منذ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى في الرابع عشر من شهر يوليو/ تموز الجاري، وعين المراقب على المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها طهران من رفع العقوبات القاسية التي فرضها الغرب عليها "لمنعها من إنتاج سلاح نووي" قبل عدة سنوات مفتوحة.
دول الخليج العربي رحبت بالاتفاق النووي على أساس التزام إيران بأدبيات العلاقات السياسية وعدم التدخل بشؤون دول الجوار من الناحية السياسية؛ إلا أن الجانب الاقتصادي في الاتفاق النووي هو الأكثر أهمية بالنسبة لطهران صاحبة الاحتياطي الرابع من النفط على مستوى العالم، وتربعها على الاحتياطي الثاني الأكبر من الغاز الطبيعي، مما يعني عملياً عودتها إلى منافسة دول الخليج وخصوصاً السعودية وقطر في أسواق الغاز والنفط.
- دبي.. نافذة طهران التجارية
العلاقات السياسية الإيرانية الإماراتية المتوترة بسبب احتلال إيران للجزر الإماراتية طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى، لم تفسد التعاون التجاري بين البلدين الذي لا يفصل بينهما بحرياً سوى 60 كم، وهو ما سهل بناء علاقات تبادل تجاري منذ القدم بين طهران ودبي.
وتصدرت الإمارات دول مجلس التعاون الخليجي كشريك تجاري أول لطهران، وأحد أبرز الشركاء التجاريين لإيران حول العالم، وتضاعف التبادل التجاري بين إيران وإمارة دبي بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران ثلاث مرات، خلال الفترة بين عامي 2005 و2009 ليبلغ تسعة مليارات دولار سنوياً.
ثم عاد التبادل التجاري ليتراجع مع تجاوب دبي لمقتضيات العقوبات الدولية المفروضة على إيران، ليتراجع عن ذلك الحد، إلا أن دبي ظلت شريكاً تجارياً مميزاً لإيران؛ وبسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، فقد زادت جاذبية الإمارات في العيون الإيرانية، إذ ارتفع عدد الشركات الإيرانية العاملة انطلاقاً من الإمارات، ومعها التبادل التجاري بين البلدين الجارين.
لعب موقع الإمارات المتميز على خريطة التصدير وإعادة التصدير العالمية عموماً والآسيوية خصوصاً، دوراً أساسياً في إمالة ميزان القوى الاقتصادي لمصلحة الإمارات في مواجهة إيران خلال العقد الأخير، وفوق كل ذلك أمكن للطرفين بناء "مصالح مشتركة" فوق أرضية تجارية ثابتة، الأمر الذي شكل ديناميكية خاصة لعلاقات متناغمة اقتصادياً ومتنافرة سياسياً.
- فرص التجارة ما بعد الاتفاق
بعد توقيع الاتفاق النووي تغيرت صورة العلاقات التجارية بين دبي وإيران، وما سيترتب على الرفع المرتقب للعقوبات، إذ ستتأثر القوة النسبية لورقة الاقتصاد الإماراتية في إدارة علاقاتها مع إيران، لأسباب ثلاثة بحسب الخبير الاقتصادي مصطفى اللباد؛ الأول أن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سيطلق يدها في تشكيل علاقاتها التجارية مع العالم، بحيث تنوع إيران تجارتها الخارجية مع شركاء إضافيين، ولا تعود تعتمد بشكل أساسي على دبي.
أما السبب الثاني فإنها تستعد بالفعل لتدشين ست مناطق حرة على سواحلها الجنوبية بموجب خطتها للنهوض الاقتصادي، الأمر الذي سيضع دبي في مواجهة منافسة تجارية غير مسبوقة؛ والسبب الثالث أن خطة إيران للنهوض الاقتصادي المشتملة على توسيع وتحديث مطاراتها القائمة، وبناء أخرى جديدة، للصعود إلى مركز العقدة في الطيران التجاري الدولي بين شرق آسيا والشرق الأوسط، سيهدد المكانة التي تحظى بها دبي على هذا الصعيد أيضاً.
من جانبها ترى مجلة "الإيكونوميست" أن إمارة دبي ستكون أحد أكبر المستفيدين من توصل إيران إلى تسوية مع الغرب حول برنامجها النووي، وخصوصاً بعد رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران وإعادة فتح السوق الإيرانية أمام المستثمرين الأجانب.
وأوضحت المجلة -في سياق تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني مطلع الأسبوع الجاري- أن دبي التي ظلت طويلاً مقصداً للتجار والمستثمرين من أجل تمرير بضائع وأموال إلى الداخل الإيراني طيلة فترة العقوبات، مؤهلة الآن إلى أن تصبح البوابة الأمامية للحركة التجارية والاستثمارات الوافدة إلى إيران، ولفتت إلى أن الإمارة الخليجية، التي تعتبر أبرز المراكز التجارية في العالم، تستضيف على أراضيها أكثر من 10 آلاف رجل أعمال إيراني وشركات تجارية إيرانية، كما أن دولة الإمارات، ما تزال ثاني أكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين.
ويقول المحللون للمجلة البريطانية إن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في إيران، سيسهم بدوره في زيادة حجم الأموال والبضائع التي تمر عبر الإمارات بجانب تنشيط حركة السياحة.
وأشارت "الإيكونوميست" إلى أن عدد رحلات الطيران بين طهران ودبي بلغت 50 رحلة أسبوعياً، فضلاً عن الرحلات التي تتم بين مدن أخرى في البلدين، مضيفة أن شركة طيران الإمارات، ضاعفت عدد الوجهات الإيرانية التي تخدمها من وجهتين إلى تسع وجهات خلال العام الجاري.
وتابعت أن الشركة وهي أحد أكبر شركات الطيران في المنطقة، تعتزم توصيل رحلات جوية إلى مدينة "مشهد"، التي تعد ثاني أكبر المدن الإيرانية ازدحاماً بالسكان، كما من المتوقع أن يعزز ميناء "جبل علي" -التابع لموانئ دبي العالمية- مكانته كنقطة إقليمية رئيسية لشحن البضائع المتجهة إلى إيران.
خبراء ومحللون اقتصاديون يشيرون إلى أن دبي ستكون هي بوابة إيران للعودة إلى دورة الاقتصاد العالمي بعد رفع العقوبات وفك الحظر عن أرصدتها، مثلما كانت نافذتها الوحيدة للحركة الاقتصادية تحت العقوبات، فالإمارات الأقرب جغرافياً واقتصادياً والبعيدة سياسياً عن طهران تحرص على الفصل بين الملفين الاقتصادي والسياسي، فالبرغم من اختلاف التوجهات السياسية في العديد من ملفات الشرق الأوسط، إلا أن المصلحة الاقتصادية قادرة على تحييد الموقف السياسي في سبيل تحقيق مصالح مشتركة للجانبين.