الرئيسية - تقارير - مشروعية فرار هدى ووجوب التضامن معها .

مشروعية فرار هدى ووجوب التضامن معها .

الساعة 07:45 صباحاً
مانع سليمان*
حرية الاختيار أساس العيش ، وتأسيس العلاقات والروابط الاجتماعية بالرضى من أطرافها والقبول من لبناتها ، والاستيلاء على هذه الحقوق أو محاولة السيطرة عليها من قبل أي مكون أو جنس من بني البشر يجب أن يواجه بالرفض ويصد بالقوة ، مهما كانت مبررات الساعي لسلب الحق المتنازع عليه ، لأن الديانات السماوية والمذاهب الفكرية والاجتماعية لم تعط جنساً حق التسلط على جنس آخر ، وعلى كل إنسان الاحتفاظ بحقه في ذلك بأي وسيلة أو ثمن ، والتمسك بالحق في الاختيار لا يعتبر خروج عن الشرف المتعارف عليه ، وفقدان الشرف بفقدان الحقوق الذاتية والشخصية .
وقد سألني الكثير عن مشروعية اللجوء الاجتماعي للأخت ( هدى آل نيران ) ، وهل للشريعة المطهرة في ذلك قول ، فمثل هذه المسألة تحتاج إلى رؤية شاملة ونظرة عامة تجمع المسائل وتدقق في الدلائل ، لأنها متعددة الأوجه والدوافع ، وسأحاول في هذه الأسطر تبيين ذلك محاولاً الاختصار شديد .
ولوضوح المسألة لا بد من معرفة التالي :
حكم زواج المحب الذي يخشى الوقوع في المعصية ؟ فإذا كان الزواج واجباً فما هو حكم منع ذلك ؟ ما هي الحدود لولاية الأب على ابنته في مسألة الزواج ؟ ما مشروعية التضامن مع المرأة التي عضلها أبوها ؟ فلنبدأ بتبيين ما سبق من التساؤلات وربط بعضها ببعض ، بعدها إن شاء الله تتضح الرؤية لكل منصف ويزول الغبار عن كل مشتاق للوقوف على الحق .
فمن ما لا شك فيه عند أهل العلم قاطبة أن زواج المحب الذي يخشى الوقوع في المعصية واجب شرعاً ، ويلزم الطرفين السعي لتحقيق العيش المشترك عن طريق السلوك المشروع لهما في تحقيق ذلك ، والهروب لأجل إقامة الزواج الواجب شرعاً لا يقل شأناً عن الهجرة التي أقامها النبي مع أصحابه ، التي كانت لإقامة الواجبات الشرعية الذي صد المشركون أصحاب النبي عن إقامتها ومن ضمنها الزواج ، فأي فعل يصد عن الوصول لمرحلة الزواج الواجب شرعاً حرام ولا يجوز ، وأي عائق يكون سبباً في منعه أو تأخيره يجب إزالته من باب النهي عن المنكر الذي يجب تغييره لمنعه من إقامة الفعل الواجب شرعاً ، ولأن الزواج أساسه القبول من الطرفين كان لزاماً علينا التحقق من توفير ذلك لديهما ، حتى لا يطغى أحد الطرفين على الآخر ، ولأن المرأة مجبولة على الحياء خصوصاً البكر ، لن نتمكن من معرفة رضاها بسهولة ، خاصة والخلوة بها محرم شرعاً ، فكان الأب أحد وسائل معرفة الرضى من طرف ابنته ، فالأب وسيلة لمعرفة توفر الرضى من عدمه ليس غير ، ولا يمكن للوسيلة أن تصبح عائقاً من تحقق الغاية إذا ما توافرت ،فإذا ما أصبح أداة لمنع معرفة حالة الرضى من البنت أو أصبح مانعاً من تنفيذ الرغبة بالزواج من قبل البنت التي أظهرت قبولها بالتصريح بذلك ، وأعلنت أبوها عائقاً أما تنفيذها للزواج الواجب شرعاً الذي تعتبره السبيل الوحيد المشروع في بناء الأسرة التي يتكون منها المجتمع وجب على الحاكم صده عن ذلك ، بإصدار حكم انتزاع الولايته عليها بتهمة العضل ، والتوجيه بتوفير المناخ لإقامة الواجب الشرعي الذي هو الزواج ، وتواطؤ الحاكم مع الولي المانع لابنته من الزواج خيانة للدين وجناية على المهمة التي أوكلت إليه في إقامة العدل وحماية حقوق الآخرين ، يوجب على الجميع الوقوف في وجهه وإعادته إلى جادة الصواب في وظيفته أو إعلان التمرد عليه وإسقاط حقه في البقاء على كرسي الحكم ، وإعلان مظلومية الفتاة والمطالبة بتلبية طلبها في الجمع بينها وبين من تحب عن طريق الزواج عين التضامن الواجب شرعاً ، لأن تحقيق الزواج الواجب مرهون برفع الظلم الواقع عليها ورفع الظلم مرهون بالتضامن والنصرة لها والقاعدة الشرعية تقول ( ملا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) ، وهذا من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وإذا ما نظرنا إلى حالة الأخت ( هدى ) بحسب ما وصل إلينا من المعلومات حول قضيتها ، تبين لنا أنها لم ترد الخروج عن العفة ولا التمرد على الشرف ، وإنما أرادت الحفاظ على العفة والشرف معاً ، فبهروبها أرادت البحث عن خيط للعدالة يلبي لها رغبتها في الزواج المشروع ، لأنها ترى أنه السبيل الوحيد للحفاظ على عفتها والطريق المشروع للتلبية الرغبة وإشباع الغريزة المودعة في خلقتها بالفطرة ، وتؤمن أنها بهذا ستحفظ شرفها من الخدش وهذا هو التصور الصحيح ، فالشرف والعفة لا يحافظ عليهما بمنع الفتاة عن الزواج بمن ترغب ، ولو كانت ترغب في التمرد على الشرف والخروج عن العفة لمارست مع من أحبته كل ما تريد بدون الزواج الذي طالبت به في العلن .
والحصول على موطن لممارسة الحق في اختيار الزوج الذي تراه مناسباً لحياتها ، المسلوب عنها عنوة ، شرطه توفر الحماية اللازمة لتحقيق ذلك ، وقد اختارت البلد الذي ترعرع فيه المرغوب لديها ، وكان ذلك البلد هو اليمن ، لما تعرفه عنهم من تمسكهم بقيم الإسلام الداعية لنصرة المظلوم وإعانة الضعيف ، فإنها تأمل من أهله القيام بالحماية اللازمة لها ، من بطش الطغاة وتسلط المستبدين الناهبون لحقها المنتهكون لعفتها وشرفها بفرض رغباتهم المتجاهلة خصوصيتها في تحديد شكل ومضمون المستقبل الاجتماعي الذي تريده هي .
ففعلها مشروع وإعادتها إلى مصدر نزول الظلم عليها ممنوع وحق الولاية عليها من قبل الأب منزوع والحرج عنها مرفوع ولا ننسى أن الله عز وجل يقول : )يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم )