«غايم ستيك» Game stick، «أويا» OUYA، «غايم بوب» Game Pop، «موجو» MOJO، «ستيم ماشين» Steam Machine، «بي أس فيتا» PS Vita و«شيلد» Shield. ماذا تعني لك هذه الأسماء؟ ربما لا شيء، لكن ربما تصبح جزءاً من الايقاعات اليومية في منزلك، على غرار دخول «واتس آب» و«آي فون» و«آي باد» و«بلاي ستايشن» وغيرها، إلى يوميات المنازل.
ليست الأسماء الواردة مجرد تسميات لأجهزة جديدة في الألعاب الإلكترونيّة، بل أنها تصلح أيضاً لتفسير بعض الأحداث الكبرى التي هزّت المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة هذه السنة على غرار شراء شركة «مايكروسوفت» الأميركية لقسم الهواتف الذكيّة في شركة «نوكيا» الفنلندية الشهيرة ما يعني شبه ذوبان للأخيرة في مشتريتها الأميركية العملاقة، وفشل جهاز «آي فون 5» في تحقيق فورة قوية عند انطلاقته ما يرسم آفاقاً قاتمة فوق شركة «آبل» بعد ان تعملق حجمها ليفوق الشركات كافة، وأخيراً الإنهيار المريع لشركة «بلاك بيري» Black Berry بعد أن كانت عملاقاً يهدد بابتلاع سوق الخليويات الذكيّة كلها! ما هي العلاقة بين الأسماء المغمورة لأجهزة الألعاب الإلكترونيّة من جهة، وبين هذه الإنهيارات الثلاثة الكبرى (كل منها يشبه «تسونامي» مستقّل) من جهة ثانية؟ الجواب ربما كان اسماً بات مألوفاً بالنسبة الى شريحة واسعة من الجمهور الإلكتروني: التطبيقات «آبليكايشنز» Applications المتّصلة بنظام «آندرويد» Android!
يعتقد كثير من متابعي عوالم المعلوماتية والاتصالات أن «نوكيا» وصلت إلى وضع حتّم عليها بيع القسم الأكثر أهمية فيها، بسبب إصرارها العنيد على التمسّك بمجموعة ضيّقة نسبيّاً من التطبيقات الخاصة (تصنعها هي و«مايكروسوفت»)، ما أبعد أجهزتها عن التعامل مع تطبيقات «آندرويد».
لا بد من الإشارة إلى أن تطبيقات «آندرويد» باتت مألوفة بشدّة لدى الجمهور، بل أنها تتكاثر كالفيروسات الشتويّة لأنها ترتكز إلى نظام مفتوح المصدر ما يجعلها في متناول المبرمجين كافة وبصورة مجانيّة، ما يسهل صنع مجموعات كبيرة منها بصورة مستمرة، فتصبح سيولاً متدفقة وجارفة.
ويبدو أن سيول تطبيقات «آندرويد» جرفت «نوكيا» فانزاحت من موقعها المكين (بل التاريخي أيضاً) كصانع أول للخليويات، لتصبح مجرد لاعب آخر في هذا السوق، فسهل على «مايكروسوفت» شراؤها، وضمّها إلى المجموعة الكبيرة من الشركات التي تمتلكها، بل صارت جزءاً من أدوات تستخدمها «مايكروسوفت» في المنافسة في عوالم المعلوماتية والاتصالات.
وتبرز صورة مماثلة في فشل تحوّل إطلاق «آي فون 5» ظاهرة عالميّة ذات دوي هائل، لأن «آبل» ما زالت مصرّة على ربط أجهزتها بمخزن التطبيقات الخاص بها «آبل آبس» Apple Apps، مع حبل إنقاذ يأتيها من حرص كثير من صنّاع تطبيقات الـ «آندرويد» على انتاج نسخ من تطبيقاتهم تصلح للتعامل مع أجهزة «آي فون» و «آي باد» وغيرها من الأجهزة التي تنتجها شركة «آبل» العملاقة.
والأرجح أن «تسونامي» تطبيقات «آندرويد» اجتاح «بلاك بيري» بصورة خفيّة، بمعنى أن غياب هذه التطبيقات عن أجهزة «بلاك بيري» (كانت رمزاً للتميّز والتفوّق قبل زمن وجيز)، أدى الى دحرجتها على سفح شديد الانحدار. لم لا يكون الحديث عن سقوط مدوٍّ، عندما يسقط سهم «بلاك بيري» الذي كان حصناً للاستثمار المضمون في العام 2008 بسعر يلامس 150 دولاراً، فيتدحرج بشدة ليصل إلى 9 دولارات، أي أقل من 9 في المئة من سعره في 2008! عند هذه النقطة، لم تعد شركة «آر إي أم» RIM، الصانع لجهاز «بلاك بيري»، تقدر على مقاومة شراء اقتحامي من شركة «فيرفاكس فايناشل»، فباعت نفسها بـ4.7 بليون دولار.
«بلاك بيري» تسدل الستار
كانت شركة «بلاك بيري» (أو الشركة التي كانت تُعرف سابقاً باسم «أر أي إم») تفرض قبضتها الحديد على سوق الهواتف الذكية، إلى حين ظهور هاتف «آي فون» عام 2007. أتاحت تلك الشركة إمكان التحكّم بالبريد الإلكتروني والرسائل النصيّة بصورة تفوق الشركات الاخرى، بل امتلكت تقنيّات أهّلتها لاحتكار التفوّق في الاتصالات الذكيّة، خصوصاً لجهة ربط الخليوي مباشرة بشبكة الانترنت، من دون المرور بشبكات الاتصالات الخليوية كليّاً. ثم تشوّهت صورتها، بأثر من ارتكابها سلسة أخطاء، بل تأخّرها تقنيّاً عن منافساتها في سوق لا تتوقّف عن التقدّم. وبسرعة، انتقلت «بلاك بيري» من منصب الملك إلى دور مهرّج البلاط.
لأوقات طويلة، استند جزء كبير من نجاح «بلاك بيري» الى البرامج والخدمات التي تشغّل البريد الإلكتروني من الانترنت على الهاتف المحمول، وضمنه الرسائل النصيّة التي بدت كأنها شبكة مغلقة على مستخدمي «بلاك بيري» لأنها تستند إلى خوادم خاصة بتلك الشركة، ولا تحتاج شبكات الخليوي المحليّة. وفي الولايات المتحدّة، وجّه البنتاغون ضربة أولى لهذه الشبكة المغلقة التي تعطي المستخدم إحساساً بأنه جزء من نخبة محدودة أو مافيا ذات سطوة، إذ طلب من الشركة أن تعطيه حقّ الإطّلاع على الرسائل الخطيّة للجمهور، بعد أن تبيّن أن أجهزة «بلاك بيري» منتشرة بين طيّاري أميركا وضبّاطها ما يعني أن شبكة رسائل «بلاك بيري» تحمل تهديداً أمنيّاً للبلاد. وتسرّب الأمر إلى الإعلام. وما لبثت الهند أن سارت على خطى الكونغرس، وحصلت على الحقّ في الاطلاع على مضمون شبكة «بلاك بيري». وحدثت أمور مُشابهة في عدد من الدول الخليجية والعربية أيضاً، إضافة الى مجموعة من الدول الأوروبية أيضاً. وتأثّرت سمعة «بلاك بيري» بهذه المنازعات بصورة قويّة. وبعدها، لم يتأخّر مسار الانحدار.
مرّت الشركة بفترة صعبة منذ مدّة. وبرزت معضلة تتمثّل في تخلّف منصّتها عن نظامي «آي أو أس» («آبل»)، و «آندرويد» («غوغل»)، لجهة عدد التطبيقات وسهولة الاستخدام. وكذلك تأخّرت «بلاك بيري» في التعامل مع ارتفاع عدد الأجهزة المحمولة التي تعمل بواسطة اللمس، وتعذّر عليها مواكبة هذه النزعة التي انتشرت وصولاً إلى كومبيوتر المكتب والألواح الذكيّة وحتى شاشات التلفزة.
لعنة صورة المدير
في إحدى محاولاتها لإنقاذ نفسها من الغرق، لجأت «بلاك بيري» إلى صنع برامج لم تلق رواجاً كبيراً، كبرنامج «بلاك بيري موبايل فيوجن» (سُميّ لاحقاً «إنتربرايز») الذي يتيح لمديري تقنية المعلومات في الشركات إمكان مراقبة التطبيقات وكلمات المرور في «آي فون» و»آندرويد». ولم تلق هذه البرامج نجاحاً، بل لم تحقق للشركة سوى 3 في المئة من عائداتها في هذه السنة، بل أن مزيج البرامج والخدمات لم يعطِ في 2013 سوى 29 في المئة من عائدات الشركة، فيما كان 41 في المئة في 2012. ويزيد في مأسوية هذه الصورة، أن الخدمات والبرامج باتت تعطي أرباحاً أكثر من مبيعات الأجهزة نفسها، وهو مغاير لما كانته الحال سابقاً. وأشار كثير من المحللين إلى ان المستهلك صار يستخفّ بشركة «بلاك بيري»، ويراها حكراً على فئة من المديرين ممن هم في منتصف العمر، ويحبّون ملازمة مكاتبهم، ويتلقون رواتب مرتفعة، ويضعون خليوياتهم داخل جعبة معلّقة على سراويل ثمينة من ماركات مشهورة! وداعاً «بلاك بيري». مرحباً «آندرويد». مع تذكّر أن الذاهب لا يرحل كثيراً ولا يمضي بعيداً، وأن الصاعد ربما تحوّل الى السقوط في طرفة عين، طالما أن التقنيّة الرقميّة لم تصل إلى مرحلة الاستقرار في متغيّراتها (لنقل، على غرار الحال في صناعة السيّارات مثلاً) الشديدة التقلّب، والتي ما زالت ملامحها تتغيّر بقوة كلما استطاع عقل متوقد أن يحقق اختراقاً تقنيّاً يقلب به التوازنات الهشّة في عوالم المعلوماتية والاتصالات المتطورة.
كرونولوجيا إنهيار «ب.ب.»
1- في العام 1997، لامس سعر سهم شركة «ريسرتش إن موشِن»، صانعة هواتف «بلاك بيري»، الـ200 دولار. وأُدرِجَت الشركة بورصة «تورنتو» الكنديّة، فجمعت ما يزيد على 115 مليون دولار.
2- 1999، أدرجت شركة «بلاك بيري» بهذا الاسم، في بورصة «ناسداك» الأميركية المعتمدة على شركات التكنولوجيا الإلكترونيّة. في السنة عينها، أطلقت الشركة بريد «بلاك بيري» التي تعمل على خوادم الشركة، بالاستقلال عن الشبكات المحليّة للخليوي.
3- 2002، أضافت «بلاك بيري» خدمة بريد الرسائل الصوتية عبر شبكتها المستقلّة من الخوادم أيضاً.
4- 2007، أطلقت شركة «آبل» جهاز «آي فون» لتدخل في منافسة حادة مع «بلاك بيري» التي تخطت عتبة الـ10 ملايين مشترك في شبكتها.
5- 2008، أنزلت شركة «ريسرتش إن موشِن» جهاز «ب. ب. ستورم» BB Storm، وهو أول أجهزتها التي تعمل بالنقر على شاشة تعمل باللمس.
6- 2011، أُطلِق جهاز «ب. ب. بلاي بوك» BB Play Book، وهو قارئ للكتب الإلكترونيّة، بقصد المنافسة في سوق الكتب الرقميّة والألواح الذكيّة. وسرعان ما سرت انتقادات واسعة لهذا الجهاز بسبب افتقاره للخدمات التي يتمتع بها «بلاك بيري»، فيما عملت «آبل» على التكامل بين «آي فون» و «آي باد». في تلك السنة، واجهت الشـركة فـشلاً أولاً فـي تحـقيق أهدافها الماليّة.
7- في مطلع 2013، نزل إلى الأسواق جهاز «ب.ب. زد 10» BB Z 10، ولم يكن سوى خيبة للآمال الواسعة التي عُلّقَت عليه! وتسبّب للشركة بخسائر قاربت البليون دولار. وانهار سعر سهم «بلاك بيري» بتسارع كبير. وفي 23 أيلول (سبتمبر) 2013، تقدّم كونسورتيوم «فيرفاكس فايننشال» بطلب استحواذ على «ريسرتش إن موشِن» بقيمة 4.4 بليون دولار، ما أوقف تدهور أسهم «بلاك بيري» لتقف عند قرابة الـ9 دولارات، ما يمثّل 6 في المئة من سعر ذلك السهم في العام 2008.