أصبح جمال الدين بنعمر الذي ولد في العام 1957 بمدينة الناظور في المغرب، نجم الساحة اليمنية نظراً للأدوار التي قام بها في اليمن كممثل للأمم المتحدة ومستشار الأمين العام بان كي مون الخاص بالشأن اليمني.
ينحدر جمال بنعمر من قبيلة بني ورياغل الأمازيغية، وكان يعمل في بداية حياته في أحد الفنادق السياحية الكبيرة بمدينته.
في العام 1976 أعتقل بنعمر بسبب انتمائه لحركة سرية تؤيد انفصال الصحراء المغربية عن المملكة المغربية، وهي منظمة "إلى الأمام" اليسارية التي أسسها اليهودي المغاربي ابراهام السرفاتي والمرتبطة بجبهة البوليساريو الانفصالية، كما يوصف بنعمر من بعض أصدقائه بأنه مناضل يساري.
غادر بنعمر المغرب سراً إلى اسبانياً بعد اعتقاله في السجن لمدة 12 عاماً، ثم ذهب إلى فرنسا وبريطانيا حيث انضم لمنظمة العفو الدولية، ثم بعد ذلك انتقل إلى واشنطن لينضم إلى معهد كارتر الذي قفز به إلى الأمم المتحدة.
عمل بنعمر في الملف السوداني وملف العراق وأفغانستان وطاب بالعديد من الدول التي شهدت صراعات مسلحة أو غزواً أمريكياً، كبعوث للأمم المتحدة أو مسؤول مهم في فريق البعثات.
وانتهى به المطاف ليعمل مبعوثاً للأمم المتحدة في اليمن كوسيط في أزمة سياسية بين نظام الرئيس السابق والمطالبين بإسقاطه، الأمر الذي تكلل باتفاق نقل السلطة عبر التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
الأزمة اليمنية
بدت العاصمة صنعاء مساء الأحد 21 سبتمبر/أيلول 2014م، خالية من السكان عدى مليشيات جماعة الحوثي المسلحة التي تتواجد في المراكز الحكومية وعلى أسطح المنازل ،بعد انهيار شبه شامل لمعسكرات الجيش وتسليمها لجماعة الحوثي من دون قتال.
أحداث دراماتيكية لم يكن أحد يتوقعها، إذ لم تصمد صنعاء أمام مد المليشيات الحوثية سوى ستة أيام فقط، في حين كانت مدن ومناطق أخرى كدماج وعمران وحاشد قد صمدت صموداً أسطورياً أمام ذلك المد المليشاوي لمدة أشهر.
تهاوت الأجهزة الأمنية والمعسكرات ومقرات الحكومة بصورة مفجعة، وبدا الأمر وكأن الدولة سُلمت لجماعة الحوثي التي أنتشر مسلحوها بسرعة في كل أرجاء المدينة وبدأوا بوضع نقاط تفتيش خاصة بهم، واقتحموا المنازل والمؤسسات ونهبوا معدات الجيش والأسلحة والذخائر وذهبوا بها إلى مقر قيادتهم في صعدة.
وانحازت معظم القبائل السنية وحزب الإصلاح الإسلامي إلى السلم، بعد أن وجدت أن المؤامرة التي كانت تحاك ضدهم منذ شهور بدأت تطبق بحذافيرها، ولذلك خرجت أغلب قياداتهم من صنعاء ولجأت إلى عدم المواجهة، وسلمت مقراتها للأجهزة الأمنية والتي بدورها سلمتها لجماعة الحوثيين الذين عاثوا فيها نهباً وتدميراً.
ويشكك محللون من عدم إمكانية قدرة الدولة على تطبيق اتفاقية السلام والشراكة التي تم التوقيع عليها من قبل كل الأطراف السياسية بما فيها الحوثيون، بعد أن سيطر مسلحو الحوثي على أغلب مدينة صنعاء ومراكزها الحيوية، في حين يرى آخرون أن المشهد سيكتمل بتوقيع الحوثيين على الاتفاقية مع الرئاسة ومن ثم إعلان مرحلة جديدة بلاعبين جدد، مع ظهور خافت للاعبين السابقين.
جمال بنعمر مهندس المؤامرة
كان الشخص الأول الذي أشار على الرئيس هادي بمشاركة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني هو المبعوث الأممي للأمم المتحدة جمال بنعمر، حيث شارك في كثير من المفاوضات مع القوى السياسية وأقنعهم بضرورة حضور الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني.
وقد بدأ دور جمال بنعمر إزاء تطورات الأحداث التي يفتعلها الحوثي هنا وهناك دوراً مفصلياً، ففي الوقت الذي لم يكن يصدر منه أي تنديد بما يقوم به الحوثيون في دماج وحاشد وعمران، حيث كان يلجئ للبيانات الدبلوماسية التي لا يفهم منها شيء سوى أنه قلق على سقوط مشروعه القاضي بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم وتمكين الحوثيين من أحداها.
ظل الكثيرون يشككون من الدور الذي يقوم به جمال بنعمر، ففي حين اتهمته أطراف بأنه يلعب الدور السلبي في فرض واقع جديد لا يتناسب وثقافة وجغرافية اليمن، كان آخرون يمطرونه بالمدح كونه حقق لليمن انتصارات سياسية كبيرة أبرزها مؤتمر الحوار الوطني، وإقناع الكثير من قيادات النظام السابق بالتنحي عن الحكم حقناً للدماء.
لحظة اسقاط صنعاء
كانت مليشيات الحوثي تتوافد من كل المحافظات مجهزة بالسلاح الثقيل والمتوسط محيطة بالعاصمة صنعاء استعداداً لإشارة البدء باكتساحها، وكان جمال بنعمر يقبع في مجلس محافظ صعدة تاجر السلاح المعروف فارس مناع في انتظار موافقة الحوثيين لمقابلة قائدهم السيد عبدالملك الحوثي.
وخلال ثلاثة أيام خرج جمال بنعمر بمبادرة اتفاق جديدة قال أنها جاهزة للتوقيع لكنه انتظر مندوب الحوثي للتوقيع عليها حتى تم الاستيلاء على كل مفاصل الدولة بالعاصمة.
وأثناء اقتحام الحوثيين للعاصمة صنعاء وحصار قطاع التلفزيون الذي يقع فيه ثلاث قنوات حكومية (سبا والإيمان واليمن)، وما صاحبه من انفجارات وحرب ضروس في شوارع صنعاء، طرفها الجيش من جهة ومليشيات الحوثي من جهة أخرى، خرج جمال بنعمر في تصريح صحفي مقتضب يعلن فيه عن بالغ قلقه جراء تفجر الوضع في الوقت الذي توصل لاتفاق تسوية مع الحوثيين.
لم يصدر عن بنعمر أي توضيح بعد ذلك، وانتظر حتى تم اسقاط صنعاء بأيدي الحوثيين، حيث كان يقف بجوار الرئيس صالح وبعض القوى السياسية في دار الرئاسة ينتظرون ممثلي الحوثي للتوقيع على الاتفاقية وكانت مليشيات الحوثي تقتحم المعسكرات والمقرات الحكومية في كل أرجاء صنعاء.
وتثير الكثير من الشبهات حول دور جمال بنعمر في تسليم صنعاء وتمكين الحوثيين من القرار السياسي في البلد، ويقول مراقبون أن جمال بن عمر أبرز المسؤولين المباشرين عن المؤامرة منذ البداية وهو حلقة الوصل بين الداخل والخارج في خلية إسقاط صنعاء.
وقال المحلل السياسي اليمني رياض الأحمدي " أن جمال بنعمر هو من أدخل الحوثيين مؤتمر الحوار الوطني دون عمل شروط بتسليم السلاح، ثم كان مهندس لجان الوساطة الرئاسية التي يسميها هادي إذ تخلى الأخير عن دور الدولة ولعب دور الوسيط بين الحوثيين من جهة وبين الجيش والقبائل من جهة أخرى".
وأوضح رياض الأحمدي في تصريح خاص "أن الرئيس هادي كان يمثل العنصر المحلي، وجمال بنعمر يمثل العنصر الخارجي في المؤامرة التي انتهت بموجبها صنعاء إلى الحوثيين".
واضاف الأحمدي "الحقيقة كان هناك جهاز إعلامي كبير يقدم بنعمر كمطفئ للحرائق وهو سحب البساط من التدخل الخليجي ورفع من شأن الحوثي والحراك الجنوبي الانفصالي، بل أصبح الاتفاق الأخير انتصاراً تاريخياً لجمال بنعمر".
وسخر ناشطون من دور جمال بنعمر في اليمن، حيث قالوا أن بنعمر اقترح على الدولة نزع الأسلحة من المليشيات المسلحة، لكنه ساهم بمساعدة المليشيات الحوثية في نزع الأسلحة من معسكرات الدولة، في إشارة إلى حالة النهب التي عمت أرجاء المعسكرات في العاصمة صنعاء من قبل جماعة الحوثي بعد السيطرة عليها.
سيناريو معد مسبقاً
يرى الكثير من المحللين والمراقبين للوضع اليمني، أن سقوط العاصمة صنعاء التي تعج بالمعسكرات والأجهزة الأمنية أمام مليشيات قبلية مسلحة بتلك السرعة وتلك الطريقة الدراماتيكية يثير الكثير من الشك حول الفاعل الحقيقي لمؤامرة إسقاط العاصمة.
ويقول المحللون، أن معسكرات الجيش المرابطة في أطراف العاصمة صنعاء من الشمال والجنوب وعلى الجبال المحيطة بالعاصمة كانت قادرة أن ترد على الحوثيين وتعيدهم إلى جبال مران، لولا أن هناك على ما يبدو قراراً سياسياً من أعلى الهرم أمرها أن لا تتدخل في المعركة، وأن تترك المليشيات الحوثية تجتاح صنعاء.
وقال جنود كانوا يقاتلون في صفوف القوات المكلفة بحماية التلفزيون اليمني، أن وزير الدفاع زارهم بعد يوم من القصف على التلفزيون وأمرهم بالتحلي بالصبر وعدم الرد على القصف الحوثي حتى يتم الوصول إلى اتفاقيات سلام وتجنيب اليمن مخاطر الحرب.
وأكدت مصادر خاصة، أن القيادات العسكرية العليا أبلغت حماية المنشآت الحيوية في العاصمة صنعاء ومراكز الشرطة والأمن وقيادة الدفاع والأركان والبنك المركزي أن يتعاملوا مع مليشيات الحوثي بحكمة وأن لا ينجروا للمواجهة حتى لو حاول الحوثيون السيطرة على تلك المنشآت، وهو الأمر الذي تم، فقد هاجم المسلحون الحوثيون تلك المقرات ولم يجدوا أي مقاومة من قوات الحماية الحكومية الأمر الذي دفعهم لدخولها بسلام.
وتشير الكثير من المصادر، أن خطة محكمة جرى ترتيبها قبل اجتياح العاصمة صنعاء من قبل الرئيس هادي وشركاء آخرين في الحكم برعاية أممية يقودها مندوب الأمم المتحدة جمال نعمر، بهدف الانقضاض على حزب الإصلاح الإسلامي ( حركة الإخوان في اليمن) وتوريطه في معركة ضد الحوثيين في حين تقف الدولة موقف المحايد إزاء تلك المعارك مع ضرورة تقوية الحوثيين لإنهاء الإصلاح بشكل نهائي، بالإضافة إلى إسقاط جامعة الإيمان التي يدريها رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ عبدالمجيد الزنداني، وإسقاط الجيش الموالي للثورة الذي كان يرأسه اللواء علي محسن الأحمر.
وأكدت المصادر، أن حزب الإصلاح فطن لتلك اللعبة التي تهدف لإسقاطه نهائياً، وحاول الهروب من تلك المواجهات ووجه أفراده بعدم الخوض في أي معارك مع الحوثيين، كون الدولة هي المخولة بالدفاع عن مقراتها الحكومية ومعسكرات الجيش، الأمر الذي جعل الرئاسة تسلم للحوثيين بدون قتال بعد أن فشلت خطة إسقاط الإصلاح.
ويقول سياسيون، أن الهدف من إسقاط صنعاء بأيدي الحوثيين ومن ثم التوقيع على اتفاقيات سلام وشراكة سياسية، هو تشكيل خارطة طريق جديدة يكون فيها الرئيس هادي هو الطرف الأقوى بمعية الحوثيين، في حين يتم إضعاف جبهة حزب الإصلاح الإسلامي وإعطائه تمثيل في الهامش.
ويزيد من شكوك الكثير من المواطنين اليمنيين، هو أن صنعاء في الوقت الذي كانت تتطاير فيها الشظايا والقذائف من كل مكان، كانت السفارات الغربية والبعثات الدبلوماسية تمارس مهامها من دون أي خوف أو وجل من تفاقم الأوضاع في العاصمة، بل لم تحذر أي دولة من تلك الدول رعاياها من السفر إلى اليمن بحجة الأوضاع الأمنية، الأمر الذي يؤكد أن هناك تطمينات لدول الغرب أن الحوثيين يقفون ضمن المشروع الجديد الذي يدير صناعته المبعوث الأممي للأمم المتحدة جمال بن عمر.
حزب صالح
عند وقوع أي أحداث كبيرة، عليك بالذهاب إلى الطرف المستفيد من تلك الأحداث، هذه القاعدة تجعلنا نطبقها على واقعة سقوط صنعاء بيد الحوثيين، حيث أن هنالك أطرافاً سياسية أفرحها خبر سقوط صنعاء وملاحقة قيادات حزب الإصلاح واقتحام منازلهم.
أبرز تلك الأطراف، هو حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث تؤكد الكثير من الدلائل أن الرئيس صالح من أكبر المتهمين بدعم مليشيات الحوثي بالسلاح والعتاد ورجال القبائل بدءاً من سقوط مدينة "حاشد" معقل أكبر القبائل اليمنية، ومروراً بإسقاط مدينة عمران ومعسكر اللواء 310 مدرع، وصولاً إلى إسقاط العاصمة صنعاء.
ويزيد من صحة تلك الاتهامات، أن كثير من القبائل المنتمية لحزب صالح كانت مشاركة وبقوة في المسيرات والاعتصامات المسلحة التي أقامها الحوثيون على مداخل العاصمة صنعاء، وكان شعار المؤتمر يرتفع مع شعار الحوثيين في آن واحد، في ظل إفساح مساحات كبيرة في وسائل إعلام صالح لتغطية أخبار تلك المخيمات.
ويرى كثيرون، أن صالح أراد أن ينتقم من الثورة الشبابية السلمية التي أسقطته من الحكم عام 2011م، ولم يجد من يحقق هذه الهدف سوى جماعة الحوثي، ولذلك اصدر أوامره للقيادات القبلية الانضمام إلى اعتصامات الحوثيين ودعمهم بالمال والسلاح وشجع على إسقاط صنعاء وحكامها الجدد بما فيهم الرئيس عبدربه منصور هادي الأمين العام لحزب صالح.
نقلا عن مجلة " الـبـيـــان"