الإمارات.. هل حان وقت الدفع؟
شاكر أحمد خالد
عاشت الإمارات عقودا من بذخ الرفاهية والاستقرار.
بنية اقتصادية مذهلة جعلتها إحدى الوجهات السياحية العالمية، حيث تُعد مدينة دبي أحد المعالم فائقة الجمال والتصميم، بل قطعة من أوروبا وأعظم.
مدينة أسطورية، وسط كثبان من رمال الصحراء. وهنا تكمن المفارقة. يوجد مشاريع عملاقة تأخذ العقول، رغم البذخ وفحش الصرفيات. اتركوا بُرج خليفة الأشهر.
على سبيل المثال، قام أحد الأمراء الصغار بنقش حروف اسمه في إحدى الجزر، الحرف الواحد يمتد لمسافة كيلو متر، وداخل كل حرف قوارب للتجديف.
وفي سبيل البحث عن عواصف ماطرة، تعاقدت الإمارات مع شركة مناخ لتوليد السحب، حيث استطاعت توليد خمسين عاصفة ممطرة خلال عام.
ثمة قصص أسطورية للثراء الفاحش والبهرجة الممزوجة بغبرة التاريخ، ولمعان التحديث، رغم الفاصل المحدود بين كثبان رمل الصحراء وانبعاث تلك الواجهات السياحية المذهلة.
إنها أشبه بقرية كونية عالمية مذهلة، لكن في طريقها إلى بطر معيشة البذخ والسفور وحياة البروج الزجاجية اللامعة.
لم يُعرف عن الإمارات تدخلاتها الفجّة في شؤون الآخرين. كانت تقود سياسة ناعمة للتوفيق والصلح بين بعض أطراف النزاع في المنطقة.
ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، تغيّر الوضع كليا. كشر ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، عن نابه الشيطان المخفي، ونهَج سياسة مضادة لتطلّعات وأحلام الشعوب العربية.
وضع كل إمكانيات وممتلكات الجوهرة السياحية لبلده في خدمة كل أساليب البطش والانتهاكات المريعة لحقوق الإنسان.
لا يتوقّف الأمر هنا عند احتلال جزر وموانئ وتنفيذ سياسة الاغتيالات ضد الرموز المناوئين، وتدريب جيوش مرتزقة تحت الطلب.
تقدّم الإمارات نفسها الآن كدولة وظيفية لقيادة سياسة غربية مختلفة في المنطقة.
حارس جديد للولايات المتحدة وإسرائيل. أقامت علاقات رسمية مع تل أبيب، واستقبلت مسؤولين وفنانين صهاينة في أراضيها، وهناك حركة تجارية نشطة بين الجانبين.
عدا سياسة الانفتاح على الديانات. تقود حربا ضد ما تسميه الإرهاب، الذي يحتل أولويات السياسة الأمريكية والغربية.
ليست حربا كلامية من أبوظبي، بل مشاركة بالقوات والأموال على جبهات عدة، وكجزء أيضا من حربها ضد "الربيع العربي".
يبدو أنها تمكّنت من إقناع الولايات المتحدة بوجهة نظرها حتى الآن بأن الثورات العربية تعاكس مصالح واشنطن في المنطقة، كما تهدد هذه الثورات إسرائيل ككيان دخيل في المنطقة العربية.
ومن الواضح أن واشنطن تشبّعت من الحنفية السعودية وتتجّه إلى استبدالها بحليف أقوى خاصة أن الإمارات تقدّم نفسها بقوة كبديل معتبر في منطقة الشرق الأوسط.
لكن الأسوأ لم يأتِ بعد. خلال أسابيع فقط، تعرّضت الإمارة لأربع هجمات بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، خلّفت قتلى وجرحى وأضراراً مادية بعد أن كانت بلدا آمنا لا تعرف أي حادثة مضطربة.
وفيما تأتي هذه الهجمات على خلفية تدخلاتها العدوانية في اليمن، هناك ارتياب في استثمار ذلك الدعم من قِبل من تعدُهم أبو ظبي حلفاء، وهم في الحقيقة مجموعة من المرتزقة.
الاستثمار الوحيد المزدهر هو لدى مليشيا الحوثي، التي تستغل الحالة المائعة في البلاد بصفقات سلاح إيرانية، وقدرات صاروخية جديدة، قادرة على تهديد مدن وعواصم الخليج.
سياسة الإمارات لا تراعي حتى الحليف السعودي، الذي يريد تأمين حدوده الجنوبية الرّخوة.
على مدى أشهر، يتعرّض لضربات مسيّرة، ولم ينل القدر الكافي من الدعم والتعاطف الأمريكي الذي نالته أبو ظبي.
صحيح ألاّ أحد يعلم أسرار صفقات السلاح بين الولايات المتحدة والرياض، وما إذا كانت واشنطن منزعجة من حليفها القديم جراء ذلك.
لكن المؤكد أن الإمارات أضحت وجهة جديدة للولايات المتحدة، فيما يبدو الحديث بأن الهجمات تستهدف القاعدة الأمريكية، مبالغٌ فيه.
أي ضربات صاروخية أو مسيّرة ستؤذي الاقتصادي الإماراتي وستصيبه بالشلل. مهما بلغت قوة الضربة، لن تضر القاعدة الأمريكية بقدر ضررها الماحق باقتصاد الإمارة، وتبدو مخاوف الأمريكيين غير منطقية.
ربما أرادت "القنوات الأمريكية" تمرير مصالح اقتصادية وصفقات أسلحة مثل الصفقة الأخيرة المعلنة من قِبل واشنطن.
عند الحديث عن الوجهة الجديدة لواشنطن، هناك جزءٌ مهم مختلف في الإمارات عن السعودية.
الأخيرة لازالت محمّلة بإرثٍ فكري متجذّر مع عمليات الإرهاب، بينما الإمارات تعد كدولة خام، وتقدّم نفسها كدولة وظيفية متخففة من كل الحمولات المعيقة لتنفيذ سياسة إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة.
مع ذلك، المسافة التي قطعتها طهران في المنطقة سبقت الجميع. استفادت من خنق تطلّعات الشعوب العربية بدعم مليشيات شيعية للوصول إلى سدة الحكم في أربع عواصم.
في كل الحالات، ليس أمام أبوظبي إلا دفع الفاتورة عاجلاً أم آجلا.
في أحسن الحالات، إذا لم يكن الدفع أمنياً بواسطة الصواريخ العابرة والطائرات المسيّرة الآن، سيكون مزيداً من ضخ الأموال إلى خزينة الولايات المتحدة.