ياسر حسن
تأريخ جديد لواقع الأزمات السياسية المعقدة في اليمن يصنعه مطلقو النكتة السياسية هناك، أبطاله شخصيات الواقع السياسي المأزوم، القدامى منهم والجدد الذين ظهروا في طبعات جديدة لاستيلاد “ابتسامة الوعي” في المشهد السياسي القاتم، أملا في التنفيس وعدم الاستسلام لكآبة العجز.
من بين الرائج في بازار النكتة السياسية في اليمن هذه الأيام أن زعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي أصدر قرارا باستبدال النشيد الوطني اليمني بأغنية المطرب المصري إيهاب توفيق “الله عليك يا سيدي”.
أما رئيس المجلس الثوري للحوثيين محمد الحوثي فقد وجد له مكانا أيضا في هذا البازار، وأصبح نجما للنكتة المحكية والمكتوبة والمصورة في اليمن ودبلجت صوره، لتشبهه تارة بأبطال مسلسلات الكرتون، وتارة بالإمام أحمد حميد الدين.
ومما قيل عنه إنه “كان يعمل بائعا للقات وإن أول قرار له هو تخفيض أسعاره”، وقيل أيضا “إن أول زيارة قام بها هي تفقد أوضاع أسواق القات في صنعاء”.
ولم يغب الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي عن المشهد “الضاحك المبكي”، فقد استحدث صانعو النكتة اليمنية حكاية تقول “إن مواطنا اتصل بهادي يخبره أن الحوثيين أخذوا محافظات الحديدة وذمار وإب، فيما الاتفاق كان أخذ صنعاء فقط، فرد هادي قائلا كان عرضا خاصا أن يسقطوا صنعاء ويحصلوا على باقي المحافظات مجانا”.
ولم يسلم المبعوث الأممي جمال بن عمر هو الآخر من منتجي النكات اليمنية الذين لقبوه بـ”شيخ مشايخ اليمن”، ووضعوا صورا مدبلجة له وهو يرتدي الزي اليمني ويتناول القات.
وما سبق ذكره مجرد عينة من آلاف النكات السياسية الرائجة في الشارع اليمني، باعتبارها متنفسا للشعب في زمن الأزمات المعقدة التي تعانيها بلادهم، وازدهر فيها هذا النوع من التنفيس منذ الثورة الشبابية على نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وامتدت إلى الانقلاب الحوثي.
أدوار ووظائف:
وترى أستاذة علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز ألفت الدبعي في النكتة السياسية “تنفيسا ونوعا من الحرب النفسية والإعلامية تمثل وعيا سياسيا من نوع جديد، كان له تأثير كبير في وعي الناس، وألغت حالة التزييف التي يمارسها أي طرف سياسي ضد آخر، ولسهولة انتشارها وتوافقها مع نفسية اليمنيين استطاعت أن تشكل الوعي بطريقة أسهل”.
وتوقعت الدبعي استمرار النكتة السياسية “وأن يصبح لها وزن كبير، كونها نمطا مؤثرا وموجودا بكثرة، غير أن نسبة تأثيرها والاستفادة منها مرتبطان بطبيعة النظام الذي يأتي للحكم”.
من جانبه، قال الصحفي منصور الجرادي -مؤلف كتاب “النكتة في الثورة اليمنية”- إنه خلال “ثورة التغيير كان هناك تركيز كبير على النكتة، كنوع جديد من وسائل النضال السلمي ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على انتشاره، مما أتاح للمواطن التعبير عن مكنوناته، وصار للنكتة قاعدة جماهيرية واسعة”.
ويرى أن النكتة “لم تستثن أحدا”، وركزت على من يحكم “لكنها لم تهمل المعارضين، وعملت على مسايرة الأحداث أولا بأول، ومؤخرا تم تداول آلاف النكات ضد الحوثيين وقادتهم لتصدرهم المشهد السياسي، كما شملت أيضا الجانب الاجتماعي وهموم الناس”.
ويعتبر الجرادي النكتة السياسية “مصدرا مهما لتوثيق تاريخ الثورة اليمنية، حيث واكبت الأحداث بدقة, ولم تكن خيالية، بل كانت حقيقية وصادقة بنسبة كبيرة جدا، وتحدثت عن أحداث حقيقية وأشخاص حقيقيين”.
جلد الخصوم :
أما رسام الكاريكاتير رشاد السامعي فيقول إن اهتمام الناس بأوضاع البلاد جعلهم يتناقلون الفكاهات السياسية “فالنكتة تخبرهم بحدث جديد أو أمر مثير للاستغراب، كما أنهم يستخدمونها وسيلة لجلد الخصوم والمسؤولين، أو يعبرون بواسطتها عن سخطهم إزاء حدث ما”.
ويضيف أن بعض الناس “يشعرون بأنه بمجرد تأليفهم للنكات أو إرسالها فإنهم قد استطاعوا التعبير عن آرائهم دون خوف، ويعتبرون تفاعلهم مع المواضيع الساخرة أمرا ضروريا، فيسعون للحشد الساخر من خلال نشر تلك النكات بين أكبر عدد من الناس، فتصبح السخرية الجماعية حالة دفاعية أو انتقامية، وتتكون عبرها قناعة ورأي موحد تجاه الأحداث”.
وبشأن الرسم الكاريكاتيري قال السامعي إنه أصبح “أداة قوية للفت الأنظار وتوجيه الرأي العام، وأصبح السياسيون يخشونه لما يخلفه لهم من أذى، فالكاريكاتير إلى جانب قدرته على النقد اللاذع يمتلك قدرة على الانتشار السريع، كما أنه يوثق لما يدور بالساحة ويختزل الأحداث الكبيرة في مساحته الصغيرة”.
المصدر : الجزيرة