المستقلة في آخر المطاف.
الثالث التدخل العسكري المباشر جوا على الاقل لضرب مرتكزات القوة الحوثية عبر المساندة العسكرية المباشرة للحشد المناوئ للحوثي في كل من مأرب والجوف لتشكيل راس رمح يستهدف صعدة مباشرة.
التداعيات الامنية الاممية
على الرغم من ان البعض يتصور ان الولايات المتحدة الامريكية قد ترى في الحوثي حليفا ذا مصداقية في الحرب على القاعدة ومن ثم تتغاضى عن انقلابه على السلطة الشرعية، فان موقفا كهذا سيصب بالتاكيد في صالح القاعدة وهو ما لن يغيب عن الدولة العظمى، ومن جهة اخرى فان الموقف الاوروبي يبدو اكثر حزما في رفض ديبلوماسييهم الاعتراف باتفاق السلم والشراكة وتركيز بياناتهم على المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، وهو ما يشي بان موقفهم سيكون داعما للاجراءات التي ستتخذها السعودية ودول الخليج.
وختاما
ليس للحوثيين مأخذ على الرئيس هادي الا ايمانه الرسالي باليمن الجديد وتصميمه القاطع والشديد الوضوح على حقن الدماء، وايمانه بان الفيدرالية هي الطريق الى انهاء هيمنة بشعة بغيضة عمرها الف عام. ولم يجد الحوثيون في تسجيلات مكالمات الدكتور المختطف احمد عوض بن مبارك مع الاخ رئيس الجمهورية تسئ اليه الا مكالمة وحيدة نشروها، لان الرئيس تحدث فيها بنزق ونفاد صبر عن بعض المقربين منه، وذلك في محاولة من الحوثيين للاصطياد في الماء العكر.
ان اي قرارات تصدر باسم الرئيس من الآن فصاعدا، وهي تحمل مضامين مخالفة لمخرجات الحوار الوطني ستكون فاقدة للشرعية ،وستعتبر صادرة تحت الضغط والاكراه وهو ماعبر عنه متظاهرو تعز بالامس بكل وضوح.