مع استئناف عبد ربه منصور هادي عمله كرئيس للجمهورية اليمنية، اصبح واضحا انه تمكن من قلب حسابات الانقلاب الحوثي، خاصة انه أكد مجددا التزامه باستكمال العملية السياسية وفقا للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية التي رعتها دول مجلس التعاون الخليجي عام 2011 لنقل السلطة والتي سمحت لسلفه علي عبد الله صالح بالتنحي.
وكان هادي قدم استقالته الشهر الماضي بعد استيلاء المسلحين الحوثيين على القصر الرئاسي وفرض الإقامة الجبرية عليه في صنعاء في صراع على السلطة بعد اشهر من التوتر بسبب خلافات حول مسودة الدستور. لكن البرلمان اليمني لم يجتمع لقبول الاستقالة حتى تصبح نافذة طبقا للقوانين اليمنية.
وبالرغم من دعوة هادي إلى الإفراج عن رئيس الحكومة خالد بحاح ومسؤولين حكوميين آخرين ما زالوا قيد الاقامة الجبرية في منازلهم ليستأنفوا مهامم، الا ان تقارير توقعت امس ان يعلن تشكيل حكومة مؤقتة تمارس عملها من عدن كعاصمة مؤقتة لليمن، مع اعلان صنعاء عاصمة محتلة بهدف ملء الفراغ السياسي في البلاد.
واذا صحت الأنباء حول قيام الحوثيين بخطف احد اقارب الرئيس هادي، فانها ستكون مؤشرا على اصرارهم على المضي في الطريق الخطأ الذي أوصلهم إلى هذا المأزق.
فقد اصبح هادي بشرعيته من يفرض الحصار عليهم، بعد ان حاصروه في القصر الجمهوري، ثم في بيته الخاص، واجبروه على توقيع استقالته كما اضطروه الى توقيع اتفاق للشراكة تحت قوة السلاح في شهر أيلول/سبتمبر الماضي.
ولعل اكثر ما يحتاجه الحوثيون اليوم هو التوقف واعادة النظر في نهجهم المتهور والمتعجرف، منذ ان ركبوا الانتفاضة الشعبية ليحولوها الى انقلاب عسكري بالتعاون مع الحرس الجمهوري بقيادة احمد علي صالح نجل الرئيس السابق. عليهم ان يقروا بان السيطرة على منازل المسؤولين او خطفهم ثم مواجهة المظاهرات الشعبية المعارضة لهم بالرصاص الحي ليست اعمالا ثورية بل ديكتاتورية انقلابية.
ولو كانوا اكتفوا بدخول صنعاء، وامتنعوا عن اغتصاب السلطة بالقوة لاحتفظوا بالدعم الشعبي الذي مكنهم من تحقيق كل هذه المكاسب في وقت قياسي.
صحيح ان هروب هادي لا يغير موازين القوى على الارض، وان اي تسوية سياسية لا يمكن ان تتجاهل الواقع الجديد الذي خلقه الحوثيون، الا انه سيضطرهم الى التخلي عن أوهام القوة التي صورت لهم أن بامكانهم أن يحكموا البلاد وحدهم.
لقد سقطوا بامتياز في اختبار الحكم في أعين كثيرين، سواء من جهة النزاهة أو الحريات أو المشاركة السياسية. اذ وبالرغم من قصر الفترة التي تولوا فيها الحكم عمليا في صنعاء فقد بدأت تلاحقهم شبهات الفساد مع اختفاء كميات كبيرة من الذهب والاموال.
وسياسيا، بعثت «القيادة العائلية» لحركة «انصار الله» الحوثية الرسالة الخطأ لليمنيين بشأن صدق نواياهم تجاه التحول الديمقراطي، خاصة انها لم تعلن ابدا تأييدها لثورتي سبتمبر واكتوبر، ما أثار المخاوف من دفعهم باتجاه عودة الحكم الملكي.
الواقع ان كافة الاطراف، وليس الحوثيين فقط، مطالبون بمراجعة مواقفهم، ومنهم الامم المتحدة التي تحول مبعوثها الخاص جمال بن عمر الى جزء من المشكلة وليس الحل، عندما أسهم في شرعنة الانقلاب اولا عبر رعاية حوار تحت قوة السلاح، ثم الشروع في تطبيق ماسمي بـ «الاعلان الدستوري» الذي اصدره الحوثيون.
وفيما بدا محاكاة لفشل مبعوث جزائري آخر هو الاخضر الابراهيمي لكن في سوريا، استمر بن عمر في الاحتفاظ بمنصبه وامتيازاته، حتى بعد ان ادرك أنه تحول الى «شاهد زور» على اتفاقات يتم التوصل اليها بقوة التهديد والسلاح وليس قوة الحجة والاقناع.
أما الدول الخليجية فقد حان لها ان تستوعب الدرس بان تتعامل مع اليمن كدولة وليس كقبيلة. يجب عليها ان تعتمد لغة تفاهم ابعد من الهبات لشراء الولاءات الشخصية والقبلية، وهو المنهاج الذي دأبت عليه عقودا طويلة، ما ادى الى تقوية القبائل واضعاف الدولة وبالتالي الوصول الى هذه الحالة.
ولا يكاد يجرؤ اي مراقب على التفاؤل وهو يرى ان المشهد اليمني المعقد اصلا ازداد تعقيدا، بل سيذهب البعض الى ان عودة هادي ربما تكرس تعقيد الوضع في اليمن. لكن نظريا يمكن ان تفتح عودة هادي نافذة للتحرك في اتجاه إنفراجة، بشرط ان يحسن توظيفها، إلا أن التسوية تحتاج الى توافق اقليمي لم ينضج بعد، بل ولا تبدو له بوادر في الأفق.