الأستاذ الباحث الرائد عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي أحد أعلام الشحر وحضرموت والوطن بأسره في مجالات التربية والتاريخ والتراث والمسرح والثقافة عموما، وهو شخصية فذة أعطت عطاء شاملا ، وصدر له العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات التاريخية والتراثية ، وقد شغل مناصب متعددة منها: مدير عام إدارة الثقافة بحضرموت ومدير الثقافة بالشحر وغيرها من المناصب الرفيعة في المسرح والفنون والمتاحف رغم تواضعه وزهده في البحث عن المناصب ولكنها كانت تبحث عنه .
وللباحث الاستاذ الملاحي بصمات واضحة في تدوين تاريخ الأمكنة التراثية و خدمة المتاحف والمخطوطات الحضرمية . لقد دأب على البحث والدراسة والعمل الدؤوب فأضحى استاذنا مصدرا من المصادر التاريخية الحضرمية ومرجعا أصيلا يقصده الزوار من الباحثين والدارسين المحليين والعرب والأجانب . وقد ساهم الأستاذ الملاحي مع الشاعر الكبير حسين المحضار في تأسيس منتدى الاثنين المحضاري وتولى بعد رحيله ادارة مركزه لفترة من الزمن والذي يضم متحفا لتراث وأعمال الشاعر الكبير المحضار.
ومنذ صباه شغف استاذنا بحب الاطلاع ، ولا عجب فقد أبصر الوجود وأمامه في المنزل مكتبه عامرة بالمراجع الدينية والفقهية وكتب التراث العربي لوالده العلامة مفتي الشحرالشيخ الجليل عبدالكريم الملاحي، فنشأ على حب القراءة والإطلاع وتشرب المعرفة من مناهلها الصافية، وأنكب على الدرس والتحصيل حتى أصبح بحرا زاخرا من التاريخ والثقافة والمعرفة والنباهة والذكاء ، ولكن الدرس المؤثر الذي تركه والده في نفسه هو الجد والانضباط والتواضع .
وأستاذنا الملاحي إذا تحدث أو ألقى محاضرة فأنه يتدفق كالسيل وهو بحق محط إعجاب الناس لثقافته الموسوعية، وكتاباته التي يصوغها بالسهل الممتنع فتتغلغل في اعماق النفس وتستقر في صميم الوجدان حاملة المتعة والفائدة . ولأن شخصية العلامة والده وتواضعه واجتهاده هي جزء من تكوينه الشخصي فأضحى استاذنا بحق سحابة من الجود والعطاء وذخرا للثقافة وسندا للمثقفين لا يبخل بالمعلومة ولا بالفكرة ولا بالمرجع لمن يحتاج إليه وهو سامي بحق سمو أخلاق ومواقف وريادة وأصالة .
ان جهود الاستاذ الملاحي ودوره في إرساء الوعي الثقافي والتراثي والتاريخي من خلال المناصب الرفيعة التي تسنمها والدراسات والأبحاث والكتب والمقالات التي أصدرها والمحاضرات الكثيرة التي ألقاها ومساهمته في ترسيخ القناعة بأهمية تراثنا وحضارتنا وتاريخنا، وإذكاء الهوية والخصوصية الحضرمية لدى الباحثين بمختلف اجناسهم لهو دور وطني صميم أكثر أهمية وصدارة من دور العديد من السياسيين في هذا الوطن .
وأستاذنا الجليل الشيخ عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي وقد عاد الى أرض الوطن من الأردن الشقيقة بعد ان أجرى بعض الفحوصات الطبية، فلا يسعنا هنا سوى أن نشكر الله تعالى الذي أسبغ على استاذنا الصحة والعافية ونشكر الأخ محافظ حضرموت والأخ المدير العام بمديرية الشحر وذلك لاهتمامهما بحالته الصحية وتقديمهما الدعم اللازم لرحلته العلاجية، وهو واجب وحق لأستاذنا الباحث الرائد والنموذج النادر للحب والعطاء، والقيمة الوطنية العليا والعلم الشامخ، حق له على وطنه أن يترجم قيمة الوفاء لمن كان وفيا لأصالته، وفيا لأمته، وفيا لهويته، وفيا لانتمائه، وفيا للوطن، وفيا للأرض الحضرمية العريقة حضاريا وثقافيا وتاريخيا .
ولازلنا نحلم بأن ينفتح مجتمعنا على قراءة تاريخه الناصع قراءة واعية، واستيعاب معرفة تراثه الثقافي والإبداعي الذي دونه مؤرخينا الأجلاء في كافة المجالات ومنهم الاستاذ الملاحي، وأن يعطى لهؤلاء الرموز من الباحثين حقهم الاعلامي اللائق بهم وبجهودهم العظيمة حتى يكون للإبداع والثقافة والتاريخ الحضرمي صورته المشرقة والمضيئة في حياتنا .
وماهذه السطور إلا رسالة حب وترحيب وتحية، حب لأستاذنا، وترحيب بوصوله الى ارض الوطن على جناح السلامة، وتحية إجلال وإكبار لهذا الرائد الباحث والمؤرخ الأستاذ عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي.