الرئيسية - تقارير - ملامح الوجه الجديد للسياسة السعودية

ملامح الوجه الجديد للسياسة السعودية

الساعة 06:14 مساءً (هنا عدن- نون بوست)

حاول كثير من خبراء السياسة تعريف الملك الراحل عبدالله بـ "كلمنيس الشرق الأوسط" - كليمنس مترينش رجل الدولة النمساوي والمهندس التقويضي الذي حاول تقويض الثورة الفرنسية وماتلاها من ثورات أوروبية وإعادة بناء موازين القوي الأوروبية بشكل كلاسيكي كما كانت عليه قبل تلك الثورات -، فالملك عبدالله حشد جميع قواه ليقوم بما قام به كلمنيس؛ فهو الذي أعلن حربه ضد ثورات الربيع في أول عتباتها، فكان المستقبل الوحيد لزين العابدين بن علي، وكان المخطط الأكبر لانقلاب مصر، وكان الداعم المالي الأكبر لحزب نداء تونس الفلولي، ولكن بعد موته وتولي الملك سلمان الحكم ظهرت بعض التغيرات في سياسة السعودية تجاه الأحداث الجارية في المنطقة وخاصة مناطق الربيع العربي والعناصر الداعمة له مثل تركيا وقطر.

سياسة الملك عبدالله الراحل كانت مبنية على الخشونة والقسوة وعدم الانسيابية وقصر البصيرة، حيث كانت أفشل سياسة يمكن أن يراها التاريخ العربي، فبعد الدعم الخليجي الضخم بقيادة السعودية للانقلاب المصري مازال نظام الانقلاب يترنح والأزمة الاقتصادية في مصر في زيادة والفوضي الكبيرة التي سببها الانقلاب المصري مستمرة والحراك الشعبي المصري يفيد بأن هذه الفوضي والثورة لن ينطفي لهيبها إلا بزوال الانقلاب الذي أصبح أقرب للسقوط، وهذا ما يجعل خسارة السعودية المالية والشعبية تزداد، كذلك تقاعس الملك عبد الله في دعم الجيش الحر إلى جانب قطر سبب خروج مجموعات إرهابية (داعش) راديكالية أصبحت تشكل تهديدًا خطيرًا للحدود الشمالية للملكة، أيضًا لمنع حزب الإصلاح الإخواني اليمني من تقاسم السلطة في اليمن، تعاونت السعودية مع الرئيس المخلوع عبدالله صالح وأصغت له بعدم دعم الجيش الوطني ضد الحوثيين؛ مما جعل الحوثيين يسيطرون على اليمن كافة، رافعين لواء إيران الصفوي ومشكلين تهديد جد خطير على الحدود الجنوبية للملكة، وأخر محطات الفشل كانت بالتعنت والتناكف في قضية التعامل مع قطر الداعمة للمقاومة وثورات الحرية، وبسبب هذا التعنت أصبح مجلس التعاون لدول الخليج على شفا حفرة من التفكك لولا تدخل الكويت دبلوماسيًا وتعامل قطر مع الموضوع بحنكة وبراغماتية.



كما رأينا اتسم عهد الملك عبدالله بالسياسة الفاشلة والغير عقلانية، ولكن الصورة الأولية التي رسمها الملك الجديد سلمان فور تسلمه مقاليد الحكم تبشر بالخير وبسياسة إستراتيجية عقلانية، والمؤشرات لتلك السياسة يمكن ذكرها كالتالي:

- ترجيح قبول زيارة أردوغان، رئيس الدولة الأولي الداعمة للربيع العربي، مقابل التضحية  بزيارة رئيس الانقلاب السيسي الذي أعلن أنه سيقطع زيارته في مؤتمر دافوس القائم في سويسرا آنذاك، ولكن بعد رفض السعودية لزيارته أعلنت وسائل "البعبعة" الانقلابية أن سوء الأحوال الجوية حالت دون سفر السيسي للسعودية، وهذا أكبر مؤشر علي تغير وجه السياسة السعودية التي كانت تعتبر تركيا من ألد أعدائها ومنافسيها في منطقة الشرق الأوسط، فبعد أن تسلم الملك سلمان القيادة أراد أن يعبر عن نفسه بأنه رجل يدعو إلى وحدة الأمة وليس تفريقها، وكذلك أنه رجل براغماتي ورجل يريد بوضوح تغيير المسار الذي تسير عليه السياسة السعودية، بحيث يمكن للسعودية السير بجانب تركيا للتصدي للمخاطر التي تهدد المنطقة، وبإمكان السعودية اللعب مع شقيقتها أي تركيا لعبة 1زائد 1 أي أن تكون كلا الدولتين الشقيقتين في خط سير متوازي للتفوق سياسيًا واقتصاديًا ولإنقاذ المنطقة من المستنقعات التي سقطت بها بعد اتباع الملك عبدالله قاعدة لعبة  0 زائد 1 - بمعني أن تكبر دولة علي حساب الأخري - للقضاء علي دور ونفوذ تركيا في المنطقة والمحافظة على النفوذ السعودي قوي، وظهرت قواعد هذه اللعبة بوضوح في مصر حيث دعمت تركيا الثورة ودعمت السعودية الانقلاب.

- تغيير الملك سلمان لعدد من الوزراء والمسؤولين القدامى، يؤكد أيضًا على نيته في رسم نوعية جديدة من السياسة خاصة بعد إقالته أغلب المستشاريين المؤيدين للانقلاب المصري وتقويض الثورات العربية بشكل عام.

- تصريحات الملك الجديدة تجاه الإخوان والتي قال فيها إن السعودية ليست عدوة للإخوان كتنظيم بل هي عدوة لبعض عناصر الإخوان والتي لم يذكرهم، إلا أن ذلك يدل على انسيابيته واستعداده لإعطاء الفرصة للإخوان من جديد في مصر واليمن وغيرها من بلدان الربيع التي ضاعت وغرقت بالفوضي والفساد والمخاطر بعد محاولة تقويض الثورة والديمقراطية الوليدة في تلك الدول.

علي الرغم من أن أقرب الدول للسعودية قبل موت عبد الله كانتا الإمارات المتحدة والكويت، إلا أن أول زيارة خارجية رسمية تقوم بها السعودية كانت لقطر، والتي قام بها ولي ولي العهد السعودي، ولهذه الزيارة دلالة أخرى على سعي السعودية لإحداث تغيير في قطبها السياسي ومنهجها الخشن الداعم للانقلابات على الثورة إلى منهج انسيابي يعطي الفرصة للشرعيين القادمين للحكم عن طريق الديمقراطية.

كخلاصة أقول تحليلي هذا عبارة عن رؤية أولية للصورة التي ظهرت على وجه السياسة السعودية بعد استلام الملك سلمان الحكم، كما وأتمني أن تكون هذه هي الصورة التي يريد الملك سلمان إعطائها للمنطقة لإنقاذها من العثرات التي وقعت بها نتيجة جهل الأخرين بالسياسة وأحكامها.

 

 

جلال سلمي

خريج علاقات دولية وعلوم سياسية جامعة توب بأنقرة، يعمل حاليًا في مركز أبحاث أتاتورك الإستراتيجية.